دخلت القوات الروسية مدينة الرقة وهي المعقل الرئيسي السابق لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في أحد أكثر الأمثلة وضوحا حتى الآن على كيفية ملء موسكو للفراغ الذي خلّفه انسحاب القوات الأميركية بأمر من الرئيس دونالد ترامب. وعززت روسيا بهذه الخطوة من وجودها في شمال شرق سوريا، الذي كان جزء مهم واستراتيجي منه يقع تحت نفوذ التحالف الدولي بقيادة واشنطن بعد طرد تنظيم داعش. وأظهرت لقطات بثّتها قناة زفيزدا التلفزيونية التابعة لوزارة الدفاع الروسية مجموعة من الجنود الروس وهم يصافحون أطفالا سوريين ويفرغون حمولة من المساعدات الإنسانية من على ظهر شاحنة كتب عليها “روسيا معكم”. وكانت القوات الأميركية وحلفاؤها السوريون بقيادة وحدات حماية الشعب الكردي قد انتزعتا السيطرة على الرقة قبل عامين في أكبر انتصار حققته حملة واشنطن على تنظيم داعش في سوريا. لكن بعد أن قرّر ترامب فجأة سحب قوات بلاده في أكتوبر تقدّمت موسكو بسرعة للمنطقة التي كانت القوات الأميركية تعمل فيها، وذلك ضمن اتفاق توصّلت إليه مع تركيا في 22 من ذات الشهر. ودعا الأكراد روسيا وقوات الحكومة السورية إلى دخول المناطق التي كانوا يسيطرون عليها وذلك بعد أن سحب ترامب قواته من أمام هجوم تركي تحت عنوان “نبع السلام” على المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن فلاديمير فارنافسكي وهو ضابط في وزارة الدفاع الروسية قوله إن القوات الروسية في الرقة توزّع مساعدات إنسانية، كما يقدّم أطباء عسكريون رعاية صحية للسكان. وأضاف “العمل في المدينة للتخلص من الأنقاض وتطهير المنطقة (من القنابل والألغام) لم يكتمل بعد وهناك نقص في المياه النظيفة والدواء والغذاء”. وأسست روسيا الشهر الماضي قاعدة للطائرات الهليكوبتر في مطار بالقامشلي إحدى مدن شمال شرق سوريا، كما نقلت قوات لقاعدة جوية في المنطقة أخلتها القوات الأميركية. وتنفّذ روسيا وتركيا دوريات مشتركة على الحدود الشمالية لسوريا في إطار الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وبعد أن قالت واشنطن إن كل القوات الأميركية ستغادر شمال سوريا، تركت بعض القوات للوقت الحالي في بعض القواعد لكنها قلّصت أغلب عملياتها على الأرض. وزير الخارجية الروسي سيجتمع مع الرئيس الأميركي خلال محادثات مع بومبيو في واشنطن وتركّز الانتشار الأميركي الذي لا يتجاوز 600 عنصر من المارينز حول منابع النفط والغاز في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، فيما بدا ذلك يندرج في سياق رغبة واشنطن في الحفاظ على ورقة ضغط على روسيا والنظام السوري في لعبة التنازلات لإنهاء النزاع المندلع منذ عام 2011 في هذا البلد. وسبق أن اتهمت موسكو واشنطن بممارسة اللصوصية من خلال وضع يدها على حقول النفط والغاز السورية، وهي اتهامات قابلها ترامب بتحدّ، حيث صرّح قبل أيام على هامش قمة زعماء حلف شمال الأطلسي في لندن بأن “النفط السوري بات بين أيدينا، نفعل به ما نشاء”. ويقول محللون إن الانسحاب الجزئي الأميركي وملء روسيا للفراغ، قد يكون خطوة في مسار للتفاوض حول التسوية النهائية في سوريا، والتي تربطها الولايات المتحدة بجملة من الشروط لعلّ في مقدمتها انسحاب إيران من هذا البلد. ويرجّح محللون أن تركّز زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الثلاثاء، على هذا الملف الذي يتداخل مع ملفات أخرى تتنافس عليها البلدان. ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن مصدر بوزارة الخارجية الروسية قوله، الاثنين، إن وزير الخارجية الروسي سيجتمع مع الرئيس الأميركي خلال محادثات مع نظيره في واشنطن. ويقول محللون إن روسيا تريد استغلال وضع الرئيس دونالد ترامب الذي يواجه إجراءات لعزله، يأمل في تجاوز عاصفتها، وهو الذي على أبواب انتخابات رئاسية ستجرى في نوفمبر المقبل، ويسعى جاهدا من خلالها للحصول على ولاية جديدة. وتعهّد ترامب في حملته الانتخابية السابقة بالخروج ممّا سمّاه حينها المستنقع السوري، وليس مستبعدا أن تقدّم موسكو خلال زيارة لافروف عرضا مغريا لاستكمال هذا الانسحاب، ولكن تبقى المسألة ليست بالسهولة المطروحة في ظل وجود أطراف أخرى فاعلة على الأرض، ستحاول عرقلة هكذا تقدّم، وفي مقدّمتها إيران التي تنازع لعدم الخروج من الساحة السورية خالية الوفاض. وانخرطت إيران منذ عام 2013 في الصراع السوري، لإنقاذ حليفها الرئيس بشار الأسد، وأيضا لاستكمال مشروع الحزام الأمني الذي تطمح إليه، حيث يربطها بالبحر المتوسط. ويلقى هذا الوجود رفضا من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تنظران إلى الأمر على أنه تهديد مباشر لمصالحهما
مشاركة :