الكنائس المسيحية الرسولية الشرقية والغربية دائما تهتم بتكريم القديس مار نيقولاوس، إلى أن قامت بتدوين قصته بلغات شتى، عاش نيقولاوس كرجل يحيا لأجل الآخرين، فعند التأمل بسيرة حياته، نجد أنه خير وازع لتمجيد اسم اللّـه القدوس، فقد عاش هذا القديس لأجل الآخرين، وكان شاهدًا لعناية اللّـه تعالى بالمخلوقات عامة، والإنسان بشكل خاص. فاللّـه يُسخّر عبيده الأمناء، كالقديس نيقولاوس، ليعتنوا بإخوتهم بني البشر، بسد عوزهم الروحي والجسدي.ويعتبر مار نيقولاوس شفيعًا للمظلومين والذين لم ينصفهم القضاء أحيانًا. وتذكر قصته، أن قضاة عادلين اعتقلوا ظلمًا وبهتانًا، متهمين بالرشوة، وإذ كانوا في السجن معذبين، صلى أحدهم إلى اللّـه متشفعًا بمار نيقولاوس، فاستجيبت صلاته ونجا مع رفاقه من حكم الإعدام، إذ ظهر للملك ولبعض المسؤولين ملاك الرب في حلم، معلنًا براءة أولئك القضاة، فتمّ الإفراج عنهم.انطلقت صرخاته الاولي في أواخر القرن الثالث للميلاد في بلدة باتار في آسيا الصغرى، وكان أبوه أبيفانوس، وأمه تونة من أغنياء القوم في بلدهما واشتهرا بمخافة الرب، وعمل الصلاح وتوزيع الصدقات، وكانا عاقرين، يواصلان الصلاة إلى اللّـه والطلبات منه تعالى كي يرزقهما طفلًا. فاستجيبت صلاتهما وولد لهما ولد سماه نيقولاوس، وبالسريانية زوخي واهتما بتربيته التربية المسيحية الصالحة، وبتلقينه العلوم الروحية إلى جانب العلوم الدنيوية. وشعر معلموه بقوة النعمة الإلهية التي أسبغت عليه بوفرة، إذ بز رفاقه في تحصيل العلم وفي ممارسة أعمال الفضيلة، منذ نعومة أظفاره، فرسم شماسًا، ثم ترهّب في دير كان ابن عمه رئيسًا عليه، فأظهر فيه من النسك والعبادة ما تعجز عنه طاقة البشر.وزع مار نيقولاوس أمواله الطائلة على الفقراء والمعوزين على أثر وفاة والديه، من ذلك أنه سمع يومًا عن رجل غني عصفت بأمواله ريح الدهر الخؤون، وكان له ثلاث بنات جميلات كدن يهوين في وهدة الرذيلة لإنقاذ أفراد العائلة من الجوع والفاقة، فذهب إليه مار نيقولاوس ليلًا، ورمى إليه من النافذة صرّة من المال، وتوارى عن الأنظار، فلما استفاق الرجل صباحًا، وجد المال، فعد ذلك هبةً من اللـه، فتاب إليه تعالى وشكره على عنايته الإلهية. وجهّز ابنته الكبرى بذلك المال، وزوجها من شاب يخاف اللـه. فلما سمع مار نيقولاوس بذلك، فرح كثيرًا، وأعاد الكرَّة ورمى صرةً ثانية من المال، استخدمه الرجل لزواج ابنته الثانية. ولكنه، وقد تاق إلى معرفة السر الكامن وراء هذا الإحسان الكبير، أخذ يسهر الليالي، مترقبًا وإذ عاد مار نيقولاوس للمرة الثالثة، ورمى بصرة المال من الكوة، لحق به الرجل وأمسكه، وعندما عرفه سجد له شاكرًا. فطلب إليه مار نيقولاوس أن يكتم اسمه وألا يخبر أحدًا لأن الرب أوصى في ميدان الإحسان، ألا يُعلم الإنسان شماله ما تفعله يمينه. أما ذلك الرجل، فلم يتمكن من كتم الخبر، إذ راح ينشره بين أصدقائه وجيرانه، فعطر اسم مار نيقولاوس تلك المنطقة كاملة.عندما بلغت شهرته وسمع صيته باذنه وعُرفت فضائل مار نيقولاوس وفاح أريجها في بلدته، رحل إلى بلدة ميرا إذ كان خاله أسقفًا. فرسمه خاله كاهنًا وأقامه رئيسًا على دير في ضواحي بلدة ميرا، وتنبأ له عن مستقبل باهر في خدمة الكنيسة، إذ سيتبوأ فيها مركزًا مرموقًا.