الخصاونة يكتب: المسكوت عنه في برامج الدراسات العليا في الجامعات الرسمية

  • 12/15/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

برامج الدراسات العليا في الجامعات ،بالاضافة إلى كونها تشكل فخرا للكثير من جامعاتنا ،فهي تعكس قدرة هذه الجامعات على تقديم مستوى متقدم ومعمق للتعليم في التخصصات المعتمدة.نوعية التعليم المتاح في برامج الماجستير والدكتوراة تتطلب بالضرورة أن يكون الطلبة الملتحقين بهذه البرامج لديهم قابلية عالية ،ومستويات عالية من القدرات والاستعداد الذهني ،والرغبة في التعمق والبحث العلمي.الدراسات العليا ليست مرحلة تلقائية ينبغي على كل طالب متخرج من مرحلة البكالوريوس أن يلتحق بها، كما أن الدراسات العليا سواء في الماجستير أو الدكتوراه ليست متطلب ضروري وسابق للوصول لأعلى المواقع أو الوظائف طبعا يستثنى من ذلك الوظائف التعليمية والجامعية.تشكل البحوث العلمية والرسائل والأطاريح الجامعية الذراع الرئيسي للدراسات العليا لدرجة أن بعض الجامعات في الغرب، كما هو الحال في بريطاني واستراليا ،تعتمد البحث العلمي والرسالة الجامعية كأساس في الدراسات العليا ولا توفر هذه الجامعات مساقات تدرسية أو امتحان كفاءة أو كما يطلق عليه الامتحان الشامل كما هو الحال في الجامعات الأمريكية.والحقيقة أن البحث العلمي هو العمود الأساسي للدراسات العليا ،وأن تعلم مهارات إعداد البحوث والإلمام الكافي بأسس ومناهج البحث العلمي(Research Methodology) قضية محورية في برامج الدراسات العليا، حيث يتمخض الانخراط في هذه البرامج حصول الطالب على شهادة الدكتوراه في فلسفة التخصص الذي ينتمي إليه(Doctor of philosophy). وفي حين أن الحصول على هذه الشهادة العلمية المتقدمة يعد خطوة أولى لممارسة ما تعلمه الخريج من ممارسات البحث العلمي، أو بمعنى آخر رخصة للانخراط في إعداد البحوث أو الاشراف عليها ،فإن عدم الإعداد الجيد وعدم تطبيق متطلبات ومعايير جادة وصارمة سيمكن بعض الطلبة من الحصول على رخص قيادة دون معرفة القيادة ،وسيعطيهم الشرعية ويمكنهم من الوصول إلى مواقع تعليمية وبحثية مهمة ،وسيتولون مهام تعليم غيرهم البحوث ومناهجها وسيقومون بالاشراف على الرسائل الجامعية ربما هم غيرمؤهلين للاشراف عليها ففاقد الشيء لا يعطيه.في ظل هكذا أجواء تبدأ سلسلة الانحدار(Downfall cycle) التي في ضوئها يقوم المدرس غير المؤهل بتخريج طالب غير مؤهل وهذا بدوره يشغل مكان يعمل فيه بطريقة غير مهنية ،ويعلم غيره معارف ومهارات غير صحيحة وهكذا دواليك.لعل الجانب الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو ذلك الانتشار المؤسف للمراكز الخاصة التي تقوم بإعداد الرسائل الجامعية ماجستير ودكتوراه مقابل الأجر.بعض هذه المراكز بدأت عملها بالإعلان عن خدمات جامعية وطباعة وتنسيق وتدقيق لغوي ولكنها ما لبثت وأن تجاوزت خجلها وربما حيائها لتعلن عن استعدادها لإعداد رسائل الجامعية ،ووضعت قائمة أسعار لذلك ومدد زمنية وغير ذلك.الأكثر إيلاما وربما جرأة هو ما تعلنه بعض هذه المراكز عن استعدادها الدائم والفوري لإعداد بحوث علمية لأغراض الترقية للاساتذة في الجامعات، وتذهب لأبعد من ذلك لتؤكد استعدادها لإعداد بحوث لأغراض النشر في مجلات مفهرسة عالميا(ٍScopus, ISI, etc… ) وبأسعار تفضيلية لمن يريد.المؤسف أنه يوجد في هذه المكاتب البائع والمشتري ،وأحيانا البائع استاذ والمشتري أستاذ وفي أحيان أخرى البائع أستاذ والمشتري طالب والوسيط طبعا هو مركز الخدمات الجامعية.إن وجود مراكز الخدمات الجامعية وما تمثله من اسهام في تدمير العملية التعليمية ،والحط من قيمة وقدر الدراسات العليا ،وجعل الحصول على شهادة الماجستير والدكتوراة مرهون بالقدرات المالية والشرائية للطلبة ،ناهيك عن المتاجرة ببحوث الترقية للأساتذة الجامعيين ،كل ذلك يدق ناقوس الخطر لوزارة التعليم العالي وللجامعات الاردنية الرسمية والخاصة.لا أعلم ما قيمة إعداد رسالة ماجستير أو دكتوراه إذا كان الطالب لم يعدها !،وإذا كان شخص أخر مستتر هو من أعدها!، وربما زور بياناتها !ولم يوزع استبانات وانما افتراها! ما قيمة الساعات التي يقضيها المشرف على الرسالة إذا كان إشرافه هو في الحقيقة على ما يكتبه شخص آخر غير الطالب الذي يمثل أمامه؟ما قيمة مناقشة الرسالة التي يحضرها مناقشون من داخل الجامعة وخارجها ومن عمادة البحث العلمي في ظل أجواء احتفالية وحضور كثيف لأقارب الطالب وتقبله لتهاني ومباركات على عمل لم ينجزه شخصيا؟نعم نطرح وبألم هذه الظاهرة التي أصبحت واقعا حقيقيا ،حيث تنتشر معظم مكاتب الخدمات الجامعية حول الجامعات وفي محيطها ،وتضع بعض إعلاناتها داخل الحرم الجامعي، وتستغل وسائل التواصل الإجتماعي لإرسال رسائل تعرض من خلالها خدماتها الإجرامية بحق البحث العلمي والجامعات وسوق العمل والوطن ككل.المطلوب من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزيرها الدكتور محي الدين توق الذي نتوسم فيه خيرا أن يولي هذه القضية الهامة الاهتمام الذي تستحقه. ونحن نعتقد أن هنالك حاجة لمراجعة التراخيص التي منحت لهذه المراكز ومتابعة ما تقوم به من خدمات ومخالفات ،لا بل إغلاق المراكز التي تتعاطى بإعداد الرسائل والأطاريح الجامعية والمشاريع الطلابية وفرض غرامات وعقوبات صارمة ،وتجريم هذه الممارسات بحيث تعتبر من الجرائم التي تهدد أمن الوطن.أما رؤساء الجامعات الأردنية وعمادات الدراسات العليا في الجامعات الأردنية فعليهم واجب إداري وأخلاقي في رصد أي شبهات ووضع ضوابط ومتطلبات وشروط في تعليماتها بحيث تحول دون لجوء طلبة الدراسات العليا لاستكتاب آخرين أو الاستعانة بهذه المكاتب التي لا يهمها الا الحصول على المال دون أدنى شعور بمستوى الجرمية التي ترتكبها بحق الوطن والأجيال القادمة.

مشاركة :