قررت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة برئاسة القاضي علي الظهراني وعضوية القاضيين، الشيخ حمد بن سلمان آل خليفة ومحمد عزت وحضور المحامي العام اسامة العوفي وأمانة سر ناجي عبدالله، حجز القضية المتهم فيها أمين عام جمعية الوفاق علي سلمان، المتهم بالترويج لتغيير نظام الحكم بالقوة والتحريض على عدم الانقياد للقوانين واستخدام العنف والسلاح في سبيل تحقيق ذلك، للحكم بجلسة 16 يونيو المقبل مع استمرار حبس المتهم. وقبل بداية الجلسة سمحت المحكمة لهيئة الدفاع بالاجتماع بسلمان، وعادوا إلى القاعة لتبدأ الجلسة بتلقي المحكمة مذكرة دفاع النيابة العامة التي طلبت فيها بإنزال أشد عقوبة على المتهم بحسب لائحة الاتهام، ثم طلب الدفاع من المحكمة عرض قرص مدمج، وقال المحامي عبدالله الشملاوي إن النيابة العامة تعرضت للغش من قبل مجري التحريات، فاعترضت النيابة ورد المحامي العام أسامة العوفي، مؤكداً أن النيابة واجهت المتهم بوقائع، وتساءل قائلاً للدفاع: هل اطلعتهم على المقاطع المصورة التي تحدث فيها المتهم عن العسكرة؟. وطلب الدفاع من المحكمة أن تأذن للمتهم بالحديث، حيث قال إن لديه كلمة ربما تتجاوز الساعة أو أقل، فذكرته المحكمة بأنها سمحت له بالحديث المطول في جلسة سابقة، لكنه بدأ حديثه بالإشارة إلى أن محاكمته سياسية وأراد الاستطراد في استعراض تاريخ البحرين منذ عام 1919، فذكرته المحكمة بأنه متهم في وقائع معينة دارت حولها تحقيقات وأسند إليه اتهام فيها، إلا أنه أصر على الحديث السياسي بعيداً عن تلك الوقائع، وبناءً عليه قررت المحكمة رفع الجلسة وحجز الدعوى للحكم. من جانبها بدأت النيابة العامة مذكرتها بالآيتين: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وقالت إن المتهم لم يكف أذاه عن الأمة التي تريد من يفتح لها باب الأمل، ويوفر لها فرص العمل، فأدارت ظهرها لتجار الكلمات، ومايزت بين قائد يسهر على خدمتها فحملته على الأعناق، ووضعت تحت أقدامها أصحاب الأبواق، ورفعت من يخدمها ويحميها، ورفضت من يجرحها ويدميها. وأشارت النيابة إلى أن المتهم ادعى أن الوطن لا يهتم بمواطنيه، ونسى أن الأمة شاهدة على النماء، ولكن الظالمين كلما زاد النظام عطاءه لشعبه ازدادوا جفاء، وكان تغيير نظام الحكم بالقوة غاية سعيه، وازدراء قوانين الوطن هدفه وإهانة حراس الأمن ضالته، ومعسول الكلمات وكاذبها يدغدغ به مشاعر البسطاء وسيلته. ونوهت النيابة إلى ما قاله المتهم في الخُطب التي أقر بالتحقيقات بأنها بصوته وأقر بأنه قائلها وإن حاول أن يفسرها بتفسيرات لا تتسع لها ألفاظها أو تتضمنها معانيها أو يتحملها العرف الاجتماعي في دلالة الألفاظ بل إنها قاطعة فيما أسند إليه من تهم، وقالت إن محاولة حرف الكلم إلى معاني أخرى غير التي نطق بها هي محاولة بائسة لدرء الاتهام عنه فلا تفسير أو تأويل مع صراحة النص، فالنص ناطق بذاته، وقد أدت دعوته إلى التهديد والتحريض وتحبيذ قلب النظام السياسي في البلاد بالقوة وبالوسائل غير المشروعة ومنها الاستمرار في المسيرات والتظاهر وما يترتب عليها بالضرورة من مواجهات بينها وبين قوات الأمن فضلا عن كونها مخالفة للقانون ودعوة صريحة إلى خرقه وعدم احترامه إلى حدوث مآسٍ في الأرواح والممتلكات مما يعلمه الكافة ويعد من العلم العام في البحرين وعلى رأسهم المتهم الذي جاء اليوم ليقول لنا أنه كان ومازال وسيظل مرتدياً ثياب الرقة