الاجتماع المغلق بين الرئيس الأمريكي ، دونالد ترامب، ووزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، يوم الثلاثاء الماضي 10 ديسمير/ كانون الأول الجاري، تابعته وسائل الإعلام الأمريكية على نطاق واسع، وفجر تساؤلات حائرة داخل الدوائر الأمريكية.. ووصف عدد من السياسيين الأمريكيين المعروفين، اللقاء المغلق بين ( رئيس دولة عظمى ووزير خارجية دولة منافسة) بأنه يندرج تحت باب «مؤامرة ترامب السرية»، ونجاح للدعاية الروسية. ما هو سر «المؤامرة » في الاجتماع المغلق؟! الدوائر السياسية في واشنطن، كشفت أن اللقاء المغلق بين الرئيس ترامب ووزير الخارجية الروسي، لا فروف، تم بترتيبات خاصة من البيت الأبيض، وأن الأمر يتعلق بـالمعاملة بالمثل، وعندما ذهب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى روسيا، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معه (ولم تشير الدوائر الأمريكية إلى ان لقاء يوتين وبومبيو لم يكن مغلقا !!).. وبحسب الدوائر الأمريكية، فإن لقاء ترامب ولافروف «المغلق»، سوف يتناول بمكاشفة ومصارحة ، المسائل الخلافية وفي مقدمتها الأوضاع في سوريا، وأوكرانيا، وفنزويلا، والحد من التسلح وغيرها من القضايا في العلاقات الروسية الأمريكية المتوترة، وهي القضايا التي بحثها لا فروف مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قبل لقاء الرئيس ترامب بساعات قليلة، وإن كان وزيرا الخارجية سوف يبحثون تلك القضايا في إطار حديث عام، خاصة حول السيطرة على التسلح، ولكن بحث تلك القضايا مع الرئيس ترامب في اللقاء المغلق، سيكون عبر رسائل روسية «محددة بنقاط واضحة»، بحسب تعبير الباحث الأمريكي في شئون العلاقات الروسية ـ الأوروبية، دانيال مارلنج. الاجتماع المغلق، هو الثاني من نوعه بين لافروف وترامب، منذ مايو/ آيار عام 2017، وأهمية هذا اللقاء، بحسب الدوائر الروسية في موسكو، أنه يأتي في أعقاب المحادثات بين بوتين ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بيوم واحد، في باريس حول النزاع في شرق أوكرانيا، كما أن المسائل المتعلقة بإيران وكوريا الشمالية وأفغاستان، هي الملفات ذات الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة والتي ستطرح في لقاء ترامب ولافروف. «سر المؤامرة» ويرى المحلل السياسي الروسي، إيليا بولونسكي، أن الصحافة الأمريكية تلقت أنباء الاجتماع بانتقاد واسع، حيث انزعج المنتقدون من عدم استقبال ترامب للرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، عقب اجتماع «رباعية النورماندي» واستقبال وزير الخارجية الروسي بدلا منه، ووصف عضو الكونغرس الأمريكي، آدم شيف، لقاء ترامب ولافروف وبومبيو بـ «المؤامرة السرية»!! وقال بولونسكي: إن اللقاء بين ترامب ولافروف، كان روتينيا عاديا، لكن منتقدي الرئيس رأوا فيه إهمالا للمعارضة الأمريكية، وكأن لسان حال ترامب يقول: إذا كانت المعارضة قد بدأت محاولات عزلي، فلم أعد أخشى من أي تهديدات، وسأفعل ما أشاء، وسألتقي الروس. الاعتراض على تطبيع العلاقات بين واشنطن وموسكو ومن المثير للاهتمام، بحسب تحليل إيليا بولونسكي، أن المعارضة في الولايات المتحدة لم تتطرق لجوهر الاجتماع، وكل ما دار الحديث عنه هو حقيقة لقاء الرئيس الأمريكي بوزير خارجية روسيا، في الوقت الذي يصعب فيه تخيل ألا يتحدث ممثلو قوتين عظميين، فهناك الكثير من قضايا النقاش الساخنة حول العالم. في الوقت نفسه كانت هستيريا الديمقراطيين هي ما حرر الرئيس ترامب في نهاية المطاف من أعباء ما كان يمنعه في السابق من لقاء المسؤولين الروس..