عام واحد فقط هو الفارق الزمني بين إنشاء مدينة القاهرة (عام 969 ميلادية) وتأسيس «الجامع الأزهر» بعدها، وهو ملمح ربما يبدو مُفسراً لعلاقة ظلت زهاء 1080 سنة واتسمت بالتشارك، والتلازم، والتفاعل، والتجادل في بعض الأحيان، ما بين عاصمة الحكم وسكانها من جهة والمؤسسة الدينية الأهم للمسلمين في البلاد من جهة أخرى، وقد يكون من فصولها تلك المعركة الجدلية التي شهدتها مصر، الأسبوع الماضي، حول أدوار وأفكار الجامع والجامعة، وتنوع المشاركون فيها وتباينت كذلك ساحاتها، ورغم أن أحدث فصولها كانت فكرية جرت على صفحات الجرائد بشأن «محتوى التعليم الذي تقدمه معاهد الأزهر»؛ فإنها سُبقت، قبل ذلك بقليل، بمناقشات برلمانية لا تقل صخباً بشأن «مقترح بشأن تعديلات قانون الأحوال الشخصية» تقدمت به المؤسسة. في مصر التي تواجه منذ سنوات عمليات «إرهابية» بدأت بقوة عام 2013 عقب إزاحة حكم تنظيم «الإخوان» (تصنفه السلطات إرهابياً)، وباتت تنحصر راهناً تقريباً في شمال شبه جزيرة سيناء؛ لا صوت يعلو فوق صوت «تجديد الخطاب الديني». تدعو لذلك مؤسسات رسمية سياسية وأخرى دينية، ومراكز أبحاث ومثقفون، ومواطنون مهتمون بالشأن العام... الجميع يريد «تجديد الخطاب» لكن ومع الاتفاق الافتراضي على الهدف، فإن الخلاف يظهر بشأن أساليب العلاج وتحديد مواطن العطب، وفي هذا الإطار جاء حوار أجراه الأكاديمي المصري والناقد الأدبي، الدكتور، صلاح فضل، مع صحيفة «المصري اليوم»، في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحدث خلاله محملاً مناهج المعاهد الأزهرية المسؤولية عما قال إنه «إنتاج بذور للتطرف»، ودخل على الخط في الإطار نفسه، كاتب المقال الشهير في الصحيفة نفسها، والذي يوقع باسم «نيوتن»، وتبعه معلقون آخرون من الكتاب والقُراء، لكن وعلى الجانب الآخر، اشتبك أحمد الصاوي، رئيس تحرير جريدة «صوت الأزهر» التي تصدر عن المشيخة، مع تلك الأطروحات، وردّ في مقال مطول، الأسبوع الماضي، تضمن أفكاراً مختلفة، وكان من بينها تساؤل عن كيف يمكن «لرأس مؤسسة (الدكتور أحمد الطيب) تقولون إنها تقذف بالمتطرفين إلى الحياة، أن يجاور البابا (فرنسيس) بهذه الحميمية بين القامتين الكبيرتين في العالم؟». ولم تتوقف طوال الأسبوع الماضي، مشاركات المتابعين للقضية، من جمهور القراء وكتاب الرأي في صحف مصرية عدة، الذين عبّر بعضهم عن «دعم لتطوير الخطاب»، بينما رأى «آخرون أن حملة ما ضد الأزهر وراء الأمر». الموقف الرسمي ويركز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2014 على قضية «تجديد الخطاب الديني»، وكثيراً ما تتضمن خطاباته الرسمية ومداخلاته في المناسبات العامة حضاً لعلماء الدين على تفعيل تلك المساعي، وقال في عام 2017 إن مسألة تجديد الخطاب الديني «قضية حياة أو موت لهذا الشعب (المصري) وهذه الأمة (الإسلامية)». وهنا يقول الدكتور صلاح فضل، لـ«الشرق الأوسط»، إن «دعوتي التي أثارت كل هذه الردود، هي تربوية بالأساس، وتهدف لدمج التعليم الديني بالمدني، ووقف (الانفصام التعليمي) في المجتمع، حيث يجب أن تتضمن المناهج التي يتلقاها