استغرب مراقبون أميركيون تناقض المعلومات الصادرة عن إدارة الرئيس دونالد ترامب حول مسألة إرسال أو عدم إرسال قوات أميركية إلى الشرق الأوسط. ورأى هؤلاء أن نفي ترامب ما تنقله مصادر صحافية أميركية مختلفة عن عزم وزارة الدفاع الأميركية إرسال الآلاف من الجنود الأميركيين نحو المنطقة لردّ الأخطار الإيرانية، يكشف عن تخبط في عملية اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى. وأن غياب الشفافية والتردد في الكشف عن حركة القوات الأميركية في العالم يعطي صورة مشوّهة لدولة عظمى بحجم الولايات المتحدة. واعتبر محللون أن موجبات الحملة الانتخابية التي يخوضها ترامب للتجديد لنفسه بالبيت في انتخابات خريف 2020، تفرض على الرئيس مضاعفة تسليط الضوء على أي أنباء تتحدث عن انسحاب القوات الأميركية من هذه المنطقة أو تلك، لكونها تتسق مع وعوده السابقة بسحب قوات بلاده من مناطق النزاع في العالم، والسعي من جهة أخرى إلى كتم المعلومات أو التشويش عليها والتي ترتبط بإرسال المزيد من القوات صوب مناطق في العالم. وأشار هؤلاء إلى أن ترامب تقصّد في زيارته الأخيرة المفاجئة إلى أفغانستان إعلان استئناف المفاوضات مع حركة طلبان، والإعلان في هذه المناسبة عن قرار لخفض العديد من القوات الأميركية في هذا البلد ليصل إلى 8 آلاف (يتراوح حاليا ما بين 14 و 17 ألفا). كما أن إدارة البيت الأبيض اهتمت بتسليط الضوء عمّا أعلنه وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر، الأربعاء، على هامش قمة الناتو في لندن، من أن بلاده أنهت سحب قواتها من شمال سوريا واكتفت بإبقاء 600 جندي، من أصل ألف قبل ذلك، ينتشرون حول حقول النفط شرق الفرات. وكان ترامب قد عاجل إلى نفي التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن إرسال الآلاف من الجنود الأميركيين إلى السعودية، في إطار المساعي لمواجهة إيران. وقال ترامب، في تغريدة نشرها فجر الجمعة على حسابه الرسمي في موقع “تويتر”، “التقرير الصادر اليوم حول إرسالنا 12 ألف عسكري إلى السعودية كاذب، أو بكلمات أدق، خبر زائف!”. وتدور التقارير حول ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية من أن الولايات المتحدة تعمل على إرسال 14 ألف عسكري إضافي إلى الشرق الأوسط، معظمهم إلى السعودية، على خلفية التوتر مع إيران، رغم وعود ترامب بإعادة قوات بلاده من المنطقة. ورغم أن البنتاغون نفى الأمر، إلا أن شبكة “سي.أن.أن” نقلت لاحقا، عن مسؤولين عسكريين أمريكيين أن البنتاغون يدرس إرسال ما بين 4 إلى 7 آلاف جندي إضافي للشرق الأوسط، لتعزيز قدراته الدفاعية بمواجهة ما يسميه التهديدات الإيرانية في الخليج. ويرى معلّقون في واشنطن أن الولايات المتحدة تخطط فعلا لتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة من ضمن استراتيجيتها في تصعيد ضغوطها ضد إيران. ويكشف هؤلاء أن واشنطن ترغب في تعزيز استعداداتها العسكرية في حال ذهبت طهران باتجاه القيام بمغامرات عسكرية ضد مصالح وأهداف أميركية في الشرق الأوسط كمحاولة لردّ الضغوط الموجعة التي تفرضها العقوبات الأميركية القاسية على إيران. كما أنها تودّ رفع ضغوطها العسكرية على إيران من أجل إجبارها على التفاوض حول مجموعة من الملفات في مقدمها ملف البرنامج النووي. وتأتي أنباء التعزيزات الأميركية متناقضة في حجمها عما سبق للرئيس الأميركي أن تحدّث عنه في رسالة رسمية وجّهها للكونغرس، كشف فيها أن الولايات المتحدة سترفع عدد قواتها في السعودية إلى 3 آلاف عسكري خلال الأسابيع المقبلة، بهدف “ردع التصرفات الاستفزازية لإيران”، على خلفية الهجوم على منشأتين حيويتين لشركة “أرامكو” النفطية شرق المملكة يوم 14 سبتمبر. ولا يستبعد خبراء في الشؤون العسكرية أن تلجأ واشنطن إلى ممارسة ضغوط عسكرية تضاف إلى تلك الاقتصادية ضد إيران وشبكاتها في المنطقة. وقال هؤلاء إن تدخل البحرية الأميركية لإيقاف شحنة من الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن كانت مرسلة للحوثيين في اليمن، يعدّ تطورا يهدف إلى ضبط ومراقبة الحركة العسكرية الإيرانية عامة، والمساعدة في الضغط لإنجاح أي جهود إقليمية وأممية تبذل هذه الأيام لإيجاد تسوية تنهي الحرب في اليمن. ولفتت مصادر دبلوماسية إلى أن أنباء إرسال قوات أميركية، والتخبط في تبني الأمر من قبل البيت الأبيض، تأتي متواكبة مع جهود يبذلها الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران حول مسألة الذهاب إلى التفاوض. ولم تستبعد هذه المصادر أن يكون هدف التخبط في واشنطن حول مسألة الحركة العسكرية هو بعث رسائل حزم إلى طهران تضاف إلى رسائل أخرى من أوروبا توحي بالاقتراب من موقف إدارة ترامب في انتهاج الشدة ضد إيران. وتتردد معلومات من طهران بأن قناة الاتصال التي تديرها مسقط حققت تقدما لجهة طبيعة الملفات المرشحة لأن تكون على طاولة المفاوضات الأميركية الإيرانية، وأن إيران تحاول حصر أي تفاوض مقبل بتعديلات تجري على اتفاق فيينا الموقّع عام 2015 مع مجموعة الـ 5+1، وألا يشمل ملفات أخرى(برنامج إيران للصواريخ الباليستية وسلوكها في الشرق الأوسط). وتسعى طهران إلى اعتبار بقية الملفات سيادية وغير مشمولة بقيود الاتفاقات والقوانين الدولية. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لفت، الجمعة، إلى ما اعتبره اعتراف المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، براين هوك، بأن الاختبارات الصاروخية التي تجريها طهران، لا تخالف الشرعية الدولية. وقال ظريف معلّقا على تصريحات أدلى بها هوك، “ذكّر براين هوك شركاءنا الأوروبيين في الاتفاق النووي بالوقت المناسب، حين اعترف صراحة بأن اختبار الصواريخ ليس محظورا في قرار مجلس الأمن رقم 2231”. وكان هوك يبرر مطالب بلاده في مناقشة هذا الملف بكون الاتفاق النووي الذي وافقت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما لم تلحظ منع إيران من تطوير برنامج صاروخي مهدد للسلم في العالم. وقال هوك في رده على طلب التعقيب على رسالة وزعتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا على مجلس الأمن بشأن أنشطة طهران الصاروخية، إن “أحد أوجه القصور في الاتفاق النووي هو أنه أنهى حظر التجارب الصاروخية الإيرانية”.
مشاركة :