الحراك الشعبي في العراق والبحث عن هوية وطن

  • 12/11/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحراك الشعبي الذي نهض به الشباب في العراق منذ مطلع أكتوبر 2019. شكَّل انعطافة جديدة في المشهد السياسي، ومن المرجح نجاحه في إسدال الستار عن مرحلة حكم للبلاد بدأت منذ أبريل 2003. تلك المرحلة تحمل من الضياع والإرباك ما وضع العراق في درجة 169 من أصل 180 بالعالم على لائحة الفساد، تلك وغيرها جعلت الحراك بهذه الخطوة التأريخية يؤسس لمرحلة جديدة للعراق قد نشهد فيها وجها سياسيا جديدا تختفي فيه أحزاب جاءت ضعيفة لكنها أصبحت قوية ماديا وشعبويا مبنية على التناقضات الفكرية والهويات الثانوية، الطائفية والمذهبية على حساب هوية الوطن الأساسية. وقد راهن البعض على قدرة الحراك الشعبي في المواصلة وفي طرح برنامجه لا سيما كونه حراكا شبابيا بنسبة 90 بالمئة، وبالرغم من أن البعض من المتابعين راهنوا على نجاحه لكن الأحزاب المتضررة أطلقت عليه نعوتا سلبية متعددة بتعدد الأحزاب منها على أنه غربي الهوى، أو حزبي عراقي بهوية حزبية قديمة وهكذا، وكلها تشكل عملية مواجهة حكومية وحزبية لتلغيمه ووأده في بدايته، والذي جعل كثيرين يقتنعون بقدرته على المطاولة هو اعتماده أولا على مبدأ التشارك في القيادة لكل من يحضر إلى الميدان ودون حصرها بقيادة معينة خوفا عليها من الاختراق، أو استهدافها بالتهديد والقتل أو كسب العاطفة بالترغيب، وهذا يمثل أحد أسرار نجاحها وديمومتها، وثانيا أنه حراك انبثق على طريقة الاحتجاج أو الانتفاضة المعبأة بقناعة الفاعلين في الحراك وإدراكهم بخواء الأحزاب وحكوماتها المنبثقة عنها من أي برامج تنموية للشعب والمشروعات الخدمية والبنى التحتية، وإنها لا تملك سوى مشروع صناعة الرمز أو تضليل الجمهور بشعارات الطائفية والمذهبية والأقلية، وهي ثقافة تكررت على مدى ست عشرة سنة لم يعد المجتمع يتقبلها لكونها لم تعد تواكب واقع العصر ومتطلباته ولا تنطلي على البسطاء، وثالثا جاء الحراك بطريقة أفقية في ميدان التحرير في العاصمة بغداد وانتقل إلى ميادين تحرير في المحافظات العراقية الأخرى. وفي وصف طبيعة الصراع بين السلطة وأحزابها من جهة والحراك الشعبي من جهة أخرى حصلت الكثير من التفاصيل في إطار معركة محتدمة تمثل معادلة كل طرف منها يحاول أن ينتصر على الآخر، ولما كان الشباب لا يملكون سوى استراتيجية الخيار السلمي كسلاح لتعرية موقف النخب السياسية التي تتحكم في السلطة أمام ما تملكه (السلطة) من قدرات وأدوات المواجهة، لكن الفارق بين الطرفين أن الأول يمتلك الإرادة التي يفتقدها الثاني رغم كل إمكاناته.. وطبيعة خطاب الطرف الأول المتمثل بالحراك يمثل ثقافة وطنية ارتقى بالخيار الوطني إلى أعلى مستوياته ويتصاعد تدريجيا عندما انطلقت خطواته بانتقادات ثم مظاهرات ثم عصيان مدني في إطار حراك شعبي كسب إلى صفوفه غالبية العراقيين، بينما تراجع خطاب النخب السياسية السلطوية وتمحور بين الطائفية التي لم يعد يتقبلها المجتمع وشيَّعها في ميادين التحرير منذ بداية انطلاق الحراك مطلع أكتوبر، ثم محاولة شيطنة وتلغيم ميادين التحرير، ثم محاولة ذر الرماد في العيون بالقيام بإجراء إصلاحات روتينية تخص قضايا الخدمات والفقر والبطالة التي كان ينادي بها الشباب في البدء لكنها لم تعد تشكل سوى جزء من السياق والصيرورات، إذ تطور الأمر إلى مسؤولية البحث عن الهوية الوطنية بعد ما كانت تشكل مصدر قلق لدى العراقيين. الرهان على المستقبل بعد قطع شهرين من عمر الحراك وتقديم تضحيات في صفوف الشباب تبلغ 500 شهيد ونحو 20 ألف جريح ونحو 3 آلاف معاق، فإن النخب السياسية والسلطة أخذت تذوي وتتراجع في أساليب دفاعها عن نفسها لا سيما بعد تنحي الحكومة واستقالتها بنهاية نوفمبر 2019. وفي هذه المرحلة بدأت آخر محاولات السلطة بمحاولة وأد الحراك بالمواجهات المسلحة وخلط الأوراق على الشباب، ومع التوقعات بأن الأمور قد تؤول إلى مصادمات مسلحة تستمر أشهر أو أكثر، لكن في النهاية سيتبدل وجه العملية السياسية بالعراق بتغييب الأحزاب السياسية عن المسرح السياسي وتغيير قانون الانتخابات والأهم من ذلك نظامها الذي كان يسهم في عمليات التزوير، فضلا عن قانون مفوضية الانتخابات الجديد الذي يجب أن يأتي بمفوضية تعمل بعيدا عن الأحزاب السياسية حفاظا على سلامة الانتخابات، وهي رهانات الحراك الشعبي في الإصلاحات الدستورية لهذه وغيرها من الإصلاحات الجوهرية.

مشاركة :