شهد معظم عام 2019 توترات تجارية ومخاطر سياسية أثرت في الاقتصاد العالمي، ولكن التوقعات الخاصة بالنمو على مستوى العالم بشأن عام 2020 تقف على أرض صلبة بعدما أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية والصين اتفاقا تجاريا جزئيا واتضحت إلى حد ما التوقعات بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست". وبحسب "الألمانية"، فإن الاتفاق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج يعني أن بعض أسوأ السيناريوهات المحتملة للحرب التجارية، التي كان يتم تصورها قبل شهور قليلة أصبح احتمال حدوثها أقل الآن. لكن المرحلة الأولى من الاتفاق لم تتضمن تسوية بعض المسائل المعقدة، ما يمهد الطريق لاشتباكات جديدة فيما يسعى لإعادة انتخابه في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وتشمل المسائل العالقة الشكاوى الأمريكية بشأن شبكة شاسعة من الإعانات تراوح من الكهرباء الرخيصة إلى القروض منخفضة الفائدة التي استخدمتها الصين لبناء قوتها الصناعية، وقال ترمب إن المحادثات بشأن اتفاق المرحلة الثانية ستبدأ على الفور. ويرى خبراء الاقتصاد في وكالة أنباء "بلومبيرج" أن "من شأن اتفاق تجاري يعيد الرسوم إلى مستويات أيار (مايو) 2019 أن يخفض مستوى عدم اليقين، ما يعزز إجمالي الناتج المحلي لدول العالم عام 2020 بواقع 0.6 في المائة.. ومن جهة أخرى، فإن انهيار المحادثات وزيادة الرسوم- وهو ما يظل ممكنا بالوضع في الحسبان الاتفاقات السابقة التي انهارت- سيؤديان إلى انخفاض الناتج العالمي بواقع 0.1 في المائة". وتعني مستويات آيار (مايو) بالنسبة لأمريكا، فرض رسوم 25 في المائة على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار و10 في المائة على واردات بقيمة 200 مليار دولار أخرى. ويعتقد توم أورليك، الخبير الاقتصادي في وحدة الأبحاث الاقتصادية "بلومبيرج إيكونوميكس"، أن الفوز الكاسح لحزب المحافظين البريطاني بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون في الانتخابات يعني أنه من المقرر أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني (يناير). وتقول "بلومبيرج إيكونوميكس" إن النتيجة، التي من شأنها أن تحرك الانتعاش، المقترن بسياسة مالية أكثر يسرا، يجب أن تؤدي إلى تسريع وتيرة النشاط الاقتصادي على نحو أسرع عما كان عام 2019. وفي الوقت نفسه، يجب أن يتفاوض جونسون الآن بشأن اتفاق تجاري جديد مع الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام المقبل، ما يعني إمكانية ظهور حالة غموض جديدة. وفيما أشارت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى أن تباطؤ الاقتصاد في منطقة اليورو يظهر علامات على الانتعاش، ذكر جيروم باول رئيس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي أن التوقعات للولايات المتحدة لا تزال مشجعة. وبينما تؤكد الحكومة الصينية أنها ستحسن فعالية السياسة المالية في 2020، تعتزم اليابان تطبيق سياسة جديدة للتحفيز المالي. ويقضي الاتفاق التجاري الصيني- الأمريكي، الذي أعلن الجمعة الماضي بعد مفاوضات شاقة بأن تقدم الولايات المتحدة "تنازلا صغيرا" لقاء "تعهدات متواضعة" من الصين، مثيرا تشكيك خبراء التجارة الدولية في جدوى توافق يعدون مداه محدودا. وأدرجت واشنطن وبكين بالطبع في الاتفاق مواضيع كبرى تتمسك بها إدارة ترمب، وأبرزها حماية الملكية الفكرية وعمليات نقل التكنولوجيا القسرية وتعزيز المبادلات التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. غير أن المسؤولين تفادوا كشف تفاصيل الاتفاقية، مكتفين بإعلان