كشفت مصادر سياسية قريبة من قصر الضيافة بقرطاج الذي اتخذه رئيس الحكومة التونسية المُكلف، الحبيب الجملي، مقرا لمشاوراته واتصالاته، عن بوادر انفراج بدأت عناصره تتراكم باتجاه تجاوز الانسداد السياسي الذي حال دون الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة خلال المهلة الدستورية الأولى. وقالت المصادر لـ”العرب” إن الأزمة توشك على الانتهاء، بعد التوصل إلى خارطة جديدة من التحالفات، ساعدت في تقليص مدة التمديد في المهلة الدستورية، التي شغلت بتفاعلاتها المشهد السياسي منذ الإعلان عنها. وأعلنت الرئاسة التونسية، الخميس الماضي، أن رئيس الحكومة المُكلف، الحبيب الجملي، طلب من الرئيس قيس سعيد، التمديد له في المهلة الدستورية الأولى لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، التي حُددت بشهر من تاريخ تكليفه رسميا بهذه المهمة. وكان الرئيس التونسي كلف رسميا، الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة، يوم 15 نوفمبر الماضي، بعد أن رشحته حركة النهضة الإسلامية الفائزة بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية السابقة برصيد 52 مقعدا برلمانيا من أصل 217 وشرع الجملي منذ يوم 19 نوفمبر الماضي في إجراء المشاورات الرسمية لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، حيث التقى مع غالبية قادة الأحزاب ومن مختلف مكونات المشهد السياسي والمنظمات الوطنية، وعدد كبير من الشخصيات المستقلة والخبراء. غير أن تلك المشاورات اصطدمت بسلسلة من الاشتراطات، والمواقف الحزبية المتباينة التي جعلت الحبيب الجملي يتعثر في مهمته، إلى أن تم التوصل قبل يومين، إلى اتفاق بين خمس كتل نيابية لها أكثر من 130 مقعدا برلمانيا، على ملامح التشكيلة الحكومية الجديدة التي اختار لها الجملي اسم “حكومة الإنجاز والإصلاح”. وأشاع هذا الاتفاق غير المعلن، تفاؤلا حذرا وسط مناخ سياسي متحرك، ومشحون بالمواقف الحزبية المتقلبة، خاصة وأنه شمل كتل حركة النهضة الإسلامية (54 مقعدا برلمانيا)، وقلب تونس (38 مقعدا)، وائتلاف الكرامة (21 مقعدا)، والإصلاح الوطني (15 مقعدا)، والمستقبل (9 مقاعد). ورغم تواصل الفجوات الواسعة بين مواقف بقية الأحزاب من المشاورات التي يجريها الحبيب الجملي لتشكيل حكومته، أكدت مصادر “العرب” أن الحكومة الجديدة ستتألف من 24 وزيرا بينهم وزراء من حركة النهضة، ومقربون من قلب تونس، ومحسوبون على ائتلاف الكرامة وكتلتي الإصلاح الوطني، والمستقبل. وقالت إن هذا الاتفاق جاء بعد لقاءات مكثفة بين راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، ونبيل القروي، رئيس حزب “قلب تونس”، تواترت بشكل لافت خلال الأيام الثلاثة الماضية، بعد انسحاب حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا برلمانيا)، وحركة الشعب (16 مقعدا) من مفاوضات تشكيل الحكومة. وبحسب تسريبات حصلت عليها “العرب” من مصادر مقربة من حركة النهضة، فإنه تم خلال تلك اللقاءات التوصل إلى “تفاهمات شبيهة بتلك التفاهمات التي أوصلت راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان، وهي تفاهمات من شأنها حفظ ماء الوجه لحركة النهضة” التي تجاهر برفضها التحالف مع حزب “قلب تونس” الذي تتهمه بـ”الفساد”. وفي تفاصيل تلك التفاهمات، يبدو أن نبيل القروي، رئيس حزب “قلب تونس” وافق على شروط حركة النهضة للمشاركة في حكومة الحبيب الجملي، من خلف الستار، أي عبر اقتراح أسماء لتولي حقائب وزارية من خارج حزبه (4 وزراء)، ودعمها في البرلمان، مع الإبقاء على هامش محدود للتمايز في بقية المواقف السياسية. وأكدت مصادر “العرب” أن تلك التفاهمات التي شملت أيضا التوافق على حزمة أخرى من الاتفاقيات غير المكتوبة تتعلق بتوزيع المناصب العليا في الدولة، سهلت على الحبيب الجملي المرور مباشرة إلى ضبط أعضاء فريقه الحكومي، باستثناء وزيري الخارجية والدفاع اللذين يُفترض أن يقترحهما الرئيس قيس سعيد. ورجحت أن يعرض رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، غدا الثلاثاء، أو الأربعاء على أقصى تقدير، هيكلة حكومته وتشكيلتها كاملة وبصفة رسمية على أنظار الرئيس، ثم يعلن بشكل رسمي عن فريقه الحكومي، قبل التوجه إلى البرلمان لنيل الثقة. ولم تستبعد في هذا السياق، أن يعقد البرلمان يوم الجمعة المقبل، جلسة عامة سيخصصها لمناقشة منح الثقة للحكومة الجديدة، عملا بمقتضيات الدستور الذي ينص على أن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وهو من يمنح الثقة لها أو لأحد أعضائها كما أنه المخول بحجب هذه الثقة. ويتم التصويت على هذه الثقة بتصويت وحيد على كامل أعضاء الحكومة، والمهمة المسندة لكل عضو فيها، حيث يُشترط نيل ثقة البرلمان، الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء، أي ما لا يقل عن 109 أصوات. وبالنظر إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها، سيكون من السهل على الحكومة الجديدة تجاوز اختبار منح الثقة، لأنها ستكون مدعومة بحزام برلماني له 131 مقعدا برلمانيا، لكنها ستكون أيضا أمام تحديات كبيرة لأن حزامها السياسي ضعيف، باعتبار أن حجم القوى المعارضة لها لا يستهان به، لاسيما وأنه يتألف من أحزاب وازنة ومؤثرة في مجمل المشهد السياسي.
مشاركة :