ملايين المسحيين في أنحاء القارة الأفريقية المبشر الإنجيلي الألماني المولد راينهارد بونكه الذي وافته المنية عن تسعة وسبعين عاما.واستطاع بونكه اجتذاب جموع حاشدة في أفريقيا خلال عقود من الوعظ قضى فيها حياته. وتزعم منظمة "المسيح لكل الأمم"، المعروفة بعملها في أنحاء واسعة من أفريقيا، والتي أسسها بونكه، أن الرجل أشرف على تحوّل أكثر من 79 مليون شخص إلى المسيحية في القارة السمراء. ويحدّثنا الكاتب الكيني جيسي ماساي عