دولة الإمارات سباقة في تبني قيم ومفاهيم إنسانية وتحويلها إلى أساليب حياة عصرية تتباهى بها أمام الأمم المتحضرة. فالإيجابية والسعادة والتسامح والتعايش كلها مفاهيم إنسانية معنوية غير ملموسة ولكن في الإمارات تم وضع الأطر اللازمة لتصبح ممارسة وأسلوب حياة وفناً إدارياً راقياً تحرص مؤسساتنا الرسمية والخاصة على تبنيها. وقد تجذرت هذه المفاهيم في مجتمعنا بحيث يلمسها ويحس بها كل من يعيش بيننا وينهل من قيمنا وثقافتنا. وربما يتساءل البعض عن جذور هذه القيم ومن نوعية التربة التي استقى منها أهلنا تلك الثقافة الإنسانية، وكيف تم تحويلها إلى ممارسة يومية دونما أية معوقات. الأجوبة تكمن في جذور هذه المفاهيم المغروسة في أعماق تربتنا والتي تستقي ماءها من تراثنا الصحراوي. فعلى الرغم من أن أجدادنا قد عاشوا في مجتمع اعتبر نوعاً ما مجتمعاً منغلقاً بفعل الظروف السياسية والجغرافية، وخالٍ من أشكال الرفاهية المادية وأساليب الحياة التي تعتبر في مقاييس اليوم محققة للسعادة والراحة، إلا أنهم كانوا سعداء بحياتهم البسيطة التي فاضت حباً وكرماً وتسامحاً. فقد تعلموا من حياتهم الشاقة والتي كانت عبارة عن صراع مع الطبيعة القاسية، معاني المشاركة الوجدانية والكرم والشهامة والفضيلة.لقد تعلموا من الأرض السخاء والكرم. فعلى ما تنتجه الأرض من نخيل التمر وبعض الزراعة الصحراوية عاش أجدادنا وتفاعلوا مع غيرهم من الأقوام التي شاركتهم العيش والعمل شاكرين الله على نعمه ومستقبلين يومهم بكل ترحاب وتفاؤل. وعلى ما ينتجه البحر من ثمر وجوهر عاش الأجداد حامدين الله الذي من عليهم بهذه المنن. فقد عاشوا هم ودوابهم على ما تنتجه الأرض وما يجود به البحر من خيرات اعتبرت في تلك الفترة شكلاً من أشكال النعم التي كانوا دوماً يحمدون الله على استمراريتها. فغيرهم قد لا يجد ما يسد به رمقه، أو يجدد بها حياته. هكذا رسم أجدادنا خطوط حياتهم ومعيشتهم مع جوارهم بطريقة بسيطة ولم يكونوا يفكرون إلا في كيفية الاستعداد ليوم آخر يتشاركون فيه السعادة مع غيرهم. ولو سألت أحدهم عن السعادة لقال بأنه سعيد لأن الله سبحانه وتعالى من عليه بتمام الصحة والعافية ورضا الله. فهي في رأيه من محققات السعادة. فلا المال ولا الأشياء المادية جلبت له السعادة المنشودة، بل الرضا بما قسم الله له. هكذا عاش أجدادنا الأولون الذين لم يكونوا يعلمون بأن تحت أرجلهم وفي باطن الأرض كانت تكمن ثروة سوف تغير وجه مجتمعهم كما سوف تغير نظرتهم للعالم ونظرة العالم لهم. جاء النفط ليحدث تغيراً جذرياً في مجتمعنا. فهذه الثروة الفجائية أحدثت في مجتمعات الخليج ما لم يحدثه أي مؤثر مجتمعي آخر. فقد غيرت الكثير من موازين الحياة بالأخص حينما جلبت معها مؤثرات الحداثة الغربية. البعض كان متخوفاً من أن النفط قد يقلب موازين القيم في مجتمعنا رأساً على عقب ويغير قيم الماضي بكافة أشكالها، أما البعض الآخر فقد كان يرى في النفط ثروة اقتصادية ولا شيء آخر. فقد وفر النفط لهم آمالاً كبيرة بالاستقرار الاقتصادي والتخلص من هواجس الفقر والفاقة. كانت أقصى أمانيهم إيجاد لقمة العيش من دون معاناة وتقاسم الحياة مع من أتى ليعيش معهم. إذ كان النفط بالنسبة لهم أداة من أدوات السعادة التي حباهم الله بها وهي كانت في واقع الأمر اختباراً ربانياً لقدرة الناس على التعايش والتكيف مع كافة الظروف، الفقر والغنى. وقد أظهر النفط معدن الناس الأصلي. فعلى الرغم من أنهم لم يكونوا يدركون حجم الثروة التي منحها الله لهم، إلا أنهم كانوا مصممين على تقاسم اللقمة مع غيرهم. فتلك القيمة من شيم وثقافة الناس، ومن الفزعة البدوية التي كانت سائدة في مجتمعات الكفاف. لم يكن هؤلاء مدركين بأن مجتمعهم هذا سوف يكون من أسعد مجتمعات العالم وأجملها وأن جمالها هذا لم يكن ليكتمل دون عقد من القيم الإنسانية التي يزين جيدها. ولم يأتوا بجديد. فمجموعة القيم التي تم تبنيها هي في الواقع من صلب القيم الإنسانية التي آمن بها الأجداد والآباء. الذي استجد فقط هو وضع الأطر اللازمة لتلك القيم لتكون ممارسة يومية وإدارة حكومية. إن دولة الإمارات اليوم تتباهى أمام الأمم الأخرى بجملة من الممارسات الإدارية التي رفعتها إلى مصاف الأمم المتحضرة. ولكن ربما تكون قيمها الإنسانية هي التي ميزتها عن غيرها وأظهرت نموذجها المختلف والمميز. طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :