أعلنت ولاية ألاباما الأميركية قبل أيام نصب تمثال للسيدة روزا باركس -سوداء البشرة- وهي السيدة الملهمة للحقوقيين والحقوقيات في العالم، حيث سيكون موقعه في مونتغمري بلازا في نافورة شارع المحكمة. ويتزامن هذا الخبر مع الذكرى السنوية في الأول من ديسمبر من عام 1955 عندما تعرضت السيدة باركس للاعتقال، بعد أن رفضت التخلي عن مقعدها في حافلة عامة لرجل أبيض. هذا الرفض تحول إلى حركة شعبية هزت المجتمع الأميركي، واللافت أن السيدة لم تكن تعاني وقتها من أمراض جسدية، بمعنى أنها تستطيع الوقوف والتخلي عن مقعدها للراكب الأبيض، لكنها أبت ذلك وتم اعتقالها، وخرجت بعد دفعها غرامة مالية. الأمر قد يبدو بسيطا في ظاهره، لكنه كان يعطي انطباعا عن العنصرية الفجة في أميركا، خاصة في الولايات الجنوبية منها. كان ذلك اليوم بمثابة انطلاقة مجلجلة في حركة الأميركيين السود من أجل الدفاع عن حقوقهم المدنية، وقد تفككت النظم والقوانين العنصرية التي تحرم الزواج بين الأعراق المختلفة، وأقول هنا تحريما وليس منعا، لأن القضاة الأميركيين كانوا في تلك الفترة ينطقون بأن شريعة الله وشريعة السماء تحرم اختلاط الأعراق. في هذه الأثناء تحرك «مارتن لوثر كنج» باحتجاجات لمقاطعة شركة الباصات، وبالفعل تفاعلت المحكمة العليا في عام 1956 وقضت بإلغاء الفصل العنصري في الحافلات، وذلك انطلاقا من المادة 14 المعدلة من الدستور الأميركي التي تنص على الحماية المتساوية للمواطنين كافة. حينها طلب كنج من المقاطعين إنهاء مقاطعتهم، فتوقفت سريعا في اليوم التالي. تفاعلت الحركة بعد نجاحها، وأصبح كنج نموذجا متقدما لحركة الحقوق المدنية، التي أسهمت في إضعاف معطيات العنصرية بقيادته، وحصل على جائزة نوبل للسلام في سنة 1964، وكانت تلك خطوة أخرى في طريق نضال السود الطويل لنيل حقوقهم المدنية، بما فيها حق التصويت. نعم لم تنته العنصرية في أميركا بهذه الحادثة، لكن بهذا الفعل الرمزي حصلت تحولات قانونية كبيرة، تمثلت في إلغاء التمييز العنصري بالداخل الأميركي. أحد الأصدقاء سأل السيدة باركس قبل وفاتها في 2005، وعمرها حينذاك 90 عاما عن التمييز العنصري في أميركا، قالت له: «ما زال أمامنا كثير لإنهاء التمييز الاجتماعي وتحقيق العدالة والمساواة». قبل أيام قلائل توجت ملكة جمال جنوب إفريقيا «زوزبيني تونزي» -سوداء البشرة- بلقب ملكة جمال الكون في عام 2019، فانهالت التعليقات العنصرية في تويتر، ولكن هذه المرة ليست من المجتمعات الغربية، بل من بعض العرب الذين ينتقدون العنصرية الغربية، ويزعمون أنه لا توجد لديهم عنصرية، وهنا أذكر تغريدة لكابتن طيار السعودية «نوال هوساوي»: حاول بعض «المتنورين العرب الدفاع عن المملكة من هجوم العنصريين، لكن أساليبهم الدفاعية لم تخلُ من ممارسة العنصرية، فالتبرير بجمال الروح، وأن معايير الاختيار غير سطحية ولا تقف عند جمال الشكل والمظهر، وأن روحها وأخلاقها جميلة، وثقافتها ولغاتها مكنتها من الفوز، هو إقرار مبطن بقبحها لسوادها». نعم منذ متى كان السواد والبياض مفردة من مفردات الجمال؟ أخيرا أقول: لكل الذين تجرعوا مرارة العنصرية المقيتة والبغيضة من ذوي البشرة السوداء في كل العالم، فلنتذكر سيرة العظماء بالعصر الحديث، أمثال مارتن لوثر كنج، وروزا باركس، ومحمد علي كلاي، ومالكوم اكس.
مشاركة :