بلاد البوسنة والهرسك عبر التاريخ (1-2)

  • 12/6/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بطلب من الأخ جواد يوسف الحواج رئيس جمعية البوسنة والهرسك للأعمال والصداقة والأخ رياض يوسف نائب رئيس الجمعية ورئيس مركز البوسنة والهرسك للتبادل التجاري والثقافي والتنمية الاقتصادية ألقيت محاضرة مختصرة بعنوان «البوسنة والهرسك عبر التاريخ» في مقر جمعية تاريخ وآثار البحرين من منطلق أهداف الجمعية التي تأسست في يوليو 2017 لتعريف وتفعيل التعاون القائم بين مملكة البحرين وجمهورية البوسنة والهرسك الفيدرالية وتعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق التعاون وتعزيز فرص الاستثمار وتحقيق الأهداف التنموية المشتركة التي تصب في مصلحة البلدين الصديقين وخاصة بعد زيارة الرئيس حارس سيلاديتش رئيس جمهورية البوسنة والهرسك الفيدرالية السابق بدعوة كريمة من مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي بمناسبة «اليوم العالمي للتسامح» وقد تفضل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه برعاية مؤتمر «دور التعليم في تعزيز قيم التسامح في مملكة البحرين عبر التاريخ» الذي افتتحه نيابة عن جلالته سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء يوم السبت 19 ربيع الأول 1441 الموافق 16 نوفمبر 2019 في مركز عيسى الثقافي. اشتملت المحاضرة على بعض الأحداث التاريخية ودور البوسنيين البطولي في قيام جمهوريتهم رغم المعارضة الإقليمية والدولية والأهوال والصعاب والدمار والإبادة الجماعية التي واجهتهم وتقديمهم تضحيات جسيمة خلال المعارك الحربية التي استمرت من أبريل 1992 إلى ديسمبر 1995 ما أدى إلى تقسيمها بحسب اتفاقية «دايتون» التي عقدت في أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية بحضور الرئيس اليوغسلافي الصربي ميلوزيفيتش والكرواتي توجمان والزعيم البوسني المسلم الراحل علي عزت بيجوفيتش ووقعت رسميا في مدينة باريس وكانت غير منصفة للمسلمين البوسنيين لوجود الكثير من السلبيات والقصور في نصوصها ولكنهم قبلوها مرغمين إذ قال «عزت»: «إن اتفاقا غير منصف خير من استمرار الحرب» ونصت الاتفاقية على خمسة عناصر رئيسة وهي: الالتزام بوحدة أراضي البوسنة والهرسك وتقسيمها إلى قسمين الأول فيدرالي للمسلمين والكروات والثاني جمهورية للصرب ويحصل المسلمون والكروات على ثلثي مقاعد البرلمان والثلث الآخر للصرب وتكون الحكومة المركزية هي المسؤولة عن السياسة الخارجية وقضايا المواطنة والهجرة وعودة اللاجئين ويحكمها مجلس رئاسي مكون من 3 رؤساء، الأول والثاني يمثلان فيدرالية المسلمين والكروات وينتخبان من قبل سكان اتحاد البوسنة والهرسك والثالث صربي ينتخبه سكان جمهورية صرب البوسنة ومدة المجلس الرئاسي أربع سنوات ويتولى أعضاؤه الثلاثة الرئاسة بالتوالي لمدة 8 أشهر لكل منهم ويترأس كل منهم البلاد مرتين فأصبح عزت رئيس مجلس جمهورية البوسنة وترك الرئاسة في عام 2000 وتوفي في 19 أكتوبر 2003 ودفن بحسب وصيته في قبر بسيط بين قبور الشهداء بالعاصمة سراييفو. واجه البوسنيون بشجاعة الدعوات إلى رفض خطة السلام وفكرة الانتقام وإثارة الأحقاد الماضية وقاموا بكثير من الأعمال والتواصل للإسهام في استقرار المنطقة ودفع عجلة التنمية لكل الأطراف دون النظر إلى الاختلاف في الأعراق والديانات وترسبات الحروب الماضية، ما مكنهم من استقطاب كثير من المستثمرين والسياح من مختلف دول العالم ما أسهم في إبراز وتعزيز دورهم إقليميا ودوليا. تم الإبقاء على مدينة «سراييفو» والتي كانت تسمى «قدس