معركة أفريقية من أجل مقعد غير دائم في مجلس الأمن

  • 12/10/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أعاد الخلاف المحتدم بين كينيا وجيبوتي حول أيهما أحق بعضوية المجلس خلال الدورة 2021-2022، النقاش على الساحة الأفريقية بشأن الآلية المعمول بها للاختيار والمعايير المطلوبة لتتبوأ أي دولة هذا المقعد في الانتخابات الدورية في يونيو المقبل، حيث يتم خروج دول ودخول أخرى، وفقا للتقسيم الجغرافي المعمول به. وتلجأ الكتل القارية والمناطقية إلى التفاهم وتوزيع الأدوار، منعا لنشوب تجاذبات قد تؤدي إلى توتير العلاقات الإقليمية. وهي طريقة ترتضيها غالبية الدول وتعفيها من بعض الحساسيات والمشكلات السياسية، بالتالي تمر عملية الاختيار بهدوء غالبا، لكن الضجيج الذي أحدثته كينيا وجيبوتي وضعها في بوتقة تنافسية، ربما يصعب ضبطها. أخذت القضية بعدا لافتا مؤخرا، وطغت عليها تراشقات لها جذور قديمة، قد تصطحب معها تداعيات سلبية على بعض القضايا، حيث تعتقد كل دولة أنها الأحق بالتمثيل عن منطقتها. ولم يفلح تصويت الاتحاد الأفريقي في إنهاء الأمر رضائيا حتى الآن، حيث وقع اختياره لصالح كينيا بعد اقتراع جرى في مقره بأديس أبابا على مستوى الممثلين الدائمين. وحصلت نيروبي على 37 صوتا مقابل 13 لجيبوتي ممن أدلوا بالتصويت، من بين 54 دولة أعضاء في الاتحاد، وهو ما رفضته جيبوتي، وقالت إن “العملية لم تنظم على أعلى مستوى ولا يمكن الأخذ بنتائجها”، في إشارة توحي بعدم الاستسلام للنتيجة المعلنة، والاستعداد لخوض جولات أخرى، في حالة عدم التوصل إلى اتفاق يمنع التسخين السياسي. تسبب عدم اعتراف جيبوتي في خلق وضع مربك للاتحاد الأفريقي الذي درج على اللجوء إلى هذه الوسيلة لتجاوز الكثير من العقبات، والحفاظ على الوحدة الشكلية بين دوله، وتجنب تفتيت الأصوات داخل الأمم المتحدة. يتطلب الموقف الملتبس عقد اجتماع لوزراء الخارجية أو قمة لرؤساء دول أفريقية للتفاهم على اسم الدولة المرشحة للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، أو التفكير في آلية لمنع تكرار هذا الموقف، المرجح أن يثير قضايا شائكة، حال خرج عن الإطار المألوف، لأن كل دولة باتت تتعامل مع العضوية بطريقة المكسب والخسارة، والتي لا تخلو من مناوشات لها خلفيات سياسية تصعّب مهمة التفاهم. تتعامل الدولتان مع الموقف بقدر كبير من الكيدية، إذ أقامت جيبوتي حفل استقبال بأحد الفنادق الكبرى في نيويورك يوم 5 ديسمبر الجاري، أعلنت خلاله ترشيحها رسميا، بعدما قامت كينيا بخطوة مماثلة في 7 نوفمبر في فندق آخر قريب من مقر الأمم المتحدة، وأكدت عزمها الترشح عن المقعد ذاته، ما جعل الأمور توشك أن تخرج عن حيز الصيغة المعتادة، والتأثير على مصداقية الاتحاد الأفريقي وقدرته على تسوية الملفات التي تتصاعد حدتها الإقليمية. يفتح إصرار كل دولة على رؤيتها الباب لصراعات مرهقة بشأن قضية بسيطة، لكن ربما تتحول إلى كرة ثلج تكبر يوما بعد آخر، وتقود إلى زيادة الانقسامات في وقت تعاني فيه الكثير من دول القارة من جراح سياسية واقتصادية وأمنية عميقة، وتتكالب عليها قوى من خارجها لتشكيل تكتلات تساعدها على تحقيق أعلى استفادة من مواردها. لم تؤكد الأدبيات المعمول بها أفريقيا أن هناك لائحة محددة على أساسها يمكن اختيار هذه الدولة ورفض تلك، غير أن ثمة تقاليد وأعرافا معمول بها يحترمها الجميع تقلل من التباين بين الدول في مثل هذه القضايا الشائكة، فمثلا كينيا سبق أن مثلت منطقتها دورتين، بينما