كان مخرجنا الكبير داوود عبد السيد يصفه بأنه أحد أولياء الله، هكذا أطلق على شعبان عبد الرحيم عندما التقاه لأول مرة فى مكتبه، قبل أن يسند إليه دور البطولة المشترك فى فيلمه (مواطن ومخبر وحرامى)، داوود كان يرى فى شعبان حالة من النقاء والفطرية، وبرغم أنه يؤدى دور الحرامى، إلا أن لديه قناعات يدافع عنها، وعليك أن تُطل من زاويته على المشهد، وضع على التمثال العارى غطاء، قبل أن يسرقه، لم يجد أى معصية فى السرقة، الخطيئة فقط فى العرى.ضاقت مساحات الاختلاف فى الفضائيات بسبب التوجه الذى صار يحدد كل التفاصيل الموضوع والضيوف، الصرامة باتت تهيمن على المشهدين الدرامى والإعلامى، وكلما استنشقنا من بعيد أكسجين أمل يلوح من بعيد، يتبدد قبل أن يكتمل، الوقوف صفًا واحدًا وترديد نفس النغمة أديا إلى هروب المشاهد المصرى إلى القنوات الأخرى، والحل لن يأتى من خلال إعادة تفنيط (كوتشينة) المذيعين، ولكن بتغيير تلك الرؤية التى تناقض المنطق وتخاصم الزمن، ربما تصلح لأى إنسان آخر، غير المواطن المصرى.يحاول المسرح الصغير التابع لدار الأوبرا المصرية أن يفتح طاقة للبوح بعيدًا عن تلك المحددات الفولاذية، لدينا نشاط ثقافى، يوارب قليلا الباب، تُشرف عليه آمال سعد الدين، تعقد كل شهر لقاء يديره باقتدار الشاعر الإعلامى الكبير جمال الشاعر، شاركت الأربعاء الماضى فى ندوة (الفن فى مواجهة التطرف والإرهاب) مع الفنان الرائع سيد رجب، وبالطبع الأعمال الدرامية التى تناولت تلك القضية متعددة، ولكنى توقفت أمام فيلم داوود عبد السيد الذى انطلق من منظور اجتماعى وهو يحلل تلك العلاقة الثلاثية بين: الشعب (مواطن)، والسلطة (مخبر)، والخارجين عن القانون (حرامى). الفساد ينمو فى حضن السلطة، عندما يستند إلى ثقافة تعتقد أنها تدافع عن الدين، ويتصالح القط مع الفأر، وهكذا عندما قرأ (الحرامى) مسودة القصة التى كتبها (المواطن) الذى أدى دوره خالد أبو النجا، استوقفه أنه لم يستمع إلى صوت الأذان ولا مرة، ولم ير البطل يؤدى ولو ركعة، (المخبر) فى الفيلم صلاح عبد الله جزء من اللعبة، فهو ينحاز للأقوى (الحرامى)، على حساب (المواطن)، وهكذا دفع بالمسودة وهو مرتاح الضمير للنيران، الأعمال الفنية كانت تسوق فى توقيت ما فضائيًا عندما نجد البطل يصلى.طلبت إحدى السيدات الكلمة وعقبت قائلة وأيضا هناك من يقدم رقصة من أجل تسويق الفيلم أو المسلسل؟ أجبت الطريقان مرفوضان، الدراما تخضع لمبدأ الحتمية، مشاهد الصلاة فى (قنديل أم هاشم) لكمال عطية لها منطقها، وعندما شاهدنا زكى رستم فى (رصيف نمرة 5) لنيازى مصطفى داخل الجامع كانت هناك ضرورة، كما أننا عندما نتابع مثلا نبيلة عبيد فى (الراقصة والسياسى) لسمير سيف نُدرك ضرورة أن تحمل الراقصة كل الغواية.الأعمال الدرامية يجب أن تعيش واقعنا بصدق ودون مواربة، لست من أنصار الدراما (المعقمة)، يجب أن نرى حياتنا بلا (فلاتر)، وكما أن ماء الحنفية ملىء بالشوائب فتلك هى الحياة، وهذه هى الدراما التى تواجه الإرهاب والتطرف، وهذا هو الإعلام الذى نرنو إليه، يعلن الناس على الشاشات المصرية كل ما فى قلوبهم بلا (فلاتر)!.
مشاركة :