أوروبا» كعاصمة للكيانين فقد كانت ومازالت مركز إشعاع حضاري إذ تعايش بها المسلمون والمسيحيون واليهود منذ قرون عديدة ولكن التدخلات الخارجية والطموحات القومية لبعض الطوائف أدى إلى كثير من الأحداث المؤسفة. تعد مدينة سراييفو من أجمل مدن جمهورية البوسنة والهرسك وتعد من البلاد منخفضة الكلفة مقارنة بجيرانها وتتركز السياحة في سرايفو وموستار المشهورة بجسرها التاريخي الذي دمر خلال الحرب الأهلية وبني بعدها من جديد وبيهاتش وبنيا لوكا. تمتلك البوسنة والهرسك مقومات سياحية كبيرة وبنية تحتية متطورة وهي ملائمة للعائلات الخليجية والعربية وكما أن المواطنين البحرينيين يمكنهم السفر ومن دون الحصول على تأشيرة مسبقة وهناك مباحثات على فتح خط جوي مباشر إلى سراييفو من قبل الناقلة الوطنية «طيران الخليج» وتم فتح خط جوي تجريبي من قبل فلاي بوسنيا خلال فترة الصيف الماضي وصرح السيد رياض يوسف بأن الاستثمارات البحرينية في جمهورية البوسنة والهرسك تقدر بنحو 200 مليون دولار أمريكي وأن هناك 20 شركة بحرينية تمارس أعمالا تجارية في العاصمة سراييفو وهناك فرص استثمارية كثيرة في مجال الطاقة والزراعة والسياحة والعقار والصناعة. مدينة سراييفو لها إرث حضاري إسلامي عثماني ومسيحي أوروبي وبها الكثير من المناظر الطبيعية الخلابة والمباني الأثرية ومن أشهرها جامع خسرو بك والذي بني في عام 1530 ويعد أول جامع ينار بالكهرباء في عام 1898 أي قبل استخدام الكهرباء في الحرم النبوي والمكي الشريفين في بداية القرن العشرين وهناك العديد من الأماكن والمدن التي يحرص السواح على زيارتها. شهدت مدينة سراييفو الكثير من الأحداث التاريخية والحروب فقد انطلقت منها شرارة الحرب العالمية الأولى (1914/1918) بقيام الطالب الصربي «غافريلو برينسيب» باغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وزوجته صوفي أثناء زيارتهما إلى المدينة في 28 يونيو 1914 فأعلنت النمسا «الإمبراطورية النمساوية المجرية والتي تكونت من نبلاء المجر والملكية النمساوية» الحرب على صربيا في 28 يوليو 1914 ما أدى إلى دخول أطراف أخرى في هذه الحرب إذ أعتقد أنها سوف تستغرق مدة أسبوعين إلا أنها استمرت مدة أربع سنوات عجاف رغم محاولات العقلاء من الجانبين في التهدئة فقد كان موقف بريطانيا واضحا بمنع نشوبها وتعاونت مع ألمانيا لوجود مصاهرة بين العوائل الملكية الألمانية والبريطانية والروسية. شهدت البوسنة قبل وبعد الحرب العالمية الأولى قيام مملكة يوغسلافيا وبعد الحرب العالمية الثانية قيام الحكم الشيوعي بواسطة جوزيف بروز تيتو وبفضل سياسته أصبحت له شعبية كبيرة في داخل وخارج يوغسلافيا ونجح في الحفاظ على التعايش السلمي بين أقليات يوغسلافيا وله شهرة وسمعة دولية كمؤسس حركة عدم الانحياز في الحرب الباردة بجانب جواهر لال نهرو وجمال عبدالناصر. أدت وفاة تيتو وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط النظام الشيوعي إلى تفكك يوغسلافيا ونشوب الحرب الأهلية التي فرضت على البوسنيين وقام علي عزت بتأسيس حزب العمل الديمقراطي في عام 1990 ليتيح للبوسنيين المسلمين «البوشناق» في أن يكون لهم دور في تدبير أمورهم السياسية وتقديم مثال على التعايش بين العرقيات المختلفة الموجودة في يوغسلافيا آنذاك ولعزت وآخرين ومنهم الرئيس حارس سيلاديتش أدوار بطولية خلال تلك الفترة ما أدى إلى تعايش البوسنيين المسلمين والكروات الكاثوليك والصربيين الأرثوذكس واليهود جميعا في مدينة سراييفو التي هي شاهد على التسامح الديني والعرقي. yousufsalahuddin@gmail.com

مشاركة :