موجة صعود مرتقبة للاسترليني .. الارتفاع مرهون بإنجاز «بريكست»

  • 12/15/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مثلت نتيجة الانتخابات البريطانية وفوز حزب المحافظين بالأغلبية المطلقة، مفاجأة من العيار الثقيل، واستقبلت الأسواق النتيجة ببهجة واضحة، بعد أن اعتبرها أنصار الحزب وآخرون تصويتا جديدا يؤكد شعبية قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، والدعوة لتبني مزيد من سياسات الاقتصاد الحر. وتجلت إيجابية نتيجة الانتخابات على الاقتصاد البريطاني في ردود الفعل السريعة ممثلة في ارتفاع سعر الاسترليني بنحو 2.7 في المائة في مواجهة الدولار الأمريكي، وتحقيقه أعلى مستوى في ثلاثة أعوام ونصف العام أمام اليورو. وهو ما يشير مبدئيا إلى أن العملة البريطانية ستبدأ الربع الأول من 2020 في اتجاه صعودي، لكن فولر بيركين الخبير المالي في بورصة لندن يشير إلى أن تلك الزيادة يمكن أن تكون مؤقتة، وأن وضع العملة البريطانية قد يرتد إلى ما كان عليه سابقا، في إشارة إلى تقهقر الاسترليني في مواجهة العملات الدولية خاصة الدولار الأمريكي، منذ صوت الناخب البريطاني لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "وضع الاسترليني في الأشهر المقبلة سيتوقف على المسار التفاوضي المقبل مع الأوروبيين بشأن صيغة العلاقات التجارية المستقبلية معهم، ومن الآن حتى تبدأ المفاوضات، فإن العملة البريطانية ستتمتع بنمط تداول هادئ، ما يمثل أجواء مريحة نسبيا لقطاعات كبيرة من الشركات والمستثمرين". ونظرا لأن 31 كانون الثاني (يناير) المقبل موعدا نهائيا محددا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن التوقعات تشير إلى أن حدوث ذلك قد يترافق مع صعود آخر في سعر الاسترليني، لكنه غالبا سيكون ارتفاعا قصيرا ومحدودا، حتى يظهر الاسترليني في مرحلة لاحقة ارتباطا أقوى ببيانات الاقتصاد البريطاني أكثر منها بملف الخروج الأوروبي. وعلى غرار العملة البريطانية، تحسنت الأوضاع في سوق الأوراق المالية، إذ ارتفع مؤشر سهم فيتسي 100 بنسبة 1.1 في المائة، بل إن أسهم الشركات الحساسة، التي تعهد جيرمي كوربين زعيم حزب العمال بتأميمها ارتفعت بشكل كبير للغاية، فشركة المياه سيفرن ترينت على سبيل المثال ارتفعت قيمة أسهمها بنحو 9 في المائة، كما قفزت أسهم البنوك بشكل حاد، إذ ارتفع سهم بنك باركليز، وآر بي إس، ولويدز 6 و8 و5 في المائة على التوالي. لكن ترحيب الأسواق بالفوز الكبير للمحافظين لا يعني أن الأفق قد بات ورديا للاقتصاد البريطاني، فهناك عديد من التحديات، التي تعد عبئا ثقيلا يقع على كاهل الحكومة المقبلة مواجهته والتغلب عليه. ويقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور وايت كوك، أستاذ الاقتصاد البريطاني في جامعة مانشستر، إن التحدي الأكبر أمام بوريس جونسون رئيس الوزراء يكمن في رفع معدلات النمو الاقتصادي خلال الأعوام المقبلة، لتعويض المعدلات المنخفضة، التي مني بها الاقتصاد الوطني، نتيجة الارتباك الذي أصاب البلاد بعد تصويت الناخبين لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي. ويضيف كوك أن "إزالة حالة عدم اليقين، الذي ساد بريطانيا بخصوص الخروج من الاتحاد الأوروبي تعد الفضيلة الأساسية لنتيجة الانتخابات.. لكن مع ذلك هناك حالة عدم يقين جديدة قد تسيطر على المناخ الاقتصادي، والمتعلق بالانضباط المالي في البلاد وهو ما سيتضح عند طرح الميزانية في أبريل المقبل". ويتوقع كوك أن "يحقق الاقتصاد البريطاني معدلات نمو مرتفعة، فالحكومة الجديدة تميل لمصلحة رجال الأعمال والقطاع الخاص، والمخاوف التي سادت لبعض الوقت نتيجة تعهد زعيم حزب العمال بتأميم شركات حيوية ذهبت إدراج الرياح الآن.. فعودة الثقة للمستثمرين تعني تدفق الاستثمارات الخارجية، وزيادة الرأسماليين البريطانيين لاستثماراتهم الوطنية، وهذا سيعزز الإنتاج ويرفع معدل النمو الاقتصادي". لكنه يشير إلى أن "تلك العناصر الإيجابية قد تتعزز أيضا إذا أفلح جونسون في الوصول إلى صفقة جيدة مع الأوروبيين، أو نجح في إبرام اتفاق تجارة حرة مع واشنطن، ولكن هذا لن يتضح على أي حال قبل حلول النصف الثاني من 2020". ويستدرك قائلا "لكن هذا التفاؤل قد يتلاشى إذا أصر الحزب القومي الاسكتلندي على إجراء استفتاء آخر بشأن استقلال اسكتلندا عن باقي أجزاء المملكة المتحدة، إذ يمكن أن يوجد ذلك مناخا جديدا من عدم الاستقرار السياسي في البلاد، ونعود إلى نقطة الصفر بإحجام رؤوس الأموال الدولية أو المحلية عن الاستثمار، وتردد الدول الراغبة في عقد اتفاقيات تجارية مع بريطانيا عن القيام بذلك حتى تتضح الصورة النهائية لمستقبل المملكة المتحدة". ومع هذا، يخشى بعض الاقتصاديين من أن التفاؤل، الذي ينتاب القوى الاقتصادية المحافظة في بريطانيا حاليا، سريعا ما سيصطدم بصخرة الواقع الصلبة، التي قد تؤدي عمليا إلى تحطم عديد من التعهدات الانتخابية لرئيس الوزراء البريطاني. ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، فإن الاقتصاد البريطاني يقف على حافة الركود، ففي الربع الثاني من هذا العام انكمش الاقتصاد البريطاني بنحو 0.2 في المائة، ولم يتجاوز النمو الاقتصادي في الربع الثالث من العام الجاري 0.3 في المائة، وبقي ثابتا في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كما أن مؤشر مديري المشتريات للشهر الماضي، يظهر التدهور الاقتصادي خلال الربع الأخير من عام 2019 مع تراجع إنتاج قطاع الخدمات، وتشير أفضل التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي لن يتجاوز 2 في المائة بحلول 2022، بينما يلفت المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيراوح بين 1 و1.5 في المائة في عامي 2020-2019. وتقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة جيسي دوف أستاذة التجارة الدولية في جامعة أكسفورد إن الطبيعة الراهنة للاقتصاد العالمي تعرقل كثيرا من الطموحات الاقتصادية للحكومة البريطانية. وتــضيــــف أن "الأغـــلبية الواضحة لجونسون تمنحه حرية التصرف في كيفية معالجة المشكلات الاقتصادية، التي تواجه المملكة المتحدة، ولكن المناخ الاقتصادي الدولي، سواء من تنامي الحمائية الاقتصادية، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتفاقم أزمة الديون العالمية، ربما تحد من إمكانية تعزيز النشاط الاقتصادي البريطاني، حتى في ظل تعهد المحافظين بمزيد من الحريات الاقتصادية والنمو ورفع الإنتاجية وتحسين الأجور وزيادة معدلات التوظيف". وتشيير جيسي إلى أنه حتى مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمزيد من السيطرة على القوانين الداخلية المنظمة للعمل والنشاط الاقتصادي، فإن انعكاساتها الإيجابية على اقتصاد المملكة المتحدة في الأمد الطويل، لن تتحقق إذا لم يحدث تحول في المسار الراهن للاقتصاد الدولي. وتدفع تلك التطورات ببعض الخبراء إلى ترجيح أن يكون الإسراع بتوقيع اتفاقيات تجارة حرة بين المملكة المتحدة وعدد من الاقتصادات ذات التوجهات المماثلة والداعمة لاقتصاد السوق الحرة واحدة من أولويات جدول أعمال حكومة المحافظين المقبلة، وذلك كوسيلة أساسية لضمان التغلب على التحديات الراهنة في البيئة الاقتصادية الدولية. وفي هذا السياق، ترجح دايزي دوف الاستشارية السابقة في وزارة التنمية الدولية البريطانية، بأن توقيع اتفاقية تجارة حرة مع بلدان مجلس التعاون الخليجي ربما تكون في مقدمة أولويات الحكومة البريطانية الجديدة. وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "تعزيز الشراكة الاقتصادية يتيح فرصا لزيادة نمو الصادرات والتدفقات الاستثمارية، وبلدان مجلس التعاون الخليجي وتحديدا السعودية والإمارات في وضع جيد للقيام بذلك مع المملكة المتحدة، بسبب وفرة رأس المال والعلاقات التجارية طويلة الأمد مع لندن، كما أن مجلس التعاون الخليجي يستوعب نحو 51 مليار دولار من تجارة المملكة المتحدة مع الشرق الأوسط، التي تزيد قليلا على 57 مليار دولار، والمملكة المتحدة مسؤولة عن ثلثي إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون، التي قدرت قبل عامين بنحو 163 مليار دولار، وهناك تقديرات بريطانية بأن الشركات البريطانية يمكنها إيجاد فرص جديدة للتعامل مع دول مجلس التعاون تقدر سنويا بنحو 40 مليار دولار بدءا من عام 2021، كما أن الخبرات التكنولوجية البريطانية يمكن أن تسهم بشكل فعال في إحداث تطور نوعي في المنظومة الإنتاجية في منطقة الخليج". وترى دايزي أنه بعد انتهاء حالة عدم اليقين نتيجة الموقف من الخروج الأوروبي، فإن توقيع اتفاقيات تجارة حرة بين المملكة المتحدة في عهد المحافظين ومجلس التعاون الخليجي قد يكون عاملا أساسيا في تنشيط جزء ملموس من القدرات الإنتاجية للاقتصاد البريطاني في المرحلة المقبلة.

مشاركة :