تحاول السلطات العراقية توظيف ورقة التخويف من الفوضى لخلق رأي عام دولي داعم لها في الأزمة الحادة التي تواجهها بسبب موجة الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة، وبهدف تبرير العنف الشديد الذي واجهت به المحتجيّن ونتجت عنه خسائر بشرية جسيمة يمكن أن تجر المسؤولين عنها إلى القضاء الدولي كمتهمين بجرائم ضدّ الإنسانية. وحذّر رئيس الحكومة المستقيل عادل عبدالمهدي خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر من أن “أي إضعاف للحكومة والدولة العراقية سيكون مشجّعا على التصعيد والفوضى”. وبحسب مراقبين فإن حكومة بغداد تعمل على إثارة المخاوف بالتكامل مع الميلشيات الشيعية التي تقوم بتوجيه رسائل إلى الولايات المتحدة عبر تنفيذها قصفا محدودا ومدروسا للمواقع التي يوجد فيها جنودها، وأيضا عبر تعمّد فتح ممرات لتنظيم داعش في مناطق شمال وغرب العراق لتنفيذ عمليات توحي بأنّ التنظيم الذي شاركت القوات الأميركية في دحره بصدد إعادة تجميع صفوفه والاستعداد لغزو تلك المناطق مجدّدا. دفع الأوضاع في العراق نحو مربع العنف الشامل يعني تحويل المعركة إلى الميدان الذي تفضله الميليشيات وأعلنت الشرطة العراقية، الاثنين، مقتل أربعة جنود وإصابة اثنين آخرين بهجوم شنه عناصر من داعش في محافظة ديالى شرقي البلاد. والخميس الماضي، قُتل أحد عشر عنصرا من ميليشيا سرايا السلام التابعة لرجل الدين الشعي مقتدى الصدر في هجومين انتحاريين استهدفا مقرا للسرايا في سامراء شمالي بغداد، علما أنّ علاقة الصدر بباقي قادة الميليشيات والأحزاب الشيعية تتميّز بتوتّر شديد وخلافات حادّة، تضاعفت في الوقت الحالي بسبب ما يعلنه الصدر من دعم للمحتجين، وأيضا بسبب اعتراضه على ترشيح أي عضو في تلك الأحزاب المنافسة لمنصب رئيس الوزراء. وفي البصرة بجنوب العراق، قُتل الاثنين، خمسة أفراد من عائلة واحدة برصاص مسلحين مجهولين ولم تنج من المجزرة سوى رضيعة بعمر ستة أشهر. وورد في بيان للدائرة الإعلامية في الحكومة العراقية، الاثنين، أن المكالمة الهاتفية بين عبدالمهدي وإسبر تناولت استمرار التعاون بين بغداد وواشنطن ضد الإرهاب، ودعم جهود القوات المشتركة لملاحقة بقايا داعش وحفظ الأمن والاستقرار في عموم العراق. ووفق البيان ذاته، فقد عبر عبدالمهدي عن قلقه لتعرّض بعض المنشآت للقصف، مشدّدا على ضرورة بذل مساعٍ جادة يشترك بها الجميع لمنع التصعيد الذي إن تطور سيهدد جميع الأطراف. وأضاف أنّ “اتخاذ قرارات من جانب واحد ستكون له ردود فعل سلبية، تصعب السيطرة عليها وتهدد أمن وسيادة واستقلال العراق”. ومن الجانب الأميركي، ذكر البيان أن وزير الدفاع حثّ رئيس الوزراء العراقي المستقيل على اتخاذ خطوات لإيقاف قصف القواعد التي تضم قوات أميركية. وكان مسؤول عسكري أميركي بارز قد حذّر الأسبوع الماضي من أن هجمات تشنها فصائل مدعومة من إيران على قواعد تستضيف قوات أميركية في العراق تدفع كل الأطراف صوب تصعيد خارج عن السيطرة. وتكرّرت منذ مطلع ديسمبر الجاري الهجمات الصاروخية التي تستهدف معسكرات عراقية يتمركز فيها جنود أميركيون. والأسبوع الماضي، كشفت وزارة الدفاع العراقية أن صاروخين سقطا في محيط مطار بغداد الدولي دون وقوع خسائر. وذلك بعد أن أدى قصف مماثل بالصواريخ لمعسكر على مقربة من المطار، حيث يتمركز أيضا جنود أميركيون، إلى إصابة ستة عناصر من القوات العراقية. وقال المسؤول العسكري الأميركي إنّ تحليلات المخابرات ودراسة الخبراء للصواريخ وقاذفاتها تشير إلى أن فصائل شيعية مسلحة مدعومة من إيران تقف وراء الهجمات. ووفق متابعين للشأن العراقي، فإنّه على العكس تماما من الخطاب السياسي العراقي المعلن، يمكن أن يكون التصعيد وخلق حالة جديدة من العنف الشامل في العراق، هدفا بحدّ ذاته تسعى إليه الأطراف الممسكة بزمام السلطة من أحزاب دينية وميليشيات مسلّحة موالية لإيران في ظلّ استعصاء وقف موجة الاحتجاجات الشعبية العارمة والتي أصبح المشاركون فيها يرفعون شعار إسقاط النظام برمّته. وقال محلل سياسي عراقي طلب عدم ذكر هويته مخافة الملاحقة من قبل الميليشيات الشيعية إنّ “دفع الأوضاع في العراق نحو مربّع العنف الشامل يعني تحويل المعركة إلى الميدان الذي تفضّله الميليشيات حيث تكون الكلمة للسلاح الذي تمتلك تلك الفصائل الكثير منه”، مضيفا أنّ “جرّ الولايات المتحدة للردّ على الميليشيات التي تطلق الصواريخ باتجاه قواعد تُؤوي جنودا لها، سيعني للميليشيات الشيعية ولإيران التي تقف خلفها فتح معركة مقدّسة تعطي المبرر لسحق الاحتجاجات الشعبية على قاعدة أن لا صوت يعلو على صوت المعركة الرئيسية”. ولا يُعرف على وجه الدقّة العدد الحقيقي للجنود الأميركيين الموجودين على الأراضي العراقية في مهمّات تؤكّد واشنطن على أنها غير قتالية، لكن بعض التقديرات تشير إلى وجود نحو خمسة آلاف جندي في عدة قواعد عسكرية بأرجاء العراق ضمن إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، بينما تقول تقديرات أخرى إنّ العدد أكبر وأنّه غير ثابت ولا يمكن حصره بدقّة نظرا لكثافة حركة القوات الأميركية بين سوريا والعراق وسلاستها في ظل عدم قدرة العراق على السيطرة على مجاله وضبط حركة القوات الأجنبية على أراضيه.
مشاركة :