الطلاب في مراحل التكوين قبل الجامعي، جرعة من العلوم المعاصرة التي تحض على التفكير في المسائل بصورة أوسع»، ومعتبراً أن «الكتب التي يتم تقديم مناهجها لطلاب المعاهد الأزهرية هي بنت عصور (ما قبل العلم)». لكن في المقابل يطرح الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ما قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «تحدٍّ لأي شخص يهاجم مناهج الأزهر، أن يحدد بدقة ودون إلقاء اتهامات عامة، منهجاً أو كتاباً أزهرياً في أي مرحلة من المراحل يمكن أن يكون بذرة للتطرف، أو تشجيعاً على الإرهاب». ويستدرك: «إن من يحمّلون المناهج الأزهرية مسؤولية عن التشدد، لا يملكون معلومات مُحدثة أو مُوثقة عما يتم تدريسه الآن، ويرددون افتراضات لا تقوم على تقصٍ أو دراسة حقيقية». والنجار الذي شارك مع آخرين في إعداد تطوير المناهج الأزهرية، شرح أن «الموقف الثابت والراسخ الآن للأزهر بشأن القضايا التي يستغلها المتطرفون، هي على النقيض التام من هؤلاء، فعندما حدث القتل باسم الدين تصدت المؤسسة لذلك، وبينما كانت سلطة (الإخوان) تتوسع لتفرض سلطتها على المجتمع المصري، قبل سبع سنوات جابه الأزهر مساعيها، وكان معنا الدكتور صلاح فضل الذي شارك في إعداد (وثائق الأزهر) عام 2012، وتطرقنا حينها للموقف من الحريات ودعمها، ومستقبل مصر، وإرادة الشعوب العربية، واستكمال أهداف الثورة». ومع إقرار الدكتور فضل، بأن «وثائق الأزهر قدمت وجهاً مضيئاً للمؤسسة»، فإنه يرى أن «ما يُدرس في مناهج المعاهد الأزهرية بعيد عن الوثائق». وللعلم، فإن أحدث إحصاء، صدر في 4 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عن «الجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء» (جهة رسمية)، أظهر «زيادة في عدد المعاهد الأزهرية (الابتدائي والإعدادي والثانوي)، حيث بلغت 65.9 ألف منشأة للعام المالي 2018 -2019، وذلك مقابل 63.9 ألف معهد خلال عام 2017 -2018، بنسبة زيادة 3.1 في المائة». دور البرلمان على أي حال، فإن وزير الثقافة المصري السابق الكاتب الصحافي، حلمي النمنم، كان له تقدير آخر بشأن مسألة «تجديد الخطاب»، التي لخصها في حديث لـ«الشرق الأوسط» بقوله «إن التجديد لا يبدأ من التعليم كما يعتقد البعض، ولا حتى من رجال الدين، بل إنه دور البرلمان الذي يملك سلطة التشريع، كأولوية قصوى لتجريم (تكفير المواطنين) والتي تمثل دعوة مبطنة لإراقة الدماء». وللعلم، من المقرر أن يعقد «الأزهر» مؤتمراً عالمياً لـ«تجديد الفكر الديني» في يناير (كانون الثاني) المقبل، بحضور ورعاية الرئيس المصري. ثم هناك معركة أخرى، بخلاف المناهج، كان «الأزهر» طرفاً فيها، وتواصلت طوال أسابيع مضت، تتعلق بتعديلات على «قانون الأحوال الشخصية». إذ تقدمت المؤسسة للبرلمان بمشروع قانون يتضمن «نتاج ما توصلت له لجنة شكلتها المؤسسة لهذا الغرض»، وبموازاة ذلك كان البرلمان لديه مشروعات أخرى مقدمة من نواب ومؤسسات في الاتجاه نفسه أحليت للأزهر لاستطلاع رأيه فيها، غير أن برلمانيين ونشطاء بالمجال، اعتبروا أن ما أقدم عليه الأزهر «تدخل ديني في أمر تشريعي»، فكان بيان صادر باسم شيخها الدكتور، أحمد الطيب، مطلع الشهر الماضي، وقال فيه إن «الأزهر باشر إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية للأسرة انطلاقاً من واجبه الشرعي، وحقه الذي يخصه وحده في هذا الأمر». واستدرك الطيب: «يقولون مال الأزهر وتشريع القوانين العامة؟