صحافة الفيديو تبحث عن ذاتها في مواجهة هواة يوتيوب

  • 12/12/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

استحدثت نقابة الصحافيين المصرية جائزة مخصصة لتطوير “صحافة الفيديو”، ضمن جوائز التفوق الصحافي السنوية، في محاولة لإثراء قيمة المنافسة في هذا المجال، وضاعفت دورات التدريب على أدوات إنتاج الفيديوهات، غير أن تلك الجهود لم تفلح في صناعة صحافة فيديو تجذب الجمهور إليها. وتعبر أرقام المتابعات التي تحظى بها الصحف عن جوهر الأزمة، وعدم وجود استراتيجية عمل محددة تسير عليها غالبية الصحف، لأن قناة “بوابة الأهرام” (حكومية) على يوتيوب، مثلا تجذب فقط 18 ألف متابع، فيما لم تتجاوز أي صحيفة مصرية حاجز المليون متابع، باستثناء صحيفة “اليوم السابع” الخاصة، حيث بلغ عدد متابعيها 2 مليون و700 ألف متابع، لوجود إدارة تحريرية منفصلة عن الصحيفة والموقع الإلكتروني. واستطاع الهواة أو ما يعرف بـ”اليوتيوبر” الاستحواذ على غالبية المشاهدات، بالرغم من إنتاج هذه القنوات فيديوهات أقل بكثير مما تنشره الصحف والمواقع الإلكترونية. وكشفت قناة “نادر أحمد” الذي أنشأها قبل عامين تقريباً، ونشر 45 فيديو يغلب عليها الطابع الكوميدي، أنه استطاع أن يجذب عددا من المتابعين وصل إلى 2 مليون و800 ألف شخص وحصل على مشاهدات بلغت 250 مليون مشاهدة. ويرى الصحافي المصري أبانوب عماد، محرر فيديو ومنتج محتوى رقمي، أن مشكلة الصحف المصرية مع أقسام الفيديو اقتصادية بالأساس، لأن العوائد مرتبطة بمنصات فيسبوك وتويتر. ويوتيوب أول منصة أعطت عائدا من الإعلانات مقابل المحتوى الأصلي الذي ينشر لكن العائد لا يغطي تكلفة إنتاج الفيديوهات، فيما يأتي العائد المادي الأساسي من إعلانات الصحافة الورقية، لذلك فهي تحتل الأولوية. وأضاف عماد، وعمل مسؤولا عن قسم الفيديو بصحيفة “المصري اليوم” الخاصة، لـ”العرب” أن “الصحافة المصرية تعاني كذلك من عدم وجود مهنيين يستطيعون الارتقاء بهذا المجال، لأن صحافة الفيديو لا تزال مجالا جديدا من الناحية العلمية، لم يدرس في كليات الإعلام إلا بعد انتشارها بسنوات، ويعاني المحتوى من غياب المعايير التي تتماشى مع جمهور المواقع الإلكترونية”. وذهب الصحافي إلى أزمة أخرى مرتبطة بمعايير “الترافيك” وتركيز المواقع الإلكترونية على الموضوعات الساخنة أحياناً، ما يضيع إمكانية استغلال الأحداث السياسية اليومية وتطويعها لصالح الانتشار بفضل خوارزمية فيسبوك التي تدفع بالفيديوهات إلى الانتشار بشكل أكبر من انتشار المحتوى المكتوب أو الصور. وتواجه أقسام الفيديو في الصحف الحكومية صعوبات أكثر مما تواجهه نظيرتها الخاصة، لأن غالبيتها تعيد نشر فيديوهات رسمية صادرة عن مؤسسات حكومية مختلفة، من دون أن تركز على الإنتاج الخاص بها، فيما تحتاج الصحف إلى موافقات رسمية عدة قبل التواصل مع يوتيوب للحصول على عوائد ما تحصل عليه، ويقضي الروتين على أي مكاسب من وراء نشر الفيديوهات. وقال مسؤول قسم الفيديو بأحد الصحف الحكومية، رفض ذكر اسمه، إن المحتوى الذي يقدمه يعاني من كونه