مسلسل «وﻻدي» ينعش الدراما المغربية

  • 5/18/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يشكل مسلسل «ولادي» الذي تبثه القناة المغربية الأولى كل إثنين وثيقة اجتماعية مهمة، كونه يلعب في امتداده السردي على تنويع الشخصيات والوقائع المرتبطة بها في تداخل ينافح واقع حال المجتمع، ويقترب من علاماته الظاهرة المميزة، مثلما عهد المشاهدون العرب تتبع ذلك في الدراما المصرية في عز سطوتها، وفي المقارنة مدح غير متعسف بتاتاً. يستند المسلسل في هذا المعطى على كتابة سيناريو مشترك، متعدد ومشوق، يعتمد على قصة كتبها أحمد بوعروة الذي يعد من قدماء العاملين في إنتاج وإخراج وكتابة الدراما التلفزيونية المغربية، بعضها لم يعرف إتقاناً كبيراً، وبعضها اﻵخر حالفه الحظ مثل هذا المسلسل. وفي هذا العمل ينسج حكايات تدور حول أجواء عائلية لأسرة مغربية، سمتها أنها تشكل نموذجاً للعائلة المغربية الشعبية، التي تعيش على الكفاف والعفاف، مع ميل للرخاء البسيط. كما يميزها الطابع المحافظ للعلاقات بين أفرادها المستند على التدين المعتدل الذي ﻻ يرفض متطلبات التحديث في اللباس والأكل والسلوك الخارجي، كما يستند على مقومات العادات المجتمعية المغربية الخاصة. ومما يزيد من هذا الملمح الظاهر احتراف الأب (الممثل الرائد موﻻي عبدالله العمراني في أحد أجمل أدواره) والأم ( تؤدي الدور بشكلٍ معهود ومألوف الممثلة الكبيرة نعيمة المشرقي) الاول لمهنة الخياطة التقليدية، والثانية كربة بيت تلقن بناتها فن طرز الثوب. والوالدان شخصيتان تملآن المسلسل بكامله وحولهما يدور كل فعل، باقتدار كبير. هذا رغم أن ضرورة السيناريو جعلت دوريهما الاجتماعي ينحصر كما هو الشأن في أسر الزمن السابق في توفير الأكل والمسكن والهناء للأوﻻد مهما كلف الأمر من تضحيات، من دون الدخول في اختياراتهما الحياتية كنتاج عصر متطور سمته الحداثة في كل شيء. وطبعاً جزء مهم من المسار الدرامي للمسلسل بني على سلسلة من الصراعات العائلية تقوم على هذا التناقض في الرؤية تجاه الحياة والسلوك، ما يقدم عملاً درامياً بصور ثوثيقية مشخصة لكنها شاهدة على حاﻻت اجتماعية في طريقها للاندثار رويداً رويداً. كل هذا سيتكاثف ويتعقد ويبدي عن مكنونه حين تؤججه وجود عائلة أخرى مختلفة لها حسابات خاصة ضدها، وهو ما يؤدي حتماً إلى إثراء العمل وتعميقه بالأحداث والتشويق والأسئلة. أحداث تراوح ما بين ما هو مأسوي يستدر الدموع وما هو خفيف ومضحك يزيد من الفرجة، مع التطعيم بلحظات انتظار وتشويق وإثارة. وفي الخلفية نزوع ثابت نحو الميلودراما، مبتعداً قدر الإمكان عن المنحى المبكي من المواقف. هذا مع تأكيد على الفضاءات المغربية الصميمة التي يمتزج فيها التقليدي مع التحديثي حتى وإن بدت مقحمة أحياناً ومبالغاً في بعض صورها. طبعاً ﻻ يكفي هذا الجانب لوسم عمل بأنه ناجح، وﻻ تشفع له حسن نواياه كي يحقق انخراطاً كبيراً للجمهور المشاهد. لكن المسلسل استطاع الوصول بقدرة مخرجته على نسج صور متقنة. وهو أمر طيب أن تكون على رأس العمل فنانة شابة تشربت فن إلإخراج التلفزيوني من مصادره. أوﻻً عبر التدريس، ذلك ان جميلة البرجي بنعيسى خريجة شعبة السمعي البصري والتنشيط الثقافي من جامعة ابن مسيك بالدار البيضاء، وثانياً كونها صاحبة تجربة مهمة في كتابة السيناريو، وفي العمل في الإنتاج التلفزيوني واﻹخراج لعدد من البرامج مع ثلة من الفنانين المغاربة المعروفين. ولعل أهمية المسلسل تكمن أيضاً في كونه يجعل المشاهد يتعلق به ويتتبع مجرياته بشكل طبيعي ولنقل عفوي. فكثير مما يتضمنه يشكل الزاد المشترك للعديد من المسلسلات المغربية، من هموم ومشكلات وطموحات تتجاذبها رؤيتان مختلفتان، واحدة ماضوية والأخرى معاصرة، لكنّ ميزة هذا العمل تكمن أساساً في التعامل مع الصورة ومع إدارة الممثلين ذوي التجربة والموهبة. والمخرجة تمكنت من أدواتها وأعطت دراما مغربية شاهدة على واقع وعلى ثنايا ومنحنيات مجتمع يتغير بسرعة.

مشاركة :