، ونحن نعلن ذلك: لسنا جهة تشريع ولا إقرار قوانين، ولا دخل لنا بالأمور السياسية أو البرلمانية إلى آخره، لكن حين يكون الوضع متعلقاً بقوانين مصدرها القرآن والسنة والشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية التي هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه هذه الأحكام وأعني بها الأحوال الشخصية للأسرة من زواج ومن طلاق ومن ميراث... حين يكون الأمر ذلك لا يصح أبداً ولا يُقبَل أن يترك الحديث فيها لمَن هَبَ ودَبَّ». ووفق المادة السابعة من الدستور المصري القائم، فإن «الأزهر هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء». وبسبب احتدام النقاش بشأن مشروع القانون، علّق الرئيس المصري، الخميس الماضي، على الجدل السائر في البلاد حول نصوصه، وقال أثناء فعاليات «منتدى أسوان للسلام والتنمية»: «البعض لديه تخوف من ألا يحقق هذا القانون الإنصاف لهم، وأنا أقول للنساء لن أوقع على قانون لا ينصفكن». رأي الأزهر «الأزهر قدّم رأياً مُقدراً، وليس مقدساً»، هكذا رد الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على «الرواق الأزهري»، على تعليقات برلمانيين بشأن مشروع القانون المطروح من الأزهر، موضحاً: «إن تعبير أننا لن نترك (كل من هب ودب) يتصدى لأمر يتعلق بالشرع، يعني أنه لن يُترك لغير المتخصصين التصدي لمسألة تتعلق بأمور شرعية والتي هي من صميم تخصص الأزهر، ولم يرسلها للبرلمان باعتبارها مفروضة، وذلك أيضاً وفق دوره كجهة للبيان العلمي الديني والشرعي، وليس جهة إلزام». «الإمام السند» والحجاب في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أغضب غلاف لصحيفة «صوت الأزهر» الناطقة باسم المؤسسة، عدداً من «المتشددين»، وكان ذلك بسبب نشر صور في واجهة الصفحة الأولى لشخصيات عامة من السيدات وكان من بينهن «غير محجبات»، شاركن بالكتابة والتعليق في إطار تغطية صحافية عن مواجهة «التحرش». سياق العدد حينها ارتبط بحملة أطلقتها مشيخة الأزهر بعد انتشار عدد كبير من حالات التحرش في مصر، والتي أثارت ضجة واستياءً على أصعدة شعبية ورسمية، وكان أبرز خطوات الحملة إصدار شيخ الأزهر، بياناً لافتاً، قال فيه إن «التحرش تصرف مُحرم شرعاً، وسلوك مدان بشكل مطلق ولا يجوز تبريره». كما شدد الطيب على أن «تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقاً ومجرداً من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها». ولقد قوبل البيان باحتفاء في أوساط حقوقية ونسوية، مصحوباً بحملة تدوين إلكترونية تحت هاشتاغ تحت شعار # الإمام_السند. وأخيراً، دخل «المركز العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية» في جدل جديد يتعلق بقضية الحجاب، وفي مواجهة احتجاج