إغلاق قاعدة إنجرليك: هل يتحمل أردوغان ثمن تهديداته الانفعالية

  • 12/18/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تدفع تركيا بالتصعيد في علاقاتها مع الولايات المتحدة عبر تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإغلاق القاعدة العسكرية الأميركية في إنجرليك الواقعة في جنوب البلاد بالقرب من الحدود السورية. ولم يعط أردوغان توقيتا لهذا التهديد، لكنه أعلن أن الإغلاق سيتم “إذا لزم الأمر”، ردا على ما وصفه بـ”التهديدات الأميركية”. والتلويح التركي بأمر كهذا يمس خطوطا حمراء في علاقة أنقرة بواشنطن كما بجدوى استمرار انتماء تركيا إلى المنظومة العسكرية الغربية التي يجسدها حلف شمال الأطلسي (ناتو). وتعمل قاعدة إنجرليك العسكرية منذ عام 1955، وهي عبارة عن مطار كبير يمثل بالنسبة إلى القوات الأميركية بشكل خاص نقطة عبور بين أوروبا والشرق الأوسط ، هو معروف بإيوائه أسلحة نووية منذ عام 1959. وتلويح أردوغان بإغلاق القاعدة يهدّد بإسدال الستار نهائيا على الدور التاريخي لتركيا داخل الحلف الأطلسي بصفتها حجر أساس بالنسبة إلى الحلف الغربي في مواجهة الاتحاد السوفييتي في مرحلة الحرب الباردة التي استمرت من الحرب الكورية في الخمسينات حتى انهيار الاتحاد السوفييتي أواخر الثمانينات. تصعيد أردوغان يأخذ أبعادا تتعلق بالعقوبات المحتملة التي يمكن للكونغرس أن يفرضها على تركيا، ناهيك عن تصويت الكونغرس على نص يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن خلال الحرب الباردة، احتلت تركيا مركز الصدارة الاستراتيجي لدول الناتو في مواجهة موسكو السوفييتية وشكلت الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي. وما زالت الولايات المتحدة تنشر في تركيا عبر قاعدة إنجرليك حوالي 50 قنبلة أميركية من طراز بي- 61 نووية حرارية. ويقول خبراء في الشؤون الإستراتيجية إن تهديدات أردوغان، رغم طابعها الشعبوي الابتزازي، تمثل ضغوطا مستجدة على الموقع الاستراتيجي الذي تملكه الولايات المتحدة في المنطقة، كما أنها، في حال نفذت، ستحسن تموضع روسيا الاستراتيجي في العالم، لاسيما في أوروبا والشرق الأوسط. وبالتالي فإن ما قاله أردوغان يشغل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في واشنطن، كما يشغل قيادة حلف شمال الأطلسي في بروكسل. وتحاول واشنطن تدوير زوايا الأزمة مع أنقرة. فقد قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إنه يحتاج إلى الحديث مع نظيره التركي خلوصي أكار، لفهم مدى جديّة أردوغان بشأن إمكانية إغلاق قاعدة إنجرليك الجوية التي تحوي رؤوسا نووية أميركية. وقال إسبر للصحافيين “لم أُحط علما بالأمر من قبل، أول مرة علمت به كان من خلال الصحف، ومن ثم فأنا بحاجة إلى الحديث مع نظيري التركي لفهم ما يقصدونه فعلا ومدى جديتهم”. وتأتي التهديدات التركية في سياق السجال المحتدم بين واشنطن وأنقرة بشأن شراء تركيا منظومة صواريخ روسية من طراز أس- 400 بما اعتبر انتهاكا لأبجديات الأمن لدولة تنتمي إلى منظومة أمن غربية. غير أن تصعيد أردوغان هذه المرة يأخذ أبعادا تتعلق بالعقوبات المحتملة التي يمكن للكونغرس أن يفرضها على تركيا، ناهيك عن تصويت الكونغرس على نص يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن. ومن المقرر أن يناقش مجلس الشيوخ الأميركي، خلال الأيام المقبلة، تشريعات تتعلق بمعاقبة تركيا على شراء منظومة الصواريخ الروسية أس- 400. كما يبحث التشريع الأميركي المقترح، معاقبة تركيا على العملية العسكرية في شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية الحليفة للولايات المتحدة، والتي حملت اسم “نبع السلام”. ووفق تلك العناوين يهدد أردوغان بإغلاق قاعدتي إنجرليك ورادار كوريسيك، وهي منشأة عسكرية أميركية أخرى في تركيا، “إذا لزم الأمر”، دون أن يوضح طبيعة لزوم هذا الأمر. ويرى مراقبون أن مسائل النزاع حول الصفقة التركية مع روسيا ومستقبل علاقة تركيا ببرنامج طائرات أف- 35 بالإمكان التفاوض بشأنهما وفق الرؤية الدفاعية التي قدمها الرئيس ترامب نفسه. إلا أن الغضب التركي يتركز أساسا حول الموقف الأميركي المستجد من مسألة الإبادة الأرمنية، التي كان موقف واشنطن منها متحفظا إذ ابتعد عن تحميل تركيا رسميا المسؤولية عنها. فبعد مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، صوت مجلس الشيوخ الأميركي، بدوره، في 12 ديسمبر على قرار غير ملزم يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915. وقد عارض البيت الأبيض ذلك، ولكن الأغلبية الجمهورية داخل مجلس الشيوخ في الكونغرس مررت هذا القرار. وتشعر أنقرة بخطورة أن يصدر الأمر عن واشنطن بعد أن صادقت برلمانات غربية عديدة على الاعتراف بالإبادة الأرمنية، إلى درجة أن أردوغان قد هدد، الأحد، بأن تركيا قد تصدر قرارات تقر بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد السكان الهنود الحمر. وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها أنقرة بإغلاق قاعدة إنجرليك، الأمر الذي يدفع البعض من الخبراء إلى الحديث عن ضرورة الحد من اعتماد القوات الجوية الأميركية على هذه القاعدة، خاصة وأن للبنتاغون بدائل جاهزة وقواعد عسكرية أخرى في المنطقة. وقال ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، “لست أقول إن علينا قطع علاقاتنا مع تركيا، لكن (…) العنصر الذي يميل الأتراك إلى التلويح به أكثر من سواه، الوصول إلى قاعدة إنجرليك، بدأ يفقد أهميته شيئا فشيئا”.

مشاركة :