الطغيان السياسي (2)

  • 12/7/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

انتهينا في الجزء الأول من تعداد الصفات الظاهرة الفرعونية، والتي ليس فيها خير على الإطلاق، ولا غرابة في ذلك، فمن أسس بنيانه على الشر والظلم بل مجاوزة الحد فيه أنّى له بالخير والمنفعة على الرعية التي أطلق عليها القرآن مصطلحًا عميقًا في دلالته «المستضعفون في الأرض» الطرف الآخر في المعادلة السياسية بصفة عامة بالأنظمة الطاغية، والتي من سنن التاريخ أنها ستثور بوجه هذا الطغيان، ومن البديهي أن يقاومه الطرف الطاغي الباغي، فكيف يكون ذلك كما ذكره القرآن العظيم؟ أولى خطوات المقاومة من قِبل المستضعفين تكون سلمية حضارية تقوم على الحجة والبرهان والجدال الحسن «اذهبا إلى فرعون إنه طغى» الذي وصل الحد الأقصى في الطغيان «فقولا له قولاً لينًا» تلطف وتعقل في القول على أمل حقن الدماء وتجنب الحروب «لعله يتذكر أو يخشى» وهذا قانون في التمرحل في تحقيق الغايات، لكن كيف لمدعي الربوبية أن يتذكر أو أن يخشى، وهذا ما تضمنه قول موسى وهارون لربهما حين أبديا تخوفهما «... إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى» وطغيانه حاصل كأمر حتمي لامتلاكه كل الأدوات اللازمة لذلك، علاوة على طبيعته النفسية التي تشكلت في باطنه من كونه ربا وإلها، وهذا يتجلى في قوله سبحانه وتعالى «ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم حتى يروا العذاب الأليم»، رجاء واضح من موسى لربه بأن يذوق فرعون العذاب في الدنيا قبل الآخرة، هذا ما قام به الفريق المستضعف، فيأتيهم الجواب من الطاغي العاتي بالتكذيب والتشكيك، ومصداقه قوله تعالى «قال ربِّ إني أخاف أن يكذبون»، وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث التكذيب الصادر من الإعلام بحق أي احتجاج شعبي وكأنها مُعلبة جاهزة وأولها «الأجندة الخارجية». ثم ما يلبث أن ينفد صبر الطاغية، فيلجأ إلى التصفية الجسدية، «فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا واستحيوا نساءهم...» التوجيه بالقتل جاء بصيغة الجمع «قالوا» حيث وصل التحالف بينهم إلى المرحلة العضوية، فباركوا القتل واستحلوه، وفي موقف آخر «وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يُبدل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد» كأن فرعون أسس لتهمة قلب نظام الحُكم وإشاعة الفوضى في البلاد، وحفظها كل من جاء بعده لا يحيدون عنها قيد أُنملة، لقمع أي تحرك للمطالبة بالحقوق المهضومة، وتذهب كل الأباطيل أدراج الرياح، فيزول الحُكم الظالم الطاغي، مع إصرار الفئة المستضعفة على انتزاع الحقوق. وبعد استنفاد الوسائل القمعية ينتصر الطرح الجديد على الطغيان وممثليه، كما يقرر القرآن ذلك «فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون» وقوله تعالى «فغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين» فتخلت عنهم الطبقة الوسطى «السحرة» ولأنهم تكنوقراط عرفوا الحق بغير عناء، مميزين بين السحر والمعجزة الربانية الخارقة، فآمنوا وتركوا فرعون وملأه بالرغم من التهديد الشنيع الذي أبداه فرعون «لأُقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأُصلبنكم أجمعين».

مشاركة :