اتفق قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 خلال قمة أمس في بروكسل على المضي نحو محادثات تجارة مع بريطانيا بعد "الإقرار والتنفيذ الفعلي" لاتفاق خروجها من التكتل الأوروبي. وبحسب "رويترز"، أكد البيان الختامي للقمة على أهمية احترام بريطانيا معايير الاتحاد الأوروبي الرئيسة في مجالات مثل قوانين العمل والمعايير البيئية بموجب اتفاق تجاري مستقبلي. وأضاف أنه "يجب أن تكون العلاقة في المستقبل قائمة على التوازن بين الحقوق والالتزامات وضمان تكافؤ الفرص"، ودعا إلى "التصديق في الوقت المناسب" على اتفاق انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما يمهد الطريق لمغادرة البلاد للتكتل بحلول 31 كانون الثاني (يناير)، وشدد القادة مجددا على رغبتهم في "إقامة أوثق علاقة مستقبلية ممكنة مع المملكة المتحدة". وحث زعماء الاتحاد الأوروبي بريطانيا على إحراز تقدم سريع في وضع أسس المفاوضات التجارية للبدء فيها بمجرد مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. من جهتها، حذرت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، من ضيق المهلة المحددة للتوصل إلى اتفاق تجاري مع بريطانيا، بعد ساعات من الفوز الحاسم، الذي حققه المحافظون بزعامة بوريس جونسون بالانتخابات. وأضافت فون دير لاين أنها "جاهزة للعمل" من أجل إقامة علاقة تكون "أقرب ما يمكن" بين الطرفين بهدف التوصل إلى تفاهم بنهاية 2020. وأعلن شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي، أن المفاوضات المستقبلية بين بروكسل ولندن لن تتم ضمن المهلة المحددة حتى نهاية 2020 أيا كان الثمن. وردا على سؤال حول المهلة الضيقة المتبقية للتفاوض، ذكر ميشال أنه "من غير الوارد إتمام المفاوضات بأي ثمن، يمكن إتمام مفاوضات حين نعد أن النتائج متوازنة وتضمن مراعاة مختلف المخاوف". وأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أملها في "شراكة خاصة" مع بريطانيا، معتبرة أن المملكة المتحدة ستصبح طرفا ثالثا، لكن دولة ذات صلات وثيقة للغاية بالاتحاد الأوروبي، مضيفة أن التكتل يتوجه الآن بحيوية كبيرة نحو مفاوضات "معقدة" حول علاقات مستقبلية مع بريطانيا. وأشارت ميركل إلى أن "النقطة الحاسمة الأكبر بالنسبة لنا هي أنه يتعين علينا إجراء المفاوضات بسرعة بالغة"، موضحة أنه يتعين إتمام هذه المفاوضات بحلول نهاية هذا العام، حال عدم الاتفاق على تمديد المرحلة الانتقالية في الصيف المقبل. من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بريطانيا لعدم التحول إلى "منافس غير منصف" للاتحاد الأوروبي بعد بريكست، مضيفا: "آمل بأن تبقى المملكة المتحدة دولة حليفة وصديقة وشريكا مقربا للغاية.. لا نريدها منافسا غير منصف". ومع فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية، بات بوريس جونسون مطلق اليدين لتحديد شكل "بريكست"، الذي يريده، سواء فضل البقاء قريبا من الاتحاد الأوروبي أو الابتعاد عنه، على ما يرى المحللون. وكتب تشارلز جرانت مدير مركز الدراسات "سنتر فور يوروبيان ريفورم" على تويتر: "مع امتلاكه أغلبية واسعة، بإمكان جونسون تجاهل الجناح الأكثر تشددا ضد أوروبا في حزبه المحافظ، واختيار بريكست أكثر ليونة إن شاء". وفاز المحافظون بقيادة جونسون أول أمس بأغلبية مريحة جدا في البرلمان محققين عشرات المقاعد الإضافية عن الانتخابات السابقة عام 2017، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد إيبسوس عند الخروج من مراكز الاقتراع. وتمكن المحافظون من انتزاع مقاعد من العماليين داخل "جدارهم الأحمر"، وهو قوس يمتد