خطيب الحرم المكي: الأخلاق والقيم في كل أمة عُنوانُ مجدها ورمزُ سعادتهاخطيب المسجد النبوى: الشتاء غنيمة العابدين فيطول ليلهم بالقيام ويقصر نهارهم بالصيامتحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم عن الإلهام في حماية الذوق العام, وقال: مقوِّماتُ نهضةِ الأممِ والمجتمعات، ودعائِمُ تَشْيِيدِ الأمجادِ والحضارات تكمُنُ في العنايةِ بقضيةٍ غايةٍ في الأهميَّة، قضيَّةٍ هي أساس البناءِ الحضاريّ، و مسيرةِ الإصلاحِ الاجتماعيّ، إنها قضيةُ القِيَمِ الأخْلاقِيَّة، والآدابِ المَرْعِيَّة، والأذْوَاقِ الرَّاقِيَةِ العَلِيَّة, فالأخلاق والقيم في كل أمة عُنوانُ مجدها، ورمزُ سعادتها، وتاجُ كرامتها، وشِعَارُ عِزِّهَا وسيادتها، وسِرُّ نَصْرِهَا وقوتها.وأضاف قائلا: إن قضِيَّةَ القِيَمِ المُزْهِرَة، والشِّيَم الأخَّاذةِ المُبْهِرَة، التي أعْتَقَتِ الإنْسَان مِنْ طَيْشِهِ وغُروره، إلى مَدَارَاتِ الحَقِّ ونُورِه، ومِن أَوْهَاقِ جَهْلِهِ وشروره، إلى عَلْيَاءِ زكَائِهِ وحُبُورِه، لهي جديرة بالتذكير والعناية، والاهتمام والرعاية، وأنَّى يَخْفى على شريف عِلْمِكم أنَّ الإسلام وحْدَه إيَّاه، لا غَيْرَه ولا سِواه هو مَوْئِلُ القِيَمِ والفَضائل، والمَهْدُ البديعُ لِشُمِّ المُثل والخَلائل، فكانت مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، ومعالي القيم، من أسمى وأنبل ما دعى إليه الإسلام، حيث تميز بنظـام أخلاقي فريد لم ولن يصل إليه نظام بشري أبدًا، وقد سبـق الإسلام بذلك نُظُم البَشَرِ كلها؛ ذلك لأن الروح الأخلاقية في هذا الدين، منبثقـة من جوهر العقيدة الصافية، ولقد بلغ من عِظَمِ ومكانة الأخلاق في الإسلام .وأردف قائلاً : إن الآداب والقيم السِّمَةُ البَارِزَةُ فِي سِيْرَةِ الرَّعِيلِ الأَوَّلِ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَأَوْلُوهَا اهْتِمَامَهُمْ قَولاً وَعَمَلاً وَسُلُوكًا، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يُهذِّب الصِبْيَة إذا ما وقعوا فيما يناقض الذَّوق والأدب فأيُّ ثَمَدٍ من قُوَّة تُبقي عليها الأمة, إنْ نِيل مِن نَوْط أخلاقها، ومعقد آمالها وقِيَمِهَا، فالذين يهرعون إلى الرذائل لَهُمُ الذين يَنْكُثون عُرى مجتمعاتهم المتينة، ويُزْرُونَ بشُمُوخ أمّتهم السَّامِية، وإنَّكم لَتَرون في الطُّرُقات والشوارع عَجَبًا لا ينقضي؛ فأي مراعاة للذوق العام حينما ترى فئامًا يتلفظون بألفاظِ السُّوءِ دُونَ حياءٍ أو اسْتِحْيَاء، ويصرخون بكلماتٍ تَصُكُّ الآذان ويَسْتَحْيِّ من سماعها الجَمَادُ والحَيَوَان، وأصل ذلك كله تهاونٌ بالأخلاق واستخفاف بالذوق العام، وضعف إيمان، وصَنْف لا يُفرقون بين المساجد وغُرَف النوم في ألبستهم، ورنين هواتفهم المحمولة يُذْهِبُ خشوع المصلين، وتراهم يتصدرون المجالس فيهرِفُونَ بما لا يعرفون، ويخوضون فيما لا يُحْسِنُون؛ في صَفَاقَةٍ دون لَبَاقة، وفي جُرْأَةٍ دون مُرُوءَة، نعوذ بالله من انحطاطِ الذَّائِقَة، والأعمال غير اللائقة , وآخرون أفعالهم أدْهَى وأمَرْ؛ يَعْكِسُون اتّجَاه السَّيْر، ويَقْتَحِمُون الطريق اقْتِحام السَّيْل.وقال : فَمَا أبأس مَنْ خالَف أنْظمة المُرور وقواعد السَّلامة، وامْتطى السُّرعَة والاستعجال، ولم يَسْتشعِر عَاقبة ذلك الوبال في الحال والمآل، وغيرهم يرمون القِمَامَات والنُّفَايَات في الأسواق والطرقات، دون أدْنَى مُرَاجَعَةٍ للنَّفْسِ والذَّات، فالحفاظ على نظافة الطريق إحْدَى شُعَب الإيمان، ودلائل البِرِّ والإحسان، بل هو أمر الملك الدّيان، وحَسْبُنا ما تَحْفِلُ به شريعَتُنا من حُجَّة وبرهان.