كذلك كان من الإيجابي في هذا السياق غياب المسؤولين رفيعي المستوى في البيت الأبيض ممن يتميزون بمشاعر مناهضة لروسيا، ولطالما وقفوا حجر عثرة في طريق تطبيع العلاقات مع روسيا، مثل جون بولتون، الذي كان من أعتى «الصقور» في البيت الأبيض المناهضين لروسيا. قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية ويشير المحلل السياسي الروسي، إلى أن «سر المؤامرة» من وجهة نظر السياسيين الأمريكيين ـ من المعارضة للرئيس ترامب ـ أن الاجتماع المغلق تناول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، وان وزير الخارجية مايك بومبيو، وفقا للأمريكيين، حذر لافروف من التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، إلا أن وزير الخارجية الروسي نفى أن يكون موضوع «التدخل الروسي» قد طرح على طاولة الحوار. ويبدو من ذلك التناقض أن أحد الطرفين يحاول «التعتيم» على تلك القضية، حيث من الممكن أن يكون من المفيد للجانب الأمريكي أن يعلن عن تحذيره للجانب الروسي، بغرض الاستهلاك الإعلامي المحلي داخل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل طمأنة الديمقراطيين، الذين يعتبرون موضوع «التدخل الروسي» في الانتخابات أمرا مؤلما للغاية، ويستخدمونه للضغط على إدارة الرئيس ترامب. ويضيف « بولونسكي» موضحا..أن موسكو أعلنت عن استعدادها أن ينشر الجانب الأمريكي كافة المراسلات التي تبادلتها روسيا مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر قناة اتصال «مغلقة» ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2016 و نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، لعل ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى إزالة الشكوك الأمريكية، لكن البيت الأبيض رفض عرض وزارة الخارجية الروسية، وهو ما يؤكد حرص الجانب الأمريكي على الإبقاء على حالة «التكهنات» في هذه القضية، بمعنى أن المؤسسة الأمريكية تود الإبقاء على تلك القضية لاستخدامها في المناورات السياسية السرية، والمنافسة على السلطة والموارد. معاهدة «ستارت ـ 3».. محور لقاء ترامب ـ لافروف ويؤكد المحلل السياسي الروسي، أن الاجتماع المغلق كان إيجابيا وشاملا، دون وجود لمؤامرة سرية، إلا أن الاجتماع لم يسفر عن اتفاق حول عدد من القضايا الرئيسية، ومن بينها تجديد معاهدة «ستارت ـ 3»، حيث تنتهي المعاهدة في فبراير/ شباط 2021، ويرغب الجانب الروسي في تجديدها 5 سنوات أخرى، حال موافقة الطرفين، وترى موسكو ضرورة توسيع المعاهدة لتجنب سباق تسلح جديد، وتفاقم التوتر العالمي، أما الجانب الأمريكي فيرى أن المعاهدة لم تعد تناسب الوقت الراهن، في وقت أصبحت الصين منافسا هاما للولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن أيضا في المجال العسكري. وبينما يخفض الروس والأمريكيون أسلحتهم، فلا يوجد ما يقف عائقا أمام الصين في تطوير إنتاج أسلحتها. بينما أشار ترامب إلى رغبته في تحسين التجارة مع روسيا التي بلغت، على الرغم من العقوبات 27 مليار دولار (كانت التجارة قد انخفضت إلى 20 مليار دولار عقب أزمة أوكرانيا)، ،ولافتا الانتباه إلى أن آلاف الشركات الأمريكية تواصل العمل في روسيا، وأن رجال الأعمال الروس بدورهم يطورون أعمالهم في الولايات المتحدة الأمريكية.
مشاركة :