جيبوتي شغلت المقعد غير الدائم دورة واحدة فقط، ما يعزز أن عملية الاختيار تخضع لضوابط كثيرة، في مقدمتها طبيعة المرحلة وحجم وثقل ووزن الدولة ذاتها في الإقليم والقارة برمتها. وتمنح العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن للدولة أهمية نسبية داخل المنطقة، وتبدو كزعيمة أو قائدة للإقليم، لأنها تجلس مع الدول العظمى في العالم والتي ترسم مصيره، بصرف النظر عن هامشية التأثير أو انعدامه. وكينيا لديها تطلعات لقيادة منطقة القرن الأفريقي، وتعتقد أن وجودها في المجلس لمدة عامين يمثل قيمة تضفي عليها بريقا سياسيا افتقدته السنوات الماضية، في ظل فترة من الارتباك حجمت مسيرتها الطامحة لتكون رقما محوريا في السلام والأمن والاستقرار، وترى أن الأجواء الراهنة جيدة للتحرك على المستوى الإقليمي. وتعتقد نيروبي أن العضوية تجعلها أكثر فاعلية في القارة التي بدأت تدخل مرحلة جديدة من التوازنات، مستفيدة من التطور الصاعد في علاقاتها مع الصومال والسعي لإنهاء الخصومات الحدودية، والتعاون في ملف مكافحة الإرهاب، واستيعاب الكثير من اللاجئين والنازحين، وغيرها من الموضوعات. وترى جيبوتي أنها الدولة المركز في منطقة القرن الأفريقي، بحكم أنها تستضيف قواعد عسكرية لكثير من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، ومنفتحة على الإقليم، وعلاقاتها متوازنة مع الجميع، وتتجاوب مع الملامح الرامية لنشر مبدأ التسويات السياسية في النزاعات، ونجحت بالفعل في تطوير علاقاتها مع الصومال وإريتريا وإثيوبيا وغيرها، ما يمنحها المطالبة بما تعتبره حقا في مقعد غير دائم داخل مجلس الأمن. تمنح العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن تمنح الدولة أهمية نسبية بصرف النظر عن هامشية التأثير قد تكون المسألة أبعد من صراع على مقعد يزول بعد عامين من الجلوس عليه، إلى القيمة التي يسبغها على صاحبه، من حيث تعزيز النفوذ في المنطقة التي يعيش فيها، وما ينتظرها من تحولات كبيرة السنوات القادمة، على ضوء الجهود المبذولة لتعميم السلام في القرن الأفريقي، ورفع الكفاءة الاقتصادية من خلال مشروعات تنموية مشتركة، ولكل من كينيا وجيبوتي آمال عريضة للمساهمة فيهما، وتساعد العضوية في قطف بعض الثمار المادية والمعنوية، وتزيد الدور نشاطا في المحيط الذي تستهدفه الدولة. جذبت المعركة بين كينيا وجيبوتي الانتباه من طرف خفي إلى معركة أكبر، لا تزال تدور رحاها في الكواليس، وتتعلق بالدولة أو الدول الأفريقية المرشحة للعضوية الدائمة لمجلس الأمن، وتشغل بال كثيرين منذ فترة، فهناك صراع على هذا التمثيل من قبل دول، مثل مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وقد تنضم إليها دول أخرى، خاصة إذا جرت عملية إعادة الهيكلة لمجلس الأمن في القضية المؤجلة ووقع الاختيار على دولة واحدة من قارة أفريقيا. عندما يتم طرح القضية على الاتحاد الأفريقي للاختيار، متوقع أن يدب خلاف عميق مع عدم وضوح المعايير التي بموجبها يتم اختيار الدولة-الدول المرشحة، وسوف تظل الجولة الحاسمة غائبة حتى إشعار يؤكد الموافقة أصلا على زيادة أعضاء مجلس الأمن، الدائمين وغير الدائمين. وتم التعرف على جزء من معالم المعركة التي أثيرت في لقاءات أفريقية متفرقة خلال أعوام، وأكدت صعوبة التوافق والتفاهم العادل، بصورة دفعت البعض إلى تفضيل التسويف. وهو الطريقة التي تعمل بها قوى عديدة خوفا من أن يأتي توسيع مجلس الأمن بعواقب تضر بمصالح دول كبرى.

مشاركة :