من شمال ويلز إلى شمال إنجلترا، ما يشكل ثورة حقيقية. وتكبد العماليون خسائر تاريخية، وأوضح توني ترافرز الأستاذ في كلية "لندن سكول أوف إيكونوميكس" أن "كون الحزب المحافظ يمتلك الآن مقاعد في شمال إنجلترا وميدلاندز، التي لا تزال تضم عددا كبيرا من الصناعات التحويلية وبعض الزراعة، وهي مجالات ستتضرر بشدة في حال حصول "بريكست" متشدد أو عدم التوصل إلى اتفاق، فإن ذلك يجعل من الأصعب على جونسون اعتماد أي خيار غير بريكست لين". وسخر جونسون أطباعه المندفعة في خدمة حملة انتخابية تمحورت بشكل أساسي حول "بريكست"، مرددا شعار "أنجزوا بريكست"، مع الحرص على عدم توضيح خياره بهذا الصدد. فهل يود جونسون طلاقا يبقي على علاقات وطيدة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لبلاده، أو يفضل انفصالا مع الابتعاد عن المعايير المشتركة حتى الآن بين الطرفين، ولا سيما على الصعيدين الاجتماعي والبيئي؟ يشير عديد من القادة الأوروبيين، ولا سيما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى خطر قيام منطقة أشبه بسنغافورة على نهر التايمز، تكون بمنزلة جنة ضريبية تعتمد نظاما ماليا متفلتا من أي ضوابط وتنافس الاتحاد الأوروبي عند أبوابه. وهم يعتزمون استئصال مثل هذا المشروع قبل ولادته خلال المفاوضات حول العلاقة المستقبلية البريطانية الأوروبية التي تبدأ بعد 31 كانون الثاني (يناير)، أي بعد موعد "بريكست". والهدف من هذه المحادثات التوصل إلى اتفاق تجاري بحلول نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2020 عند انتهاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاق الخروج المبرم بين لندن وبروكسل، التي يمكن تمديدها لمدة تصل إلى سنتين. وفي ضوء حجم انتصار جونسون، ترى مجموعة "أوراسيا" أنه "لن يكون مدينا لمؤيدي بريكست المتشددين في مجموعة البحث الأوروبية، التي كانت ستتمتع بنفوذ أكبر بكثير لو لم يحصل سوى على أغلبية ضئيلة. وسيترتب على جونسون أن يقرر إن كان يود المواءمة مع تنظيمات الاتحاد الأوروبي، أو الابتعاد عنها بشكل واضح". وأعطى رئيس الوزراء بعض المؤشرات إلى نواياه خلال الحملة الانتخابية، إذ أكد أن "الاتفاق المبرم مع بروكسل يعني أننا نخرج من الاتحاد الأوروبي مع الحفاظ على علاقتنا بلا مساس، دون رسوم جمركية ودون حصص".وأضاف أن "الاتفاق يحمي سلسلة موردينا ويضمن امتلاكنا معادلات كاملة على صعيد المعايير وحاجات الصناعة"، موحيا بأنه يؤيد المواءمة مع الاتحاد الأوروبي. لكنه في المقابل، لم يتوقف عن امتداح الاتفاق التجاري الكبير، الذي يسعى لإبرامه مع "صديقه" الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، غير أن ذلك سيكون في غاية الصعوبة في ظل مثل هذه المواءمة مع التنظيمات الأوروبية. ورأى سام لو من "سنتر فور يوروبيان ريفورم" أن انتصار جونسون "يزيد من فرص اتفاق تجاري سريع مع الولايات المتحدة، ويسمح له بتقديم التنازلات التي تطالب بها واشنطن حتى لو أنها تثير استياء عدد كبير من النواب". وعبر ليو فارادكار، رئيس وزراء إيرلندا عن أمله في التفاوض على "شراكة اقتصادية جديدة ضخمة" مع بريطانيا، وكتب فارادكار "انتصار هائل لـجونسون على المستوى الشخصي.. لدينا الآن بوضوح أغلبية في مجلس العموم للتصديق على الاتفاق الأوروبي". وتابع رئيس الوزراء الإيرلندي "سننتقل إلى المرحلة التالية من خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، التي ستشهد التفاوض على شراكة اقتصادية مستقبلية جديدة قوية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وأعتقد أنه يمكن القيام بذلك".
مشاركة :