ميهير شارما * لقد تسبب سوء الإدارة في الداخل وزيادة الحمائية في الخارج، في خروج الهند من تلك المجموعة من الاقتصادات الناشئة سريعة النمو. ومن المألوف في الهند القلق بشأن تراجع طلب المستهلكين، وإلقاء اللوم عليه في التباطؤ. المعلن رسمياً، اليوم، أن الاقتصاد الهندي يعاني تباطؤاً كبيراً، ولا يظهر أي مؤشر فوري على تغيير المسار. المفاجأة الوحيدة هي أن تقديرات النمو في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير ليست أقل من النسبة المعلنة رسمياً عند 4.5٪. عندما قدمت حكومة بقيادة ناريندرا مودي أول ميزانية لها بعد إعادة انتخابها، توقعت أن يصل معدل النمو في السنة المالية 2019-20 إلى نحو 7٪. لكن بعد بضعة أشهر، خفض البنك المركزي الهندي الرقم إلى 6.1٪. ومع ذلك من الصعب الآن تحقيق هذا الرقم الذي هو أدنى من تقديرات الحكومة الرسمية السابقة. ربما تكشف الأرقام خفايا ما حدث وما تراكم من أخطاء. فقد انهارت الاستثمارات، لتصل إلى نسبة 3٪ بالقيمة الحقيقية خلال الربع الأخير، بعد أن نمت نحو 12٪ في الربع نفسه من العام الماضي. والذي حلق بوتائر أسرع هو الإنفاق الحكومي الذي ربما كان وراء نسبة 40٪ من النمو الذي حققته الهند. منذ بداية ولايته الأولى، تخلى مودي عن وعود انتخابية تقضي بتحييد الحكومة في ما يخص تنفيذ المشاريع. لكنه بدلاً من ذلك، اعتمد على القطاع العام لبناء دولة الرفاهية ودعم النمو. وبدا أن استراتيجيته كانت ناجحة في السنوات الأولى، حيث أدى هبوط أسعار النفط إلى تنشيط النمو الهندي، وتمتين الوضع المالي. ويبدو أن ما تملكه الحكومة ومعها حكومات الأقاليم من أموال، بدأ ينفد بسرعة، حيث يقترب العجز من نسبة 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ولم تثبت صحة الادعاء بأن الإنفاق العام سيجعل الاستثمار أكثر جاذبية للقطاع الخاص. وببساطة، لم يعد هناك الكثير من المال لتغطية الطموحات، لأن الحكومة تستحوذ على حصة الأسد من المدخرات المالية، والقطاع الخاص غير راضٍ عن حجم الاستثمارات الهزيل. ولا تستطيع حكومة الهند إلقاء اللوم على أحد سواها. لقد تباطأ الاقتصاد في الماضي. وفي الآونة الأخيرة، خلال طفرة السلع الأساسية وتأثير تقليص برامج التيسير الكمي عالمياً، ترافق التباطؤ مع كوارث محلية كان على الحكومة أن تواجهها سواء الرياح الموسمية السيئة أو التضخم المفاجئ في أسعار السلع أو أزمة ميزان المدفوعات. أما حالياً، فالاقتصاد العالمي ليس على ما يرام، لكن يبدو أن الاقتصادات التي اعتمدت التصدير محوراً لاستراتيجيتها مثل فيتنام وبنجلاديش لم تتأثر بالركود العالمي، فقد شهد اقتصاد فيتنام واقتصاد بنغلاديش نمواً بنسبة 7.3٪ في الربع الأخير، وقد نشهد عامين متتاليين من النمو بنسبة 8٪. لقد تسبب سوء الإدارة في الداخل وزيادة الحمائية في الخارج، في خروج الهند من تلك المجموعة من الاقتصادات الناشئة سريعة النمو. ومن المألوف في الهند القلق بشأن تراجع طلب المستهلكين، وإلقاء اللوم عليه في التباطؤ، لذلك يدعو البعض إلى توسيع دائرة الإنفاق الحكومي. قد يكون من الممكن تحقيق انتعاش مؤقت على المدى المتوسط في حالة زيادة الإنفاق، لكن ذلك لن يكون مستداماً، ولا بد أن يترك العجز القوي في مرحلة ما آثاره المدمرة على النمو. نؤكد هنا حقيقة أن الدول النامية لا يمكنها أن تعتمد فقط على الطلب المحلي. يجب على الدول الفتية التي لديها فائض في قوة العمل الخروج والاستفادة من الأسواق العالمية. والتاريخ الحديث مليء بالعبر والدروس. فقد دخلت الهند في سلسلة من المشاحنات التجارية التي كان من الأفضل تجنبها تماماً مع دول مثل الولايات المتحدة، واتخذت موقفاً متصلباً في صفقة تجارة حرة محتملة مع الاتحاد الأوروبي، ورفضت مؤخراً التوقيع على شراكة اقتصادية إقليمية شاملة مع بلدان من المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا. وتريد الحكومة تقييد القطاع الصناعي بدلاً من تسليحه بوسائل المنافسة. فهي ليست بحاجة إلى زيادة نسب التعرفة الجمركية والهروب من التجارة الحرة؛ يجب أن تسمح بدلاً من ذلك لأصحاب الأعمال والشركات بمزيد من المرونة في عمليات اختيار موظفيهم، وتسهيل العثور على أراضٍ للمشاريع الصناعية، وتهدئة الحملة الصارمة ضد التهرب الضريبي التي أرعبت المستثمرين أو اضطرتهم للتخفي. لا يزال من الممكن توقع مفاجآت من نيودلهي. فرئيس الوزراء الذي تمكن من أن يرسم صورة إيجابية لنفسه كصديق للتنمية والاستثمارات التنموية قادر على إعادة إنتاج نفسه من خلال إحياء القطاع الصناعي بسن قوانين الإصلاح الجذري. لكن لا تتوقعوا ذلك في المدى المنظور. * بلومبيرج
مشاركة :