بعض المعطيات بالأرقام من غير أن يوضحوا الخطوات، التي ستتخذها الصين عمليا لتنفيذ التغييرات البنيوية التي يطالب بها ترمب. وشن الرئيس الأمريكي في آذار (مارس) 2018 حربا تجارية على الصين لاتهامها باعتماد ممارسات تجارية "غير نزيهة" تتضمن سرقة الملكية والفكرية، وإرغام الشركات الأمريكية على تقاسم درايتها الصناعية لقاء تمكينها من الدخول إلى السوق الصينية. وترى إدارة ترمب في هذه الممارسات تهديدا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وشدد الأمريكيون في الاتفاق، الذي لا يزال يتعين توقيعه رسميا، ما يمكن أن يتم في مطلع كانون الثاني (يناير)، على تعهد الصين باستيراد منتجات أمريكية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، وتحديدا في قطاع الطاقة والتصنيع والزراعة (نحو 50 مليار دولار) والخدمات. في المقابل، أعلن ترمب أنه سيتخلى عن فرض دفعة جديدة من الرسوم الجمركية المشددة، التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ اليوم الأحد على نحو 160 مليار دولار من المنتجات الصينية. كما سيتم خفض الرسوم الجمركية بقيمة 15 في المائة المفروضة منذ الأول من أيلول (سبتمبر) على بضائع صينية أخرى بقيمة 120 مليار دولار، بمعدل النصف إلى 7.5 في المائة. في المقابل، أكدت الإدارة الأمريكية الإبقاء على الرسوم الجمركية المشددة 25 في المائة المفروضة على ما يوازي 250 مليار دولار من المنتجات الصينية. ويرى الخبيران الاقتصاديان في "أوكسفورد إيكونوميكس" جريجوري داكو وليديا بوسور أنه "بمعزل عن افتقار الاتفاق إلى الجوهر، وعدم نصه سوى على تخفيض طفيف للرسوم الجمركية، إذ تبقى الرسوم مفروضة على ثلثي الواردات القادمة من الصين، فإن وطأة الاتفاق على الاقتصاد الكلي طفيفة". وما يزيد من ضحالة الاتفاق في نظر إدوارد ألدن خبير السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية، أنه يأتي "بعد أضرار اقتصادية كبرى". وحذر مسؤول صيني أخيرا من أن نمو العملاق الآسيوي قد يتدنى عن عتبة 6 في المائة في الفصل الأخير من السنة، في وقت يواجه اقتصاد البلد "أكبر صعوبات وتحديات في تاريخه". وأوضح ألدن أن الاتفاق "لا يحل فعليا المشكلات البنيوية العميقة جدا التي يعانيها الاقتصاد الصيني"، مشيرا إلى أن تسوية أشد النقاط الخلافية على غرار الدعم الصيني لبعض القطاعات، أرجئت إلى وقت لاحق. وعلى الرغم من كل ذلك، يشدد خبراء الاقتصاد على أن هذه الهدنة ستثير ارتياحا بعد مبارزة استمرت سنتين وهددت النمو العالمي. وأكدت ماري لوفلي الخبيرة الاقتصادية في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي "كنا على شفير الهاوية بمعنى ما"، وأقرت بأن إبرام اتفاق بحد ذاته أمر مهم لأنه سيحد من الضبابية المخيمة على المستقبل. ورأت أن مجرد أن يتمكن الصينيون من التوصل إلى اتفاق مع الأمريكيين يبشر بتقدم محتمل في ممارساتهم التجارية. لكن ألدن يرى، رغم كل ذلك، أنه "من الصعب جدا اعتبار ذلك انتصارا كبيرا في الحرب التجارية"، والمستفيد الأكبر في نظره قد يكون في نهاية المطاف الرئيس الأمريكي في وسط حملته الانتخابية للفوز بولاية ثانية، وقال "هذا جيد لترمب لأنه سيبعث هدوءا في الأسواق حتى 2020". ويجمع الخبراء على أن الاتفاق سيعزز بصورة خاصة ثقة المستهلكين الأمريكيين التي هي في الأساس مرتفعة. وأعلن وانج شوين، نائب وزير التجارة الصيني أن الاتفاقية ستعطي دفعا لاقتصاد البلدين وستوجد بيئة مواتية للاستثمارات. ومع آلية الإقالة التي باشرها مجلس النواب الأمريكي بحق ترمب، يبقى الاقتصاد الورقة الرئيسة بيده.
مشاركة :