تجريب غير متماسك في سينما الخيال العلمي

  • 12/16/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تناولت العديد من أفلام الخيال العلمي صورة الحياة ما بعد الخراب العظيم وكيف ينجو المتبقون من الأوبئة أو الطوفان أو الغزو والخراب. فصورة الحياة الملتبسة المضطربة تشكل علامة فارقة في هذا النوع السينمائي، حيث تختلط ذكريات الماضي بمأساة الحاضر وبالمستقبل المجهول. وفي فيلم “خمسة مجرات” الذي يعدّ تجربة استثنائية في سينما الخيال العلمي، حيث تناوب خمسة مخرجين هم: نيلسون لي، كريستين هيكيرت، أمير ريشارت، فيتالي فيرلوف وهاري أوسليون على إخراج خمسة أفلام قصيرة تندمج مع بعضها لتقديم فيلم خيال علمي يُعنى بقضية الديستوبيا وما بعد خراب الأرض. ومنذ المشاهد الأولى ستكون التحديات المناخية وتزايد أعداد السكان وتناقص موارد الأكل والماء هي أبرز التحديات المُفْضية إلى كوارث غير محسوبة. تناوب خمسة مخرجين على إخراج خمسة أفلام قصيرة لدمجها في فيلم واحد، يُعد تجربة استثنائية ويقترن كل فيلم من تلك الأفلام القصيرة الخمسة التي تكاملت فيها سردية الفيلم الطويل، أو هكذا أراد صانعوها، بتاريخ محدد وكلها بالطبع تواريخ مستقبلية، ومنها مثلا ما سوف نشاهده في برلين حيث الجفاف الكامل يكون قد ضرب بقاعا واسعة منها وترك الناس تجول في أفق صحراوي لا تحدّه حدود، يعيد إلى الأذهان صورة الصحراء العربية الكبرى. الجوع والتلوّث والإسراف في استهلاك الموارد تقدمّ لنا طوابير من الجنسيات المتعددة وهي تجوس في الصحراء المديدة. حشد بملابس رثّة يقطعون الصحراء بحثا عن مستعمرة صغيرة تضم الناجين من الكارثة، كل ذلك يجري على خلفية التساؤل عن السبب في خراب الأرض، الجواب في الفيلم، إنهم الساسة. لكن أولئك الناجين لن يجدوا ضالتهم في المكان البائس الذي وصلوا إليه متهالكين، بل سوف ينقادون إلى صراعات أخرى هامشية لا معنى لها سوى ذلك الإحساس بالضياع واللاّجدوى الذي أصاب الجميع وجعلهم متوترين. ومع تصاعد إشكالية ذلك المكان المقفر، سوف نشاهد خلفية لتلك الأحداث لا تتعدّى سلسلة من الانفجارات المجهولة التي سوف تؤدي إلى المزيد من المعاناة. في قسم آخر، هناك حفل عيد ميلاد وتوديع لناثان، المناسبتان تتزامنان ليقطع ناثان ماضيه وعلاقاته القديمة، لأنه مقبل على العيش دونها، وذلك بالسفر إلى كوكب آخر مجهول تمّ اكتشاف حياة أخرى فيه. هو في الواقع خط سردي واحد من بين خطوط عديدة، ولكنه في ذات الوقت قرّب المسافة بين الأحداث ساعيا إلى إيجاد نسق في التعبير يتعدى الأحداث الصغيرة إلى المواقف الكبرى. بدا ذلك المدخل في بداية الفيلم ملتبسا حقا، إذ لم يتم توثيق تلك الصورة المتعلقة باشتراك الأفلام القصيرة الخمسة في تدهور كوكب الأرض والكوارث التي أصابت البشرية جمعاء، إذ لم يتم توسيع ذاك المحور من أجل المزيد من الإبداع. الملاحظ أيضا في ما يتعلق بالشخصيات وأدوارها، أن أقسام الفيلم قدّمت حشدا من الممثلين ومنهم الآسيويون الذين احتلوا القسم الأول من الفيلم والذين يسترجعون ذكرياتهم الماضية وسط حاضر مجهول وإشكالي. التحوّل الجذري سوف يقع بمجرد إغلاق البوابة الضخمة على أولئك المشّردين والنازحين، حيث تشتعل الانفجارات في الخارج، ولهذا سيكون التواصل مع العالم الخارجي تحوّلا دراماتيكيا مميزا. الانتقال من الخراب الأرضي والبيئة الصحراوية يبدو في الغالب مسرفا في الخيال، لاسيما مع تمكن المحاصرين من الخروج من عزلتهم ومخاطبة عوالم أخرى مجهولة. واقعيا فإن محاولة الخروج من ذلك الخانق العسير في بيئة محطمة ومنهارة، ثم الاندماج في بيئة رقمية، بدا شبه مستحيل، وذلك ما جرى وهو ما سوف نشاهده في قسم آخر من الفيلم يخص الولايات المتحدة. هنا سوف يغرق المكان في شيفرات عالم رقمي مغلق. إنه في الواقع الملاذ الأخير، أو هكذا تدل الأحداث، فالباحثون عن ملاذ سوف يجدون مكانا متقدّما تكنولوجيا وقادرا على توفير متطلبات حياة عصرية مختلفة وغير مألوفة، وهو انتقال حاد ولربّما غير متوقّع ما بين البيئة الصحراوية القاحلة وبين البيئة الرقمية وشاشاتها المُنتشرة في كل مكان. وإذا مضينا في هذا المسار، فكأننا افتقدنا الصلة مع مسارات سردية سبقته ليتم تكريس المشاهد التي تم تصويرها في أرض ما من الولايات المتحدة، لا غير. وربما يتساءل المرء هنا، عن السبيل لمغادرة كل هذا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ حيث سنجد أنفسنا في حالة جدل خالصة، في ما يتعلق بجوهر بنية هذا الفيلم والإصرار المسبق على تقديمه على أنه فيلم واحد متكامل. لكن الملفت للنظر مهما خلصت النية، هو زحف حالة التفكك بين أجزاء الفيلم وعدم القدرة على إيجاد قاسم مشترك بين جميع الأجزاء أو مواكبة الأحداث دفعة واحدة، مع أن الوصول إلى جميع تلك الأهداف مرة واحدة يبدو صعبا إلى حد كبير، لاسيما مع إصرار فريق المخرجين على تقديم تلك الفصول السينمائية في إطار سينما الخيال العلمي.

مشاركة :