قَدِم أعرابي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين لي إليك حاجة يمنعني الحياء أن أذكرها لك!! فقال له: يا أعرابي: خطّها في الأرض، فخطّ فيها: (إني فقير)، فقال علي لغلامه قنبر: اكسه حلّتي، فكساه الحلة، فأنشد الأعرابي يقول: كسوتني حلة تبلى محاسنها فسوف أكسوك من حلل الثناء حللا إن نلت حسن ثناء نلت مكرمة ولست تبغي بما قد نلته بدلا إن الثناء ليحيي ذكر صاحبه كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا لا تزهد الدهر في عرف بدأت به كل امرئ سوف يجزى بالذي فعلا فقال علي لغلامه: أعطه مئة دينار، فأعطاه إياها، فلما ولّى الأعرابي، قال له قنبر: يا أمير المؤمنين لو فرقتها في المسلمين لأصلحت بها من شأنهم، فقال له علي: مه يا قنبر، لا تفعل، أصحابي معي لست أنساهم، مع أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اشكروا لمن أثنى عليكم، وإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه..) إن الطالب والمطلوب كانا صاحبا موهبة، فعلي رضي الله عنه حكيم، والطالب شاعر، وقد ساعدته موهبته على رد الجميل شعراً، إلا أن بعضهم ليس هكذا، فقد تلجمه الحاجة وتفتره الفاقة فيعتمد التورية، فقد حُكي أن رجلاً دفعته حالته للتوجه لشخص ذي يَسَار وقال له: أسألك بالذي أسبغ عليك هذه النعم من غير شفيع كان لك إليه إلا تفضلاً منه عليك، إلا أنصفتني من خصمي، وأخذت إلي الحق منه؛ فإنه ظلوم غشوم، لا يستحي من كبير، ولا يلتفت إلى صغير! فقال له: أعلمني من هو؟ فإن لم ينصفك، وإلا أخذت الذي فيه عيناه، من هو؟ قال: (الفقر). فأطرق إلى الأرض ملياً ينكتها بأصبعه.. ثم رفع رأسه فأمر له بعشرة آلاف دينار.. فأخذها ومضى. فلما سار خارجاً منه. قال ردوه فلما مثل بين يديه، قال: يا ذا الرجل، سألتك بالله متى أتاك خصمك متعسفاً إلا أتيت إلينا فيه متظلماً! إن هذه الإجابة قد جاءت نتيجة لمفاتحة، لكن بعضها قد يأتي هكذا عندما يشعر الموسر بحاجة من بجانبه؛ فيحكى أن شخصاً كان له صديق ينقطع إليه، فرأى يوماً ثوبه الذي بلى وهو ما يزال يستعمله، حتى إن بعض جسمه يُرى، فلما انصرف من عنده وجّه إليه بتخت من ثياب وصرة من دنانير، فأخذها الرجل، وكتب إليه: سأشكر عمراً إن تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهر الشكوى إن النعل زلت رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت
مشاركة :