كان الزوجان اللذين فقدا ابنهما الوحيد كان وراء قصتمها أعجوبة باهرة، وأنفقا أموالهما وهما يبحثان عنه، دون جدوى. وبعد سنين عديدة، قصدا الدير وهما يائسان، وطلبا من رئيس الدير مار نيقولاوس الصلاة لأجلهما، فأمر رئيس الدير الرهبان بالاجتماع لإقامة صلاة خاصة على نية هذين الزوجين المعذبين. فاستجاب الرب الصلاة، وأحضر ملاك الرب الصبي الذي كان قد اختطف وبيع عبدًا لأناس باعوه بدورهم إلى أحد كبار الرجال في مصر، فاختطفه ملاك الرب وأتى به إلى الدير، فسلمه مار نيقولاوس إلى والديه.كان خال مار نيقولاوس قد انتقل إلى جوار ربه وقام مكانه أسقف آخر، فأصبح تسقفه على ميرا بعد عودة مار نيقولاوس إلى ديره من زيارة الأماكن المقدسة رأى ذات ليلة حلمًا عجيبًا كان حلّة حبرية زاهية قدمت إليه ليتشح بها، كما رأى عرشًا رفيعًا ورجلًا يقول له: تفضل واجلس على هذا العرش، وفي ليلة أخرى رأى السيد المسيح يسلم إليه الإنجيل المقدس والسيدة العذراء تناوله الحلة الحبرية.ويقال إنه على إثر وفاة أسقف ميرا، ظهر ملاك الرب لرئيس الأساقفة في حلم وقال له: إن الرب قد اختار مار نيقولاوس ليقام أسقفًا على ميرا، وعندما استيقظ رئيس الأساقفة أخبر سائر أساقفة المنطقة، فاعتبروا ذلك أمرًا من السماء، فجاءوا بمار نيقولاوس ورسموه أسقفًا على ميرا. وتقول رواية أخرى: إن ملاك الرب ظهر لأكثر من أسقف وهم مجتمعون في الكنيسة، صائمين مصلين كي يلهمهم الرب إلى اختيار الرجل الصالح ليقيموه أسقفًا على ميرا. فقال ملاك الرب لمن ظهر لهم في الحلم: إن أول من يدخل الكاتدرائية في صباح اليوم التالي هو الذي اختاره اللّـه لهذه الرتبة. كما ظهر الملاك لمار نيقولاوس في حلم، وأمره أن يغادر الدير باكرًا جدًا ويدخل المدينة ليصلي صباحًا في كاتدرائيتها. فلما فعل نيقولاوس ما أمره به الملاك، ووصل إلى باب الكاتدرائية، كان أحد الأساقفة في الانتظار.. فأمسك به وأدخله إلى بقية الأساقفة، فنادوا: «مستحق، مستحق، مستحق» أن يكون أسقفًا على ميرا، إنه الشخص الذي اختاره الرب لهذه الرتبة السامية. وبعد الانتهاء من مراسم رسامته أسقفًا، صلى مار نيقولاوس على إنسان فارق الحياة، فعادت نفسه إلى جسده، وقام حيًا! فتعجب الجميع، وسبحوا اللّـه على قدرته.فعندما تم اجتماع مجمع نيقية عام 325، حضره مار نيقولاوس وفنّد مع آباء المجمع بدعة آريوس معترفًا بالإيمان المستقيم الرأي، وحدث على عهده جوع شديد، وكانت سفن الإمبراطور تنقل الحنطة من الإسكندرية إلى شواطئ آسيا الصغرى، فالتمس مار نيقولاوس قبطان إحدى هذه السفن ليهبه مائة برميل كبير من الحنطة بغية إعانة أبناء أبرشيته، وحالما وافق القبطان على ذلك، شاهد الحاضرون ملائكة تفرّغ الغلة إلى الميناء، ومما زاد من دهشتهم أن حمولة السفينة لم تنقص أبدًا رغم إنزال الكمية المطلوبة من الغلة إلى أرض الميناء، فمجدوا اللّـه الذي أنعم على القديس مار نيقولاوس بعمل المعجزات.عاش حياة رائعه مليئة بالسلام ونشر المحبة فأنتقل في عام 341، إلى الأخدار السماوية وله من العمر ثمانون سنة، وقضى منها أكثر من أربعين سنة في خدمة الأسقفية في ميرا، ودُفن جسده الطاهر، بإكرام كبير في أحد مرتفعات مدينة ميرا، وكما اجترح عجائب في حياته، كذلك اجترحت على ضريحه عجائب عديدة! فصار ضريحه مزارًا يتبرك به المؤمنون القادمون من أماكن شتى، كما تشفع به المسيحيون في الشرق، كذلك تشفع به المسيحيون في الغرب، إذ نقلوا ضريحه الطاهر عام 1087م من مدينة ميرا عاصمة إقليم ليفيا في جنوب تركيا، إلى مدينة باري في إقليم إيوليا في إيطاليا وتعيد له الكنيسة في 6 كانون الأول المصادف 10 كيهك القبطي.
مشاركة :