حماسة السودانيين لعودة العلاقات مع واشنطن تنغصها اللائحة السوداء

  • 12/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تباينت وجهات النظر السودانية حول أهمية الخطوة الأميركية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الخرطوم ما لم تكن مترافقة مع قرار لشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، المدرج فيها منذ العام 1993. ويعني استمرار وجود السودان على اللائحة السوداء عدم قدرته على الحصول على قروض من مؤسسات مالية دولية، فضلا عن استمرار عزوف المستثمرين الأجانب في الوقت الذي تجد فيه السلطة الانتقالية نفسها في أمس الحاجة لذلك على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تواجهها، دون وصفات علاجية بحوزتها. ووصف المجلس السيادي بالسودان الخميس إجراءات تبادل السفراء بين واشنطن والخرطوم بعد انقطاع دام 23 عاما، بـ“الخطوة الإيجابية”. وقال المتحدث باسم المجلس محمد الفكي سليمان إنها خطوة “في الاتجاه الصحيح، لتطبيع العلاقات بين البلدين، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”. وأعلنت الولايات المتحدة الأربعاء أنها ستُعيّن سفيرا في السودان، وذلك خلال زيارة تنتهي الجمعة لرئيس الوزراء السوداني الإصلاحي المعتدل عبدالله حمدوك إلى واشنطن. وأشادت الولايات المتحدة بالخطوات التي اتّخذها حمدوك “لتغيير سياسات وممارسات النظام السابق” الذي أدّى ارتباطه بإسلاميّين متطرّفين وبحملات قمع دمويّة إلى عزل السودان غربيا. وصرّح وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو أنّ الولايات المتحدة ستُعيّن سفيرا في الخرطوم بعد موافقة الكونغرس، مشيرا إلى أنّ السودان سيستعيد تمثيله الكامل في واشنطن. وكتب بومبيو على تويتر “هذه خطوة تاريخيّة لتقوية العلاقات بين البلدين”. وأشاد في بيان له بالحكومة الانتقاليّة التي يقودها مدنيّون وبإطلاقها “إصلاحات واسعة”. وأعرب رئيس مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم للانتقال السلمي للسلطة، وعضو تحالف الحرية والتغيير، منتصر الطيب، عن أمله في أن يكون قرار تبادل السفراء مقدمة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مستدركا بالقول “إن الأمر بحاجة إلى خطوات إجرائية طويلة في البيت الأبيض والكونغرس والاستخبارات الأميركية”. وأضاف الأكاديمي الذي تواجد في فترة سابقة بالولايات المتحدة، في تصريحات لـ“العرب”، أن العديد من الخبراء والسياسيين استبقوا زيارة حمدوك وأرسلوا برقيات عدة إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب لطمأنتها بأن الأمور تسير نحو تمكين المدنيين من السلطة، وأن المرحلة الانتقالية بمثابة الممر نحو تأسيس دولة ديمقراطية حديثة، والتأكيد على أن الشعب السوداني قدم كل ما في استطاعته للتخلص من حكم الإخوان، المتسبب في وضع البلاد على لائحة الإرهاب. خطوة إعادة السفير "تصرف ذكي" من الولايات المتحدة تجاه رئيس الوزراء السوداني، للتقليل من حدة الغضب في الشارع وتوقع أن يأتي قرار رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب خلال المرحلة الانتقالية من دون أن يعول كثيرا على زيارة حمدوك الحالية، لأن الأمر، وفق رأيه، يرتبط بجملة من التعقيدات الداخلية في الولايات المتحدة، وعلى رأسها الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل، بجانب أن إدارة ترامب تنتظر المزيد من الوضوح في رؤية العلاقات الدبلوماسية للحكومة الانتقالية في الخرطوم والتي مازالت في بداية عملها بعد ثلاثة أشهر فقط من توليها المسؤولية. ويُعتبر حمدوك، الذي يستكمل الجمعة زيارة إلى الولايات المتحدة دامت ستة أيام، أوّل زعيم سودانيّ يزور واشنطن منذ عام 1985. ولم يلتق حمدوك بومبيو أو الرئيس دونالد ترامب نظرا إلى وجودهما خارج البلاد. واجتمع مع ديفيد هيل، الرجل الثالث في وزارة الخارجيّة، وعدد من المشرّعين، وسط أنباء عن إمكانية لقائه ترامب الجمعة وإن كان الأمر غير