وأكد الشيخ السديس أن ليس كل ما يبث في بعض مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات المعلومات من الشائعات والافتراءات والمغالطات إلا وجه كالح وصورة ظلامية ، تعكس فساد الأذواق عند شُذَّاذ العقول والآفاق, مشيراً إلى أنَّ النّسيج الاجتماعي المُتراص الفريد يحتاج إلى وقفة إصلاحِيّة، مُتونُها: صَقْل الأذواق وسَحْجِها، والسُّمُو بها في مَعَارِج الوعي الراشد، والاستبصار المُسَدَّد، لتنعم حواسنا بذوق رفيع، وبيئة نقية نظيفة؛ تبتهج النُّفوس بأزهارِها، والأبْصار باخضرَارِها، والاستضلال بِوَارِف ظلالها، واستنْشاق الهواء النَّقِي بها، وتثير الأشواق والإعجاب، وتُزيح الوَنَى والأوْصَاب، وتخْلع على النّفوس رَوْنق البهاء، وعلى القِيَم الأثيلة روعة الطُّهر والسَّناء، بل تَبْعَث على تمْجيد الخالق الوَهَّاب، ونَصْدُرُ -بِإذن الله- على رُبَى النُّبوغ والكمال، ومُقوِّمَات السُّؤدد والجلال، وإبَّان ذلك يَتحقق لأمّتنا الشُّهود الحضاري العالمي، والسَّبق في كل أفقٍ علميّ ومعرفيّ.وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : لقد تَحَتَّم وآن، تَعْزيزُ القِيَم، وإعلاء الشِيَم، بين أبناء الأمة كبيرها قبل صغيرها، وأن يكون الانتصار للقيم طَيّ الأفكار والأرواح، لا الأدراج، ومَهَبِّ الرياح، فالانتصار للقيم والذَّوْق سَنَنُ العَوَدَةِ الظّافرة بالأمّة إلى ذُؤَابَات المَّجْدِ، وسَوَامِق الرِّفعة، ولهذا شُرِع لولي الأمر أن يَسُنَّ الأنظمة الحازمة لحماية الذوق العام انطلاقا من قاعدة:" حُكْم الإمام في الرعية منوط بالمصلحة"، وواجب الرَّعِيَّة أن يتواردوا على التعاون والتجاوب فيما فيه تحقيق المصالح العامة، ومن دُرَرِ القرارات، ونَيِّرَات التوجيهات التي عَطَّرَت الأرجاء بشذاها الفوَّاح، وأبهجت من الغُيُرِ الأرواح، من ولي الأمر ورائد الإصلاح - لا يزال موفقًا مسددًا مكلوءًا في المساء والصباح - إصدار لائحة الذوق العام؛ للمحافظة على قِيَمِ وعادات المجتمع، ومراعاة خصوصيات الناس، ومعاقبة كل من يتلفظ أو يقوم بفعلٍ يضر أو يؤذي غيره خاصة بالأماكن العامة، فها هي بلاد الحرمين الشريفين - لا تزال محفوظة محروسة - تُقَنِّنُ الأخلاق والقيم بهذا العمل السَّبَّاق للترقي بالقِيم والأذواق، والحفاظ على الآداب والأخلاق.وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المسلمين بتقوى الله، وحذر من برد الشتاء القارس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ : نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ)ودعا إلى التأمل في الأزمنة والفصول، مشيراً إلى أنها لو كانت فصلاً واحداً لفاتت مصالح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا؛ فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه.وقال فضيلته : إن الشتاء قد اقبل فهو غنيمة العابدين وربيع المؤمنين فيطول ليلهم بالقيام ويقصر نهارهم بالصيام فإن الإدمان على السهر مضيعة للوقت وسبب للخمول ومعطل عن الكسب والعمل وهدر للوقت ويشغل عن الطاعات , مستشهداً بقوله ((وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ )).وأشار فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي إلى الواجب على المسلم نحو أخيه بأن يتعاهده من ملبس ومطعمٍ وتتبع حاجات الناس، قال جل من قائل (( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )).وأوضح فضيلته أن الإسلام استوعب ظروف الحياة وراعى تغير الزمان والأوقات فشرع العزائم كما شرع التيسير والرخص للضرورات قال تعالى ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) فشرع التيمم لمن لا يقدر على الوضوء للضرر والمشقة عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجرٌ، فَشَجَّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدِمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أُخبر بذلك فقال: (قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العِي السؤال، إنما كان يكفيَه أن يتيمم ويعصر (أو يعصِب) على جُرحه خرقةً، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده)، مؤكداً أن الإسلام دين يسر وتيسير.
مشاركة :