ربط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نجاح الاتفاقية المبرمة بين بلاده وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا في الآونة الأخيرة، بمدى صمود الحكومة التي يرأسها فايز السراج في وجه الانتقادات الدولية والعربية المتصاعدة. وتعكس تصريحات الرئيس التركي، على هامش قمة حلف الناتو التي احتضنتها العاصمة البريطانية لندن حول مذكرة التفاهم بين بلاده وطرابلس، شكوكه في صمود حكومة السراج أمام الرفض الدولي والعربي الواسع، لاتفاقية تتيح لأنقرة اختراق أجواء ليبيا وأراضيها ومياهها الإقليمية دون إذن. وقال أردوغان، الخميس، إن “مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا حول تحديد الصلاحيات البحرية بين البلدين، ستحقق هدفها طالما تحلت الحكومة الشرعية في ليبيا بالصمود وبقيت متماسكة”. وأشار أردوغان إلى أن بعض الدول انزعجت من الاتفاق التركي الليبي، مبيناً بالقول “اليونان، ومصر، والإدارة الرومية في قبرص، وإسرائيل منزعجة من الاتفاق، ويحرّضون الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص”. وأعلنت الحكومة اليونانية تسجيل اعتراضها على الاتفاق التركي الليبي لترسيم الحدود البحرية بينهما، بينما طالب الاتحاد الأوروبي بتقديم توضيحات حول محتوى مذكرة التفاهم بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية بين البلدين، فيما وصفت مصر وقبرص هذا الاتفاق بأنه “غير قانوني”. وتكشف تصريحات أردوغان قلقا تركيا واضحا من فقدانه النفوذ في ليبيا بعد تنديد إقليمي وعربي لهذا الاتفاق، ومؤشرات على سحب الاعتراف العربي من حكومة الوفاق التي يدعمها. وظهر دعم الرئيس التركي لحكومة الوفاق إلى العلن عبر تصريحات رسمية فيما كشفت تقارير إعلامية سابقة عن دعم عسكري تمنحه أنقرة لحكومة السراج التي يقودها الإسلاميون. ويعي الرئيس التركي الذي تورط في مستنقع الحروب بالشرق الأوسط، حيث تواجه سياساته في سوريا انتقادات محلية ودولية واسعة، أنه لن يتحمل المزيد من الضغوط من خلال دعم حليف لم يعد محل تأييد محلي وعربي. ورغم أن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، الخميس، وافقت على مشروع قانون لمذكرة التفاهم الموقعة بين أنقرة وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، إلا أن أردوغان يشعر بوطأة الرفض الدولي والإقليمي على الاتفاق. وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح قد وجّه خطابا لأمانة جامعة الدول العربية طالب فيه بسحب اعتماد حكومة الوفاق، ومقرها طرابلس، وذلك بعد توقيع رئيسها فايز السراج مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن التعاون العسكري وترسيم الحدود البحرية. وطالب صالح الأمين العام للجامعة “بعرض الأمر على مجلس الجامعة لكى يصدر قرارا بسحب اعتماده لحكومة الوفاق واعتماد الجسم الشرعي الوحيد، وهو مجلس النواب وما ينبثق عنه، وعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم المذكورة واعتبارها كأنها لم تكن”. وتضاعف قلق أردوغان الرسائل العربية التي وصلت إلى حكومة السراج، والتي تنبئ بأن السراج مهدد بعزلة في المحيط العربي في حال استمر في الاتفاقية مع الطرف التركي، فيما لا يبدو موقف حكومته داخليا أقل سوءا. واندلعت اشتباكات مسلحة، الأربعاء، في محيط مقر المجلس الرئاسي بطرابلس الذي كان يشهد اجتماعا دوريا للمجلس الرئاسي، بحضور السراج وعدد من وزراء حكومة الوفاق. ولم يستبعد المراقبون أن تكون هذه الاشتباكات ضمن ردود الأفعال المحلية الغاضبة من اتفاقية تسمح لأنقرة ببناء قواعد عسكرية وجلب الجنود. وكانت مصادر دبلوماسية عربية مقيمة في تونس قد كشفت لـ”العرب” أن مشاورات واتصالات حثيثة تجري حاليا على مستوى الدول العربية، لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، من أجل بحث تداعيات تلك الاتفاقية على الأمن القومي العربي، ولوضع آليات عملية لسحب الاعتراف العربي من المجلس الرئاسي الليبي برئاسة فايز السراج. وكشفت أن تلك الاتصالات التي انطلقت منذ يومين على مستوى عدد من العواصم العربية، منها القاهرة والرياض والخرطوم، تتقدم بسرعة وسط إجماع على خطورة تلك الاتفاقية التي كانت محور اللقاء اللافت الذي جمع في وقت سابق بين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس البرلمان الليبي، المستشار عقيلة صالح. وتوقعت أن يجتمع وزراء الخارجية العرب في بداية الأسبوع القادم في القاهرة، لبلورة موقف عربي موحد برفض تلك الاتفاقية، وبسحب الاعتراف العربي بحكومة السراج، على أن يتم الاستناد عليه للتوجه بعد ذلك إلى الاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، لمطالبتهما بموقف مماثل، يكون قاعدة لتحرك قادم على الصعيد الدولي ينتهي بتجريد السراج من أي صفة تمكنه من الحديث باسم ليبيا. من جانبه أبدى الجيش الوطني الليبي، الذي يخوض معركة لتحرير طرابلس من الإرهاب منذ أبريل الماضي، رفضه المطلق لهذه الاتفاقية، واصفا إياها بـ”الباطلة”. وأكد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، في تصريحات صحافية ” تصميم الجيش الليبي على مواجهة الاتفاق الذي عقده فايز السراج مع تركيا والذي يهدد ثروة وسيادة ليبيا” بكل قوة. وذكر المسماري أن المعركة أصبحت ضد الأطماع التركية في الأراضي الليبية. وشدد على أن “سلاح الجو الليبي يسيطر بشكل كامل على أجواء ليبيا” مشيرا إلى أن “معركة الجيش الليبي تهدف إلى منع داعش والقاعدة من التحصن في ملاذ آمن على الأراضي الليبية”. وبخصوص التطورات الميدانية، أوضح المسماري أن “قوات الجيش لم تعد على تخوم طرابلس بل تقدمت إلى داخل الأحياء الرئيسية فيها”، مبيناً أن “وحدات من القوات تقدّمت في مناطق متفرقة بمختلف القطاعات العسكرية”. وأفاد المسماري بأن “الانهيار في صفوف المجموعات المسلحة أصبح بشكل واضح الآن أمام التقدم الثابت للقوات المسلحة”.
مشاركة :