البعض بـ«عدم فرضيته»، رد المركز، قبل أسبوعين تقريباً، وقال إنه «فرض ثبت وجوبُه بنصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحد أن يخالف الأحكام الثابتة، كما أنه لا يقبل من العامة أو غير المتخصصين - مهما كانت ثقافتهم - الخوض فيها». وجاءت فتوى المركز التابع للأزهر، عقب جدل مجتمعي صاحب إعلان الممثلة المصرية صابرين، عدم ارتداء الحجاب الذي كانت تظهر له لسنوات، ورغم أن البيان لم يسمّها أو يتطرق لقرارها، فإنه جاء مواكباً لحالة النقاش، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضمنت آراء لمعلقين، انتقلوا من مناقشة القضية الخاصة إلى جدل مطول بين فريقين بشأن فرضية الحجاب. ولقد أعادت فتوى الأزهر، المؤسسة إلى ساحة الجدل مرة ثالثة، ووفق ما يقول رئيس تحرير «صوت الأزهر»، أحمد الصاوي لـ«الشرق الأوسط»، فإن «هناك طرفين في المجتمع مشغولان بزي المرأة، وكلاهما يتشابه فيما يمارسه من تطرف وتنمر ووصاية على المرأة وعدم احترام حقوقها الشخصية وحرياتها الأساسية. أولهما طرف متشدد دينياً يرى غير المحجبة شراً مطلقاً، ويعتبر أن عدم الالتزام بالحجاب هو سبب تأخر المجتمع ويتنمر على غير المحجبات... وآخر متطرف علمانياً يظن أن النهضة مشروطة بخلع الحجاب باعتباره تخلفاً ورجعية، ويتنمر على المحجبات، وكلا الطرفين يتشابه في عدم احترام المرأة والتدخل في شؤونها بوصاية لم تشرع لأي منهما في دين ولا دستور ولا قانون». وبشأن ما إذا كان بيان الأزهر، يمكن أن يستخدمه البعض للتعرض لغير المحجبات، استشهد الصاوي، بموقف الأزهر من مناهضة التحرش وعدم تبريره بزي المرأة. وقال إن «المؤسسة تقف بين الطرفين ضابطاً للمسألة دون تفريط في حكم شرعي، ودون توريط في فتنة مجتمعية، وكذلك فإنه لا توجد رخصة لأي أحد لإجبار امرأة على الحجاب؛ لكنه متروك لوازعها الديني وقناعتها ورغبتها في تحقيق ما أمرها الله به طاعة له، لا خوفاً من أحد». الوثائق العربية... و«الأخوة الإنسانية» > تبرز في أدبيات مؤسسة الأزهر 6 وثائق يمكن اعتبارها مركزية في مسيرته خلال العقد الحالي، وهي مقسمة على نوعين، الأولى تشمل 5 وثائق تتعلق بشؤون محلية وعربية، وصدرت متفرقة بين عامي 2011 و2012، وتحديداً في أعقاب «ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011»، وجاء في مقدمتها بعد إتمامها أنها «دعوة للحوار الحضاري بين الأمة الإسلامية وسائر أمم المعمورة، من أجل تبادل النفع، وتحقيق المصالح الإنسانية العليا». وتطرقت أولى هذه الوثائق إلى «النظام الأساسي للدولة، وتحدد الحقوق والواجبات، وتنظم المشاركة الشعبية الديمقراطية في الحكم، وترسم صورة للدولة ترتضيها أمتنا، وانتهت المداولات الفكرية إلى أن هذه الدولة هي (الدولة الوطنية الديمقراطية، الدستورية، الحديثة)». أما الثانية، فإنها ترتبط «حماية الحريات الأساسية في المجتمع». وفي الوثيقة الثالثة جاء «دعم إرادة الشعوب العربية في سياق (ثورات الربيع العربي)»، كما رهنت «مشروعية الحاكم بعدم إراقة دماء محكوميه، طالما كانت مجابهته سلمية»، وفي سياق قريب جاءت الوثيقة الرابعة