مؤكد. وتولّى حمدوك زمام الأمور في أغسطس، بعد أشهر من التظاهرات التي التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير. وساد التوتّر العلاقات بين الولايات المتحدة ونظام البشير الذي تولّى السلطة بانقلاب في عام 1989 وتبنّى نهجا راديكاليا، واستضاف زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في بلاده لفترة. وبعد اعتداءين استهدفا السفارتَين الأميركيّتين في كينيا وتنزانيا في العام 1998 دمّرت الولايات المتحدة بهجوم صاروخي “مصنع الشفاء” للأدوية في السودان متّهمة إيّاه بتصنيع غاز للأعصاب، ما نفته الخرطوم بشدّة. ولا تزال واشنطن تصنّف السودان دولة راعية للإرهاب، وهو ما تقول الحكومة الجديدة إنّه يعوق الاستثمار الأجنبي، والحصول على منح وقروض. ورغم تعاطفهم مع مطالب السودان، إلا أنّ مسؤولين أميركيّين يقولون إنّ إزالة التصنيف هي عملية قانونية تستغرق وقتا. وفي محادثات عقدت في الكونغرس، تعهّد نواب أميركيّون بدعم الحكومة السودانيّة الجديدة، لكنّهم شدّدوا على ضرورة التوصّل إلى تسوية مع عائلات ضحايا الاعتداءين وعائلات ضحايا هجوم استهدف المدمّرة الأميركية “كول” في عام 2000، تتّهم واشنطن النظام السوداني بتدبيره. ووفق بيان للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، تحدّث النواب عن ضرورة “الشفافية المالية في القطاع الأمني وعن فلول للنظام السابق يُمكن أن يدعموا الإرهاب الدولي”. وتطرّق حمدوك لهذا الأمر في بيان لمكتبه أكّد فيه تصميم الحكومة الانتقاليّة الجديدة على “مكافحة الإرهاب”، مشدّدا على ضرورة إعداد برنامج إقليمي ودولي لهذه الغاية من شأنه إرساء الاستقرار في المنطقة. وتصاعدت التوترات كذلك بين البلدين بسبب حملة الأرض المحروقة التي نفّذها البشير في إقليم دارفور، والتي وصفتها الولايات المتحدة بأنّها إبادة جماعيّة، ودعت إلى محاكمة البشير. والشهر الماضي زار حمدوك دارفور حيث التقى المئات من ضحايا النزاع وأكّد لهم أنه يعمل على تحقيق مطالبهم بالسلام الدائم. وبدأت الحكومة الانتقالية محادثات سلام مع المتمردين الذين قاتلوا قوات البشير في دارفور وكذلك النيل الأزرق وجنوب كردفان. وتسعى الحكومة السودانية جاهدة للاستجابة للمطالب الدولية وخاصة الأميركية، بيد أنها لا تزال في بداياتها، ومن الواضح أن واشنطن تريد أيضا التريث إلى حين تحقيق خطوات عملية، كحسم ملف السلام. ووصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة بحري في الخرطوم، أبوالقاسم إبراهيم آدم، خطوة استعادة السفراء بـ“العادية”، وشدد على أنها تأخرت منذ الإطاحة بنظام البشير، غير أنه اعتبر الخطوة “تصرفا ذكيا” من الولايات المتحدة تجاه حمدوك، للتقليل من حدة الغضب في الشارع والذي كان ينتظر رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب خلال الزيارة الحالية. وأوضح لـ“العرب” أن الموقف الأميركي الحالي خيب الآمال والتوقعات المعقودة على الزيارة، تحديدا وأن رفع اسم السودان ينطوي على أبعاد اقتصادية في ظل أوضاع معيشية صعبة أفرزت بعض المظاهرات في مناطق سودانية متفرقة، ما يجعل استمرار الأوضاع على ما هي عليه الآن مقدمة لفشل الحكومة في أداء مهمتها كاملة، والتي تقوم بالأساس على معالجة الأزمات الاقتصادية. وأشار إلى أن ميزانية الدولة السودانية للعام 2020 جرى تأجيلها انتظارا لنتائج زيارة حمدوك الحالية، وعدم حدوث تقدم حقيقي سيؤدي لمزيد من المشكلات خلال الفترة المقبلة، وأن اللقاءات المقبلة مع قيادات البنك الدولي وصندوق النقد قاصرة فقط على إحاطتهم علما بطبيعة الأوضاع على أرض الواقع والصعوبات التي تواجه الحكومة الانتقالية. ولفت إلى أن عدم لقاء حمدوك بالرئيس ترامب أو وزير الخارجية هو رسالة ضمنية بأن الإدارة الحالية مازالت غير مطمئنة تماما لمسار الفترة الانتقالية، وربما لديها مخاوف حيال هيمنة الشق العسكري في السلطة على الشق المدني، وتتخوف من صعود أطراف محسوبة على النظام السابق.

مشاركة :