سباق التسلح بين الدول الكبرى ينتقل قريبا إلى الفضاء

  • 12/10/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هناك قناعة سائدة على نطاق واسع في العالم العربي تقول إن الولايات المتحدة تشعل حروبا إقليمية، وتؤجج نزاعات في مناطق مختلفة من العالم، بهدف خلق أسواق أمام الشركات الأميركية المصنعة للسلاح، ولكن قراءة متأنية لأرقام بيع الأسلحة والعوائد المتأتية منها، ستكشف أن الأرقام التي يجري الحديث عنها لا يمكن أن تكون مبررا لمثل تلك الاستراتيجيات، وأن ما خفي هو أعظم بكثير. بلغت قيمة مبيعات الأسلحة على المستوى العالمي، حسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، 420 مليار دولار خلال عام 2018، وهي أحدث سنة يغطيها المعهد. وتتضمن قائمة أكبر مئة شركة مصنعة للأسلحة، 43 شركة أميركية، مثلت مبيعاتها 59 بالمئة من إجمالي مبيعات الأسلحة العالمية، بقيمة بلغت 246 مليار دولار. هل هذا الرقم كبير، كما يعتقد الكثير، وهل يستحق أن تشعل من أجله بؤر توتر وحروب يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ويشرد مئات الألوف من البشر؟ بالنسبة لشعوب لا تتجاوز ميزانية دولها عشر هذا الرقم، فإن رقم 246 مليار دولار يبدو كبيرا جدا. وسائل الإعلام تناقلت تلك الأرقام لإيصال رسالة فحواها أن الولايات المتحدة تشعل الحروب لبيع الأسلحة. لندقق قليلا بهذه الأرقام. حصة شركة لوكهيد مارتن الأميركية، وهي أكبر بائع أسلحة في العالم، بلغت 11 بالمئة من المبيعات العالمية. حيث حققت الشركة، التي تشتهر بتصنيع المقاتلة إف 35، مبيعات تقارب ما قيمته 47 مليار دولار. أيضا الرقم سيبدو كبيرا بالنسبة للبعض، ولكن نحن هنا نتحدث عن مبيعات وليس عن أرباح. أكثر ما يقلق قادة الناتو مواجهة التهديدات الهجينة إضافة إلى ضمان التقدم التكنولوجي الذي يسمح بالتصدي للتحديات بكل أشكالها حسب محللين اقتصاديين، الأرباح المتوقعة للشركة لعام 2019 تجاوزت بقليل 14 مليار دولار. إذا اعتمدنا أرباح شركة لوكهيد، التي شكلت خمس مبيعات الشركات الأميركية من الأسلحة، مقياسا، نحتاج لمضاعفة الرقم خمس مرات، لحساب عوائد الشركات الأميركية من بيع الأسلحة مجتمعة، والناتج هو 70 مليار دولار؛ ما يدخل منه للخزانة الأميركية أقل بكثير. قد يكون مفيدا أن نعلم أن عوائد شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة تفوق عوائد شركات التصنيع العسكري بعدة أضعاف؛ خلال عام 2018 كانت عوائد شركة أبل، وحدها، تعادل عوائد شركة لوكهيد. دعونا الآن نقارن ماذا يمثل رقم 70 مليار بالنسبة لمساهمات الولايات المتحدة ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو). تنفق الولايات المتحدة أكثر من 649 مليار دولار من ميزانية الحلف التي تقدر بحوالي 1036 مليار دولار أميركي. أي تقريبا تسعة أضعاف ما تجنيه الشركات الأميركية من بيع الأسلحة. هذا بالنسبة لفاتورة الناتو. أما ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع والأمن يقارب 1.4 تريليون دولار، وهو 20 ضعف ما تجنيه الشركات الأميركية من أرباح بيع السلاح. وبالطبع يجب أن نعلم أن وزارة الدفاع الأميركي هي أكبر شار من تلك الشركات. لا تعني هذه المقارنات بالضرورة التقليل من أهمية الدور الذي يلعبه التصنيع العسكري في الاقتصاد الأميركي. فقط أجريت المقارنات لوضع هذا الدور في إطاره الصحيح، وإعطاء إجابة أكثر واقعية حول الأهداف من وراء أرقام الإنفاق الفلكية المخصصة للدفاع والأمن الأميركي. صراع المصالح العولمة التي سوقت لها الرأسمالية الليبرالية، ونهاية ما يعرف بالحرب الباردة، والعلاقات التجارية مع الدول الشرقية، وعلى رأسها الصين، لم تنه صراع المصالح، ولم تنجح في تضييق ساحة الخصومات، بل على العكس، شهد العقد الأخير تزايدا نوعيا في تلك الخصومات. ووصل التنافس إلى الفضاء الخارجي. وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في القمة الأخيرة للحلف التي عقدت على أطراف لندن، قد أعلن الفضاء مجالا خامسا لعمليات الحلف، إلى جانب البر والجو والبحر والمجال السبرياني. وكشف ستولتنبرغ عن نجاح قمة الحلف في الموافقة على رفع عدد القوات الجاهزة للتحرك في مدة لا تزيد على ثلاثين يوما إلى 30 كتيبة و30 سربا جويا و30 سفينة حربية. التبرير الذي قدمه الأمين العام لحلف الناتو لتوسع الحلف هو “مواصلة جهود محاربة الإرهاب، والالتزام بالعمليات العسكرية ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، ودعم مهمات التدريب في العراق وأفغانستان”. ورغم إشارات الود التي تظهر على السطح من فترة إلى أخرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلا أن القمة لم تستثن روسيا من قائمة التهديدات الجدية، خاصة بعد نشر موسكو صواريخ متوسطة المدى، والخلافات التي لم تحسم في قضايا الحد من التسلح، إضافة إلى الصراع على مناطق النفوذ. الأمر مع الصين أكثر خطورة، فهي إلى جانب ما تشكله من مخاطر أمنية، تعتبر أيضا مصدر قلق كبير للغرب على الصعيد التجاري. ولم يغفل أعضاء الحلف عن مناقشة قضية الجيل الخامس من الاتصالات (5 جي)، التي كانت سببا وراء عقوبات اقتصادية فرضتها واشنطن على بكين، بحجة ضمان أمن اتصالات دول (الناتو)، وتم الاتفاق على ضرورة الاعتماد على أنظمة اتصالات أكثر أمنا ومقاومة. تحولات دولية أكثر ما يقلق قادة الحلف، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، هي التحولات الدولية الطارئة ومواجهة التهديدات الهجينة، إضافة إلى ضمان التقدم التكنولوجي الذي يسمح بالتصدي للتحديات بكل أشكالها. لقد استنزف العالم ثرواته، والبحث عن بدائل، سواء على الأرض أو في الفضاء الخارجي، أصبح مجال تنافس وتسابق دولي، وهذا يتطلب جهودا علمية واستثمارات تفسر المبالغ الطائلة المخصصة لوزارة الدفاع الأميركي (البنتاغون). ضمن هذا الإطار الاستراتيجي العام، تصبح العلاقة مع دول المنطقة تكتيكية، تشهد تجاذبات وتتغير فيها المواقف، حسب صراع المصالح الأعمق مع الدول الكبار. وهذا ما يفسر التناقض الظاهري في مواقف واشنطن من قضايا المنطقة، التي تتبدل من يوم لآخر.

مشاركة :