موجهاً بالأساس، وغالبية الفيديوهات المنتجة لا بد أن تحصل على موافقات عدة قبل تصويرها، علاوة على عدم توظيف الإمكانيات المالية لشراء المعدات اللازمة لإنتاج محتوى محترف. ومع أن صحافة الفيديو شقت طريقها في مصر منذ أن بدأ الاهتمام بصناعة المواقع الإلكترونية قبل 15 عاماً تقريباً، غير أنها تسير بشكل عشوائي، وتفتقر إلى منظومة مؤسسية، وغالبا ما يتم اختزالها في شخصين فقط، صاحب الفكرة ومنفذها، أو صحافي واحد يقوم بالمهمتين معا، ناهيك عن التدريب المفقود، وبالتالي يخرج المنتج النهائي قليل الجودة في أغلب الأحيان. ويرى العديد من الصحافيين العاملين في هذا المجال، أن انخفاض جودة الفيديوهات المصورة يفرض الحاجة إلى معالجات صوتية عدة ومراحل مونتاج قبل ظهور الفيديو في شكله النهائي، وميزة الآنية التي تتميز بها المواقع الإلكترونية في نقل الأحداث بالصوت والصورة تتراجع نتيجة التأخير في عملية النشر. وسلّط علي تركي، المشرف على عدد من صفحات الفيديو في صحف مصرية، الضوء على أزمة أخرى تعاني منها أقسام الفيديو تتعلق بجودة الإنترنت داخل مصر وارتفاع الأسعار مقارنة بالعديد من بلدان العالم، ما يؤدي إلى إحجام المواطنين عن مشاهدة الفيديوهات الطويلة، بجانب سوء المحتوى. وبحسب تقرير صادر عن وكالة “We Are Social’s”، فإن مصر تأتي في ذيل قائمة البلدان التي تعاني انخفاضا في جودة الإنترنت بمتوسط سرعة اتصال بلغ 1.7 ميغابايت في الثانية، وأن دولا مثل نيجيريا وإندونيسيا والفلبين وفيتنام، تتفوق في متوسط سرعة الاتصال. وأضاف تركي، وهو مؤلف كتاب “صناعة المواقع الإخبارية”، لـ”العرب” أن فرص وصول الفيديوهات التي تبثها المواقع الإلكترونية إلى الجمهور في أوقات الظهيرة صعبة، لأنها لا تتماشى مع خدمات المحمول، وتكون مناسبة أكثر لأجهزة الحاسب الشخصي، وأن ثلاثة أرباع أعداد مشاهدات الفيديو باتت عن طريق الموبايل ما يستدعي الحاجة إلى تجريب الفيديوهات الرأسية والمصنوعة خصيصا لمشاهدتها على الشاشات الرأسية لأجهزة المحمول. ويشاهد مستخدمو “سناب شات” يوميا حوالي 6 مليارات فيديو رأسي، وهي نتائج أفضل بتسعة أضعاف من الفيديوهات العادية التي تم تصويرها للشاشات الأفقية، ما دفع الكثير من الناشرين الدوليين في المجال الإلكتروني إلى التنبه للأمر، فيما يصنع ناشرون آخرون مثل “نيويورك تايمز” فيديوهات متجاوبة يتغير منظورها حسب الشاشة، أفقية أم رأسية. ويرى البعض من خبراء الإعلام، أن المواقع الإخبارية تفتقد القدرة على إنتاج المزيد من الفيديوهات الموجهة لفئات بعينها من الجمهور، حسب النوع والاهتمامات، والمزيد من دمج الفيديو مع باقي أشكال المحتوى لحكي القصص الصحافية بشكل أفضل. ما يتطلب المزيد من التعاون في غرفة الأخبار بين الصحافيين ومنتجي محتوى الفيديو. وتفتقد الصحافة كذلك للفيديوهات التي تقدم خلاصات ذكية وجذابة للمستخدمين حول المواضيع التي تهمهم، وهو ما تعاني منه الكثير من الصحف المصرية التي تشكو قلة خبرات رؤساء التحرير الإلكترونية ما يدفعهم نحو تفضيل المحتوى المقروء.

مشاركة :