والرحمة والسلمية. النيابة تفنّد خطب سلمان المسجلة واعترافه بها وأكد المحامي العام أن النيابة لن تحاسب المتهم على ما أخفى في صدره وتطالب بحسابه على ما أعلن، مشيرة إلى أنه ظل طوال التحقيق يرتدي المسوح السلمية التي لم تكن سوى مجرد محاولة للإفلات من العقاب، وقال إن المتهم جاء يشكو من أن النيابة قد اجتزأت من أقواله وأنها اقتلعت بعض العبارات من سياقها لتؤيد ما جاء بمحضر التحريات من اتهام لكن رد النيابة أن خطبك موجودة ومسجلة وقد اعترفت بأنها بصوتك وأنك نطقت بكل كلمة فيها وهي موضوعة في سياقها لتتأكد أننا ما نسبناه إليك حقاً لا يحتمل تفسير ولا تأويل ولا يمكن حرفه إلى ما تدعي، بل أننا نطالبك بأن تأخذ ما تدعي أننا اجتزأناه من هذه الخطب والمقالات لتضعه في أي سياق شئت قلته أو لم تقله لترينا أن كان ذلك سيغير من معنى هذه العبارات الذي فهمناه وقدمناه كأدلة قاطعة على ما اتهمناك به أم لا ونحن نوقن بالنتيجة مقدماً. وقدمت النيابة أمثلة لما قاله المتهم بشأن التهمة الأولى في خطبته المؤرخة في 10/10/2014 والتي ألقاها في مسجد الإمام الصادق بمنطقة القفول إن النجاحات الإعلامية والحقوقية والشعبية في العدالة والسياسة ونجاح الوحدة الوطنية وغيرها مؤشرات على هذه القوة ويستبطن الشعب قوة أكبر وأكبر، كل ما عليك استنهض هذه القوة، الآن لا أتكلم عن قوة عسكرية وأرجو ألا يحتاج هذا الشعب إلى أن يدافع عن نفسه بالقوة العسكرية كما دافع الأكراد عن أنفسهم أمام تغييرات لم تكن في الحسبان حتى اضطروا النساء أن يحملن السلاح، نأمل أن لا نكون بحاجة إلى هذا في يوم من الأيام وفي خطبته بتاريخ 5/12/2014 بذات المسجد، ولكن أهم هذه المعالم التحرك السلمي ونبذ العنف وعدم الخيار العسكري وهو أحد الخيارات التي كانت مطروحة ولازالت مطروحة وتساءلت النيابة: ماذا تعني ألفاظه؟ وهل الكلمات تحتاج لتأويل أو تفسير في دلالتها؟ حين تحدث عن القوة العسكرية والقطع بأن استخدامها أمر مطروح؟ لم يلوح بوجودها فقط بل قطع بوجودها وبإمكانية استخدامها إذا لم تستجب الدولة لطلباته بالطرق الأخرى. وأوردت النيابة كلمة للمتهم ألقاها في التجمع الجماهيري بعنوان وطن الجميع الذي نظمته الجمعيات السياسية بمنطقة سار بتاريخ 14/6/2013، حين قال: تعالوا نرد لهم الصاع صاعين وعندما أقول نرد لهم الصاع صاعين لأن برنامجهم باطل لو كان لديهم شيئا ايجابي لوضعنا يدنا في يدهم ولكن لأن برنامجهم تشفي وقتل وتخلف وما شابه ذلك تعالوا نرد لهم الصاع صاعين وتساءلت النيابة مرة أخرى: كيف سيرد لبلده أو لنظامها السياسي أو لحكوماتها الصاع صاعين؟ إذا كان كما يدعي برنامجهم التشفي والقتل هل سيرد الصاع صاعين بحمل الورود والقبلات على الرأس أم أنه قد رد فعلاً بالتظاهرات غير المرخصة والشغب والتخريب والحرق للأموال والممتلكات والتفجيرات؟. وأشارت النيابة إلى العلاقة الطردية بين ما يتبناه المتهم في دعوته وبين ما يحيق بهذه الأمة حتى اكتظت المحاكم من كثرة الدعاوى، وقالت إن المتهم لم يقف اتهامه على النظام السياسي ولكنه تجاوزه إلى رجال الأمن واتهمهم بالمرتزقة والظلمة القتلة وعسس الليل بينما لم يسأل نفسه حين تنام عينه قريرة من جعلها هكذا إلا عسس الليل الساهرين على حراسته، وتجاوز إلى أن نزع عن النيابة والمحاكم أخلاقها ودينها وجردها من عدالتها، وذكرت قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، وأضافت