التي وقّعها شيخ الأزهر وبابا الأقباط، ورئيس الوزراء المصري، وعدد من ممثلي الأحزاب، وجاءت تحت شعار «استكمال أهداف الثورة». وعلى نحو خاص استهدفت الوثيقة الخامسة التعريف بالمواقف المبدئية للأزهر من قضية «القدس» فأكدت «عروبة العاصمة الفلسطينية منذ ستين قرناً»، ومناشداً العالم بدعم «الحق العربي في تحرير القدس». النوع الآخر من وثائق الأزهر لم يتعلق بشأن داخل أو حتى عربي، وتتضمن الوثيقة السادسة المعروفة بوثيقة «الأخوة الإنسانية»، ووقعها شيخ الأزهر، وبابا الفاتيكان فرنسيس، في فبراير (شباط) الماضي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، ونصت على «تبني ثقافة الحوار درباً، والتعاون المشترك سبيلاً، والتعارف المتبادل نهجاً وطريقاً»، كما شددت على أن «الأديان لم تكن أبداً بريداً للحروب أو باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء، فهذه المآسي حصيلة الانحراف عن التعاليم الدينية، ونتيجة استغلال الأديان في السياسة». الأروقة الأزهرية > خلال تطور دور ومسؤوليات الأزهر من مرحلة الجامع إلى حقبة الجامعة، استقبل دارسين من بقاع شتى مصرية وعالمية، وتقدر أعداد الخريجين الأجانب من كليات الأزهر بنحو 40 ألف شخص سنوياً تقريباً، وفق ما أفاد المشرف على أروقة الأزهر الدكتور عبد المنعم فؤاد. وارتبطت فكرة الأروقة بالجامع الأزهر، وباتت رمزاً لصيقاً بتاريخ التعليم فيه، وبحسب ما يورد الموقع الرسمي للمشيخة، فإن «من التقاليد الراسخة التي ظلت لصيقة بالتاريخ العلمي والاجتماعي للأزهر كجامعة، أنه أفرد لكل جنسية وأهل إقليم من طلابه الذين وفدوا إليه من شتى بقاع العالم العربي والإسلامي (رِواقاً) يقيمون فيه إقامة دائمة بالمجان طوال السنوات التي كانوا يقضونها في تحصيل العلوم في رحابه، وهي أماكن للإعاشة الكاملة بالمجان»، وكانت 16 رواقاً لغير المصريين يحمل كل واحد منها اسم أبنائه مثل الشوام، والأكراد، والهنود والمغاربة، وكذلك فإن الأزهر كان يضم 12 رواقاً لأبناء المحافظات المصرية، وأصحاب المذاهب الفقهية، ومنها مثلاً: الصعايدة (محافظات الصعيد)، والشراقوة (محافظة الشرقية)، والحنابلة والأحناف. وكانت العلوم التي تُدرس في الجامع الأزهر تزيد على عشرين فرعاً، منها مثلاً: «الفقه وأصوله، والتفسير، والحديث رواية ودراية، والتوحيد، والحكمة الفلسفية، والتصوف، والنحو والصرف، والمنطق، والحساب والجبر والمقابلة، والفلك، والعروض»، وكانت الدراسة تبدأ بعد صلاة الفجر، وحتى صلاة العشاء. ولقد تطورت فكرة الأروقة فيما بعد وأنشأت مصر مدينة البعوث الإسلامية التي افتتحها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وشيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت، عام 1959، وضمت حينها 5 آلاف طالب وطالبة من 40 دولة. وفى أبريل (نيسان) عام 2016، دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، المرحلة الثانية من مدينة البعوث الإسلامية المصرية الجديدة، وتستوعب أولى مراحلها 5 آلاف وافد، أما المرحلة الثانية فتشمل 35 ألف دارس أجنبي في الأزهر.
مشاركة :