يسعى نشطاء حقوقيون إلى إقناع البرلمان بإلغاء القوانين المجرّمة للحريات الفردية، تزامنا مع مناقشته مشروعا لتعديل القانون الجنائي، بيد أن استجابة البرلمانيين لهذه المطالب تبدو مستبعدة حاليا. ولا يتضمن المشروع المعروض على البرلمان إلغاء أي من الفصول المجرّمة للعلاقات الرضائية والمثلية الجنسية والإفطار العلني في رمضان وتغيير الدين، مع استثناء وحيد يتعلق بإباحة الإيقاف الطوعي للحمل إذا شكل خطرا على حياة الأم. وتطالب المنظمات الحقوقية بإباحة الإيقاف الطوعي للحمل ضمانا لحق المرأة في التصرف في جسدها، وضمان كافة الحريات الفردية. وهي المطالب التي تجدّدت على خلفية قضية الصحافية هاجر الريسوني، التي أدينت في سبتمبر بالسجن لعام واحد بتهمة إقامة “علاقة جنسية خارج الزواج” و”الإجهاض”، قبل أن تستفيد من عفو ملكي. ووجّه نشطاء ائتلاف “خارجة على القانون” الذي تأسس غداة القضية التي أثارت جدلا واسعا، عريضة إلى البرلمان المغربي “لإلغاء تجريم كل الأفعال التي تندرج في إطار الحريات الفردية”. وأطلق الائتلاف مؤخرا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعبئة المواطنين قصد تبنّي العريضة، حيث يلزم حصولها على توقيع ما لا يقل عن 5 آلاف مغربي مسجلين في اللوائح الانتخابية كي يقبل البرلمان مناقشتها. حذرت منظمات حقوقية مغربية ودولية من استعمال تلك القوانين "لاستهداف" الأصوات المنتقدة، تعارض الأوساط المحافظة تغييرها وتنسجم هذه المطالب مع مذكرة وجهها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) توصي برفع التجريم عن الحريات الفردية. وتحظى العلاقات الرضائية والمثلية الجنسية في المغرب، عموما، بالتسامح والتجاهل ما دامت مستترة، بيد أنها تظل ممنوعة قانونيا ويمكن أن تقود صاحبها إلى السجن. تماما كما يمنع القانون استهلاك الخمور لكنه شائع في الواقع. ويعاقب القانون المغربي بالسجن إقامة العلاقات الجنسية خارج الزواج (من شهر إلى عام)، والمثلية الجنسية (من 6 أشهر إلى 3 سنوات)، والخيانة الزوجية (من عام إلى عامين)، والإجهاض (من عام إلى عامين). ولوحق العام الماضي 14503 أشخاص بسبب “الفساد” أي الجنس دون زواج، و3048 بسبب الخيانة الزوجية، و170 بسبب المثلية و73 بسبب الإجهاض، طبقاً لآخر حصيلة رسمية. واستنكر ائتلاف “خارجة على القانون” هذا الوضع في بيانه “وكأن سجوننا غير مكتظة كفاية، وكأن البلاد لا تعج بقضايا أكثر أولوية كالعنف الجنسي والنساء ضحايا القتل والاختلاسات المالية والفساد والإرهاب وغيرها”، مذكرا بأن “الحب ليس جريمة”. لكن اللجنة البرلمانية التي تتدارس مشروع تعديل القانون الجنائي تستبعد تغيير الفصول المجرّمة للحريات الفردية حاليا “لأن الحكومة لم تقترح ذلك في النص الذي قدمته إلينا”، كما أوضح رئيسها توفيق ميموني. كما أن حزب العدالة والتنمية (إسلامي معتدل) الذي يسيطر على أغلبية البرلمان لا ينوي إلغاء تلك القوانين، بحسب البرلمانية بثينة قروري. وأوضحت قروري “لدينا نقاش داخل الحزب يتجه نحو التمييز بين المجال العام والمجال الخاص، لا بد من حماية الحياة الخاصة للأفراد، لكننا لن نقترح إلغاء تلك القوانين”. وبينما لم تعلن باقي أحزاب الموالاة والمعارضة عمّا إذا كانت ستقدم مقترحات لتغيير القوانين المجرّمة للحريات الفردية، أكد نائب واحد حتى الآن هو عمر بلافريج عن فدرالية اليسار الديمقراطي (معارضة) أنه قدم تعديلات في هذا الصدد، داعيا إلى ضرورة مناقشتها. لا يتضمن المشروع المعروض على البرلمان إلغاء أي من الفصول المجرّمة للعلاقات الرضائية والمثلية الجنسية والإفطار العلني في رمضان وتغيير الدين وأضاف بلافريج “دورنا هو إيجاد حلول، نعلم أن معدل سن الزواج بالمغرب هو 28 سنة ولدينا ملايين من الشباب غير متزوجين فهل نسجنهم؟ السجن ليس حلا!”. ونبه إلى أن “الفئات الفقيرة هي الأكثر عرضة لهذه القيود، حيث يتعذر عليها الحصول على سكن أو السفر إلى الخارج من أجل الإجهاض”. وتفيد تقديرات لجمعيات أن ما بين 600 و800 عملية إجهاض سرية يتم إجراؤها كل يوم في المغرب. وبينما حذرت منظمات حقوقية مغربية ودولية من استعمال تلك القوانين “لاستهداف” الأصوات المنتقدة، تعارض الأوساط المحافظة تغييرها بدعوى أنها تتوافق مع “المرجعية الإسلامية” للدولة و”هوية المجتمع” الدينية، على الرغم من كونها قوانين وضعية غير مستمدة من أية نصوص دينية. وغداة إعلان المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرته المدافعة عن إلغاء التجريم، نبه رئيس الحكومة سعدالدين العثماني إلى “أننا سنثبت على كل ما يهم المرجعية الإسلامية”. وفي المقابل، يشدد الحقوقيون على أولوية تلاؤم القانون مع تطورات المجتمع. وتأجل موعد تقديم تعديلات البرلمانيين على مشروع القانون، للمرة الثانية، إلى 13 ديسمبر الجاري
مشاركة :