متسائلة: ما الذي يضطر نظام قاتل كما تصفه إلى أن يشكوك إلى النيابة العامة شأنه شأن أي مواطن وينتظر تحقيقها ثم تصرفها أن كانت ترى أن هذه الشكوى صحيحة وعليها أدلة فتحيلك إلى المحكمة أم أن هذه الشكوى غير صحيحة ولا تتوافر أدلتها فتقرر فيها بأن لاوجه لإقامة الدعوى، ما الذي يجعل نظاماً استبدادياً متحكماً قاتلاً يفعل ذلك إلا أن تكون قد أسرفت أنت على هذا النظام فرميته بما ليس فيه كذباً وزوراً. النيابة قدمت الضمانات القانونية فأين الاستبداد؟ وأكدت النيابة أن النظام قد اشتكى إلى النيابة وقدم ما استنسخه من أقوال وأفعال المتهم لتواجه به قائلة له اقرأ كتابك وقدمت النيابة كل الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة وأحضرت لك ما اخترت من مدافعين واتقت الله فيك وأتاحت لك أن تقول ما يحلو لك دون ضيق أو ضجر وقرأت عليك ما قلت كلمة كلمة قبل أن تستوقعك عليها فأين الاستبداد والظلم. ووصفت النيابة ما جاء في مذكرة الدفاع بأنه بنيان على جُرف هارٍ، وهي أوهن من بيت العنكبوت ولن تصمد لأنها بنيت على التلاعب بالألفاظ، وفنّدتها، بأن الادعاء بأن الاتهام يحاسب المتهم على مجرد أراء تدخل في إطار حرية الرأي التي كفلها الدستور والقانون هو مجرد تلبيس وتلاعب بالألفاظ، لأن ما ارتكبه المتهم ونسبته إليه النيابة لا علاقة له بحرية التعبير، فما علاقة حرية التعبير بالترويج وتحبيذ قلب وتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد وبالوسائل غير المشروعة وما علاقة حرية التعبير في إهانة هيئة نظامية ووصف منتسبيها بالمرتزقة وانتمائهم إلى التنظيمات الإرهابية، وقد سبق للنيابة أن قدمت الأدلة على كل تهمة بالتفصيل بل قدمت الأدلة على التهمة الأولى لكونها جناية في موضعين فهو يدعي أن عضو النيابة المحقق كان ينقب في الضمائر وكأنه لم يكن لديه نصوص جاهزة قالها المتهم وأسمعتها له النيابة وأقر بأنه قائلها وأنها بصوته تنطق كلماتها بل وحروفها بصحة ما أسندناه إليه. وأوضحت النيابة أن إمساك وزارة الداخلية لفترة طالت أو قصرت عن تقديم الشكوى ضد المتهم لا يعني أبداً أنها محاكمة سياسية أو أن القضاء يعمل بالسياسة كما ادعى المتهم وحوته خطبه أن الملائمة في العمل السياسي بالنسبة للحكومة أمر جائز ولكن حين تقدم الشكوى وتصير بين يدي النيابة والقضاء ينصب البحث فيها على موقفها القانوني هل هي جريمة ارتكبت ومدى ثبوتها ونسبتها إلى فاعلها ولا موائمة في ذلك. لأن عدم اتخاذ الإجراءات القانونية في شكوى أمر يتنافي مع العدالة. وحول الادعاء بأن المتهم رفض استخدام القوة وأعلن موقفه بكل صراحة من التفجيرات قالت النيابة إنها قامت بنقل النص الذي أورده الدفاع حرفياً دون اجتزاء، حيث بدأ بأن المتهم لا يوافق على التفجيرات وأن الدم حرام وهذا شئ جيد ولكن المدقق والقارئ للنص بعين القاضي يجد أن المتهم لم يرد أن يقول هذا وإنما أراد ما بعده وهو أنه إذا كان هذا المجرم الذي يقوم بعمل التفجيرات كما عبر المتهم بالنص مظلوم ومهمش ومطرود ومفصول ومسجون ومعتقل ولا يتمتع بحق الإنسان في إدارة شؤونه فبوسعه أن يفجر وأن يقتل وأن يحرق وأن يدمر وأن يخرب البحرين ويهدمها على رأس أهلها وساكنيها. لكن المتهم لم يقل لنا هل من حق أي إنسان أن يدعي ما شاء فيصبح ما يدعيه حقيقة مسلم بها ومن لم يسلم بها يقتل فرداً كان أو نظام، ومن قال إن هذا الدعي ليس بظالم ولا يكفيه أي