أظهرت ميزانية الدولة للعام المالي 2020 عديدا من مؤشرات الأداء المالي العالي، لعل من أهمها وأبرزها الالتزام المرتفع بالموازنة المخطط لها مطلع العام المالي، إضافة إلى الشفافية المتجددة في الكشف عما تم إنجازه من مستهدفات الميزانية لنحو 23 جهة حكومية خلال العام المالي الذي يوشك على نهايته، وسيرتفع عددها خلال العام المالي المقبل لتشمل أغلب الأجهزة الحكومية. عدا أن ذلك يدون في جانب مهم من كفاءة الإنفاق الحكومي، فهو أيضا تدشين بالغ الأهمية لثقافة المساءلة والمحاسبة الحكومية التي تستهدف بسط نفوذ الحوكمة بمعايير أعلى من السابق، سيكون لها آثار محمودة جدا في الاقتصاد الوطني والمجتمع في الأجلين المتوسط والطويل، بدءا من رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتعزيز مساهمته في النمو الاقتصادي، مرورا بتركيز الرقابة والمتابعة على مشاريع الدولة - أيدها الله - وسد المنافذ كافة التي قد تفضي إلى أي ممارسات مخالفة تمنع تشكل أي فجوات تنموية بين الموارد المالية المقررة لأجل تحقيق التنمية المستدامة والشاملة من جانب، ومن جانب آخر التطلعات والاحتياجات القائمة اقتصاديا واجتماعيا، وهو ما ستظهر نتائجه الإيجابية تباعا عاما بعد عام في منظور العقد المقبل. نحن أمام مزيج عملاق الحجم من المشاريع التنموية الشاملة، يقتضي العمل على تجاوز هذا المزيج العملاق من المشاريع امتلاك رؤية شاملة ودقيقة لآليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة والمراقبة، وهي المتمثلة في رؤية المملكة 2030، وهذه تحديدا هي المنظومة الشاملة للعمل التكاملي الجاري عمل الدولة عليه منذ بدأت برامج الإصلاح والتطوير، ويستمر العمل به خلال المرحلة الراهنة، وتأكيد الالتزام به مستقبلا، وهو أيضا ما يسعى ويهدف ولي العهد إلى تأكيده في أي حديث له مع الجميع. هكذا تكون الترجمة الفعلية والموضوعية لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - فور توليه قيادة البلاد: "لقد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسكا بالشريعة الإسلامية الغراء، وحفاظا على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها، وعملا على مواصلة البناء وإكمال ما أسسه من سبقونا من ملوك هذه البلاد - رحمهم الله - وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها"، ومؤكدا - حفظه الله - أن "كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي، هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن.. فالتطوير سمة لازمة للدولة منذ أيام المؤسس - رحمه الله - وسيستمر التحديث، وفق ما يشهده مجتمعنا من تقدم، وما يتفق مع ثوابتنا الدينية وقيمنا الاجتماعية، ويحفظ الحقوق لجميع فئات المجتمع". في ضوء ما تمت مشاهدته على أرض الواقع من منجزات حقيقية، وأداء متحقق مثبت بلغة الأرقام بالدرجة الأولى، ما يؤكد فعليا أننا جميعا، مؤسسات وأفرادا، مجتمع نقف أمام لغة تنموية جديدة تماما، عنوانها الرئيس: الأقوال والوعود يجب أن تترجم إلى أفعال، ومن سيتخلف عن هذه اللغة للعمل المشترك من الأجهزة الحكومية، فإن مصيره الوحيد والنهائي هو المحاسبة والمساءلة، وهذا العمل هو أساس تقدم أي اقتصاد ومجتمع مهما كان حجم موارده وقدراته، وهو أيضا ما يصنع الفارق الكبير بين الاقتصادات والمجتمعات المتقدمة، وغيرها من الاقتصادات المتورطة فيما لا يعد ولا يحصى من الأزمات التنموية والاقتصادية حتى السياسية. ختاما، يتطلب هذا النهج الجديد من ثقافة العمل الحكومي وفق منظومته المتكاملة أن تزداد قنوات الشراكة بين تلك الأجهزة وعموم أفراد المواطنين، وأن يتم تطوير تلك القنوات التي تنقل بشفافية أعلى متطلبات واحتياجات المواطنين والمواطنات، ويترجم محتوى تلك القنوات بردود وتفاعل سريعين وواضحين مع أصحابها من الأفراد، وأن تضع مختلف الأجهزة الحكومية كل تلك العمليات من التواصل في مقدمة أولوياتها، وعدّها أحد أهم مؤشرات قياس أدائها دوريا وسنويا، الأمر الذي سيقلص بدرجة كبيرة جدا أي فجوات محتمل نشوؤها بين احتياجات المواطنين من جانب، ومن جانب آخر لدى الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية ذات العلاقة بتلبية ومعالجة تلك الاحتياجات والمتطلبات، الأمر الذي يؤمل رؤية تحققه في أقرب وقت ممكن، والممكن في الوقت ذاته تحقيقه بأقل تكلفة قياسا على التقدم الكبير الذي وصلت إليه تطبيقات الحكومة الإلكترونية لدينا - بحمد الله -، فمن يا ترى سيكون صاحب المرتبة الأولى بين مختلف الأجهزة الحكومية، الذي سيبادر بتقديم تلك الخدمة وتطويرها، وتحويلها إلى واقع ملموس؟
مشاركة :