تتناسل فصول المفاوضات الأوروبية مع اليونان وتتوالى. والمفاوضات لا مفر منها أياً كان التيار الذي تنتمي إليه الحكومة اليونانية المنتخبة. وهذا ما على اليونانيين إدراكه. وإذا أرادت اليونان الحصول على 7.2 بليون يورو، على نحو ما وعدتها منطقة اليورو وصـندوق النقد الدولي، فالمضي في الإصلاحات واجب. وأخفقـت الغالبية اليونانية الحاكمة السابقة فـي إبرام اتفاق مع دائنيها. وهذا الإخفاق هو مـــن أسباب اللجوء إلى انتخابات تشريعية مبكرة. ولكن حكومة أليكسي تسيبراس المنتخبة أخيراً ترفض جزءاً من الإصلاحات- ولا شك في أن هذه إصلاحات مؤلمة وعسيرة. فالحكومة اليونانية تريد التزام وعودها الانتخابية. ولكن النزول على هذه الوعود ليس في متناولها. وحري بها إدراك أن الأوروبيين لن يمولوا الإنفاق العام في اليونان، ولن يمنحوها قروضاً من غير شروط. وعلى سبيل المثل، لا تقوم قائمة لمشروع خفض سن التقاعد إلى 60 سنة في وقت يثقل عجز مالي كبير كاهل أثينا. ويخالف المنطق أن يمول الأوروبيون مشروع تقاعد اليونانيين المبكر في وقت يضطر أوروبيون إلى العمل إلى سن الـ67 سنة أو أكثر. وحري بتسيبراس إدراك أن الإصلاحات المطلوبة لا ترمي إلى إنزال القصاص أو الذل ببلاده، بل إلى تحريك عجلة النمو في اليونان. واليوم، في إمكانه انتهاج سياسات موازنة عامة تساهم في مساعدة شعبه. ويحسب كثر أن مشكلات اليونان مصدرها (الانضمام إلى) منطقة اليورو. ولكن سواء كان البلد هذا في منطقة اليورو أو خارجها، يحتاج إلى إرساء توازن في الموازنة، في وقت ترفض الأسواق أن تقرضه المال. وتوصف سياسة الحل بالتقشف. ولكن هذه التسمية غير دقيقة. فحين تشارف مؤسسة أو شركة على الإفلاس، تضطر إلى إجراءات، منها تقليص الإنفاق والأصول... ونجم عن مثل هذه الإجراءات انخفاض الناتج اليوناني 30 في المئة. فهو تراجع إلى ما كان عليه في مطلع عام 2000. وبين 2001 و2008 انتفخت فقاعة مالية في اليونان: الدولة مولت من طريق القروض رفع الرواتب والتوظيف في القطاع العام والأعمال، الخ. ولو لم تنضم اليونان إلى منطقة اليورو، لم تكن لتختبر هذه الفقاعة ولم يكن ناتجها المحلي في تلك السنوات ليرتفع أكثر مما هو عليه اليوم. وإذا خرجت من منطقة اليونان، لقيت مصير الأرجنتين. فهذه منذ 2002، قطعت ارتباط البيزو بالدولار فانزلقت إلى الإفلاس. ولكن على خلاف الأرجنتين، لا تملك اليونان مواد أولية ولا قدرات تصديرية. وتوقف اليونانيون عن تسديد ضرائبهم العقارية، إثر التزام «سيريزا» إلغاء هذه الضرائب. فتدهورت الحسابات العامة وبلغ تراجع عائدات الحكومة تراجعاً يحول دون إرساء توازن أولي قبل سداد كلفة الدين. وموجة هروب رؤوس الأموال كبيرة، ولا يستخف بآثارها التي تبعث على القلق. والنمو الاقتصادي قريب من الصفر، بعد أن كان من المتوقع أن يبلغ 2.4 في 2015. وأعتقد أن الاتفاق سيبرم عاجلاً أم آجلاً. والأوروبيون مسؤولون كذلك عما آلت إليه الأمور في اليونان. فهم قبلوا التحاق اليونان بالعملة الموحدة في 2001 لأسباب ضعيفة الصلة بعالم المال والاقتصاد. وهم لم يشاؤوا أن يوصدوا الباب في وجه (ورثة) أفلاطون! وهذا خطأ سياسي فادح، في وقت لم يخف على أحد أن اليونان ليست دولة تدور عجلتها على ما يرام وأنها تقدم تقارير كاذبة عن أحوالها المالية. وكان من الممكن تفادي الوضع الحالي لو أنها خضعت للرقابة حين انضمت إلى منطقة اليورو، وهذا ما لم يقـــدم عليه الأوروبيون بذريعة احترام السيادة الوطنية. وهذه الحال وثيقة الصلة برغبة دول أوروبية، فرنسا وألمانيا على وجه التحديد، في حماية مصالحها: التصدير إلى اليونان. وإفراط اليونان في الاستدانة أدى إلى عجزها عن سداد ديونها. وهذا الإفراط في الاستدانة وثيق الصلة بالإفراط في الإقراض. ولم يكن أمام الأوروبيين اثر اندلاع هذه الأزمة خيار غير مساعدة اليونان لتفادي انتقال ارتدادات الأزمة إلى منطقة اليورو وتحمل الدائنين في القطاع الخاص (البنوك وشركات التأمين...) مسؤولية إدارة أزمة عجز أثينا عن سداد ديونها. ويتساءل كثر إذا كانت اليونان ستسدد ديونها. ويجب التزام الواقعية في جواب السؤال هذا. فمن اليوم إلى 2023- الموعد المضروب لبدء أثينا سداد فوائد الديون إلى صندوق آلية الاستقرار الأوروبي ودول منطقة اليورو- يخسر الدائنون أموالهم. وما يجري اليوم هو عملية مضمرة لهيكلة الديون من جديد. وهذا ما لم يعلن أو يقر به مخافة خسارة وسائل الضغط على اليونان. ويجب أن تبادر إلى تحمل مسؤولياتها وتحدث بنى الدولة. وحري بدول منطقة اليورو استخلاص عبر الأزمة: اتفاق الاستقرار والنمو ليس سياسة، بل إجراء توزيع مسؤولية الدين. وتمس الحاجة إلى حكومة اقتصادية ومالية يمسك بمقاليدها رئيس لا يشتبه بانحيازه، وتؤازرها خزانة أوروبية في انتظار إرساء موازنة مشتركة ومجلس منطقة اليورو. وهذه الفيديرالية الأوروبية تقتضي مراجعة الاتفاقات
مشاركة :