عطاء ولا أي جهد تبذله الدولة لكي يعتبر أن النظام قد قام بواجبه وأنه لا يستحق أن يسحق بفعل هؤلاء الفجرة أم أن المتهم يعتبر أن هؤلاء الإرهابيين القتلة أبطال عليه أن يثني عليهم ويلتمس لهم العذر ألم يطرح على نفسه سؤالاً، عن ماذا يكون عليه الحال لو أن كل مواطن اعتبر أن حقوقه ناقصة وأنه مهمش أو قبضت عليه الشرطة لجريمة ارتكبها أو غيرها مما ساقه تبريراً لهؤلاء القتلة، ماذا يكون عليه الحال في هذه البلد هل تصمد يوماً أو بعض يوم أم تنهار تحت وطأة ظلم أبنائها هؤلاء. إن للعقل لغة يأبى أن يتحدث بغيرها ولا يفهم من يحدثه بغيرها فاسألوا لغة العقل يا أولى الألباب وانتظروها ماذا تجيب. البحرين آمنة يأتيها رزقها رغداً فلماذا الإصرار على الإفساد وحول ما قاله المتهم بشأن نفيه لتهمه إهانة وزارة الداخلية واستخدام تعبير مرتزقة وكلمة خفافيش وربط منتسبيها بداعش إنما يستهدف حرية النقد قالت النيابة إن حرية التعبير والنقد تستغيثان بالله من فرط استخدامها كفراً بمحتواها ومعناه، وتساءلت: هل حرية النقد أن أقول لأي شخص في المجتمع مهما تواضع قدره أنت مرتزق؟ هل يجوز أن أصفه بالخفاش؟ هل يجوز أن أصفه بأنه ينتمي إلى تنظيم يعتبره العالم كل العالم بلا استثناء إرهابي؟ أم أنه يظن أن هذه الكلمات ليس لها معنى معيّن في الموروث الثقافي البحريني، وأن هذا الموروث يحقّر من شأن من تنطبق عليه هذه الكلمات أو تلك الصفات. وأما ما ادعاه المتهم بشأن التحريض على كراهية طائفة من الناس وهم المجنسون أوضحت النيابة أن ما لصقه بهم من أوصاف ينطبق عليه ما قالته بشأن وزارة الداخلية ومنتسبيها، فهي ذات الأوصاف أنهم مرتزقة وأنهم لا ولاء لهم للبحرين وأن منهم الداعشيين وأنهم سيفجرون أنفسهم عند تعارض المصالح إلى آخر القائمة التي يندى لها الجبين ولا يستطيع مخلوق أن يمارى في حقيقة ودلالة معاني هذه الكلمات. واختتمت النيابة بالتأكيد على أن المتهم قد سخّر منبره وعلمه ودعوته لا فيما ينفع الأوطان، ويخدم الإنسان، ولكن في بث روح الفتنة في الأمة، وبث فيها روح الكراهية والنقمة، وقالت: كان الأمل وكان الرجاء أن يثوب إلى رشده، وأن يكون منصفاً مع وطنه ونفسه، ليمكنه أن يرى التقدم والرقي والنماء الحاصل فيه، والذي لا يراه فهو أعمى البصر، ولا ينكره إلا أعمى البصيرة، فبدلاً من أن يكرس منبره ويسخر دعوته إلى التكاتف والتعاضد خاصة وأنه رأى دولاً شقيقة ليست من البحرين ببعيد كانت أقوى وأكثر ثراءً ونماءً من بلدنا عصفت بها الأهواء ومزّقتها الفتنة، فإذا به يسير على ذات الدرب ويتبني ذات الأسلوب، فهل يريد أن تعيش الأمة نكبات شقيقاتها التي كانت حتى الأمس القريب الأقوى والأكثر ثراءً ونماءً فأصبحت هشيماً تذروه الرياح، وجرى الدم في طرقاتها أنهاراً، فما له من انقطاع، وأصبح نهارها كليلها مظلماً فما له من انقشاع، فهل هذا ما يريد لهذا الوطن العامر أن تخرب الدور وينقطع عنه النور ويخاصمه السرور. ويعيش أهله في خوف من القتل والظلم والجور؟ فهل أخطأنا حين جئنا اليوم نطالبه بأن يتقي الله في هذا الوطن، وهل جاوزنا الحق إن طالبناه بأن يكف عنه شره وأذاه ليجنّبه المحن، فالبحرين أمة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً، فلماذا الإصرار على الإفساد في الأرض وأهلاك الحرث والنسل. وقد جاءت النيابة لتقول للمتهم: كفى، بلدنا عامر، بلدنا آمن فكف عن أذاك، وابتعد عما نهاك.
مشاركة :