بالنسبة لملايين من الناس، فإن آلام الركبة جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية، وهناك حوالي واحد من كل 5 أشخاص فوق سن ال 45 مصاب بالتهاب المفاصل التنكسي أو «Osteoarthritis»، وهو تلف غير قابل للتجدد، يصيب الأنسجة الغضروفية المفصلية التي تعمل على تقليل الاحتكاك الناتج من حركة المفاصل الدائمة في الركبة. يقول مارك ويلكينسون، وهو أستاذ جراحة العظام في جامعة شيفيلد، إنها مشكلة متنامية، مصيفاً: «يزداد معدل الإصابة بالتهاب المفصل التنكسي بسبب الشيخوخة، وزيادة معدلات السمنة، وهي عوامل خطر رئيسية آخذة في الارتفاع». وللأسف، لا يوجد علاج نهائي لهذه الحالة، وتركز العلاجات الحالية على تخفيف الألم إلى أن يتلف المفصل نهائياً، ما يستدعي استبداله، ومع ذلك، فإن هناك شكوكاً متزايدة حول فاعلية هذه العلاجات. وكشفت دراسة حديثة، عن أن حقن الكورتيزون، أحد أكثر العلاجات شيوعاً لتخفيف الألم والتورم لدى المصابين بالتهاب المفصل التنكسي، يمكن أن يضر أكثر مما ينفع. ووجد العلماء من جامعة بوسطن أن الستيرويدات في هذه الحقن، يمكن أن تسرّع في تفكك المفصل، مما يعجّل الحاجة إلى استبدال الركبة. وتشير إحدى النظريات إلى أن هذه الستيرويدات، قد تكون ضارة للغضاريف في بعض الحالات المرضية. وقال الدكتور علي جرمازي، أستاذ علم الأشعة، في لقاء مع مجلة «Radiology»: «لقد أخبرنا المرضى أنه حتى لو لم تخفف هذه الحقن من الألم، فإنها لن تؤذيهم. والآن علمنا أن هذه الحقن قد تكون لها أضرار على المفاصل». وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن العقاقير المضادة للالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل «ديكلوفيناك» و«إيبوبروفين» يمكن أن تقلل الألم، إلا أنها يمكن أن تحدث آثاراً جانبية، مثل تهيج المعدة. ووجدت مراجعة نشرت في مجلة «ذا لانسيت» في عام 2016، والتي حللت نتائج ل 74 دراسة، أن الباراسيتامول يمكنه تقليل آلام التهاب المفاصل بنسبة أفضل تبلغ 4% بالمقارنة مع مضادات الالتهاب. علاج جديد وعندما وجدت المعلمة أنجيلا راينيس (65 عاماً)، نفسها تعاني آلام الركبة، اختارت نهجاً جديداً للتعامل مع هذه الحالة. وكانت راينيس تعاني آلام متقطعة في الركبة منذ أن كانت في السادسة عشرة، وقبل عامين، بدأ الألم في كلا الركبتين يصعّب عليها المشي والقيادة لمسافات طويلة. وكشفت الفحوص الإشعاعية معاناة أنجيلا من التهابات شديدة في المفاصل، لكنها رفضت حُقن الستيرويد واستبدال الركبتين. وبعد البحث على الإنترنت، وجدت علاجاً جديداً يتم فيه استخراج الخلايا الدهنية من البطن، ثم حقنها في الركبة؛ إذ يعتقد أنها تساعد في تحفيز الأنسجة على إصلاح نفسها. وأجرت أنجيلا العملية في عام 2018، واستغرق الأمر يوماً لتشعر بالتحسن، كما تخلصت من آلام الركبة، وتقول في ذلك: «لقد استعدت حياتي. يمكنني الآن العمل وقيادة السيارة والمشي على الشاطئ مرة أخرى». وتم استخراج 350 مليمتراً من الخلايا الدهنية من منطقة البطن لدى أنجيلا، ومن ثم تم تنظيفها وحقنها في الركبة المصابة. وبدأت في الآونة الأخيرة تظهر علاجات جديدة لتحل محل القديمة، وهنا نستكشف بعض التقنيات الحديثة التي قد تكون مفيدة. حقن البلازما تلقى أكثر من 70 ألف شخص في المملكة المتحدة حقنة واحدة على الأقل من الكورتيزون كحل قصير المدى للحد من تورم المفاصل، ويقول الدكتور شينماي جوبتا، استشاري جراحة العظام في مستشفى ولنجتون في لندن، إن معدل نجاح هذه الحقن يصل إلى 70% وقد يستمر تأثيرها لمدة 3 أشهر. ومع ذلك، يمكنها أيضاً خفض نشاط الجهاز المناعي؛ إذ قد تسرّع من عملية تلف المفاصل وتزيد من خطر العدوى عندما تجرى للمريض عملية جراحية، وفقاً لجوبتا. وهناك خيار آخر وهو استخدام مادة هلامية (جيل) للتقليل من الاحتكاك، فعلى سبيل المثال، يحاكي حمض الهيالورونيك، السائل الزلالي المحيط بمفاصل الركبة، لكن هذه الطريقة قد لا تكون فعالة مع جميع المرضى. ويقول الدكتور نعيم حيدري، استشاري جراحة العظام في عيادة ريجنيتيف كلينيك في لندن، إن حقن البلازما الغنية بالصفائح الدموية (PRP)، وهي عملية تقوم على فصل عينة من دم المريض ثم تثقيل هذه العينة للحصول على بلازما دموية غنية بالصفائح الدموية، ثم يتم حقنها بالأماكن التي تحتاج معالجة، هي من الخيارات الجديدة المثيرة للاهتمام. وتحتوي الصفائح الدموية على عوامل عدة من عوامل النمو والسيتوكينات الأخرى المختلفة التي تحفز التئام الأنسجة والعظام. وعلى الرغم من أنه علاج آمن جداً، فإن المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية (NICE) يقول إن علاجات (PRP) لها فعالية محدودة. ويقول الدكتور حيدري: «تطلق البلازما الغنية بالدم مركبات توقف موت الخلايا وتحفز تكاثر الأنسجة التي تسهم في إصلاح المناطق المتضررة، كما أن لها تأثير في تقليل الألم». وهذا الإجراء متاح فقط بشكل خاص، ويكلّف 8233 دولاراً، وتستمر النتائج لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات. وخلصت مراجعة أجريت هذا العام إلى أن العلاج سيكون له دور مهم في العلاج التقليدي لمرض التهاب المفاصل، ومع ذلك يقول البروفيسور مارك ويلكينسون، إن التجارب السريرية لا تشير إلى وجود تأثير لحقن الخلايا الجذعية أو الدهنية على مرض التهاب المفاصل. قطع العظم يقول الدكتور جوبتا إن جراحة التنظير المفصلي (Arthroscopy)، وهو نوع من العمليات الجراحية لإصلاح الغضروف التالف، كانت تجرى قبل 20 عاماً، لكنها ليست فعالة تماماً؛ حيث لا ينصح بهذه العمليات للعديد من المرضى، ما لم تكن هناك عظام أو غضاريف متفككة. في حين يقول المعهد الوطني للصحة وتفوق الرعاية إن هذه العملية يجب أن تجرى فقط للأشخاص الذين يعانون «الركبة المقفلة»؛ حيث لا يستطيع المصاب تحريكها للأمام أو الخلف بسبب وجود جزء من الغضروف الممزق يعيق الحركة. ويقول الدكتور حيدري إن عملية قطع العظم؛ بحيث يتم نقله إلى الموضع الصحيح، هي اختيار جيد، لاسيما عندما يكون هناك عدم اتساق طبيعي في شكل العظام، مضيفاً: «تسمح لنا هذه الطريقة بتغيير شكل عظم قصبة الساق (عظم الظنبوب)، ومن ثم نقل جزء منها إلى مكان جديد؛ حيث يكون الطرف مستقيماً باستخدام الصفائح المعدنية والمسامير، إنه ليس علاجاً، لكنه يقلل الألم ويزيد من عمر الركبة لفترة أطول قبل الحاجة إلى مزيد من التدخل». وعمليات قطع قصبة الساقة متاحة حالياً وتكلف حوالي 10 آلاف دولار. استبدال الجزء المتضرر من الركبة يتم إجراء حوالي 100 ألف عملية استبدال للمفصل كل عام في بريطانيا وحدها. ويقول أدريان ويلسون، اختصاصي الركبة والإصابات الرياضية في لندن: «إنها عملية ممتازة؛ حيث إن نسبة نجاحها بين كبار السن في الستينات عالية، ويمكن للمفصل الجديد أن يدوم ل 25 عاماً، إلا أنه في حالة المرضى الأصغر سناً، تصبح معدلات تآكل المفاصل الجديدة أكبر؛ حيث يخضع ثلث المرضى الذين تبلغ أعمارهم أقل من 55 عاماً إلى عملية استبدال للمفصل في غضون 7 سنوات». ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هؤلاء المرضى أكثر نشاطاً، وبالتالي يزداد الضغط على المفصل الجديد. وتتكون الركبة من ثلاثة مفاصل فرعية وهي الغرفة الوسطى والغرفة الجانبية و الغرفة الرضفية الفخذية، ويتم حالياً استبدال واحد واثنتين من المفاصل بدلاً من استبدال جميع المفاصل بأخرى صناعية. ويقول الدكتور جوبتا إن أولئك الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً والذين يحتاجون إلى مفصل جديد، يحصلون على غضروف بشري من متبرع، ليحل محل ذلك التالف، لكن الأبحاث في هذا الشأن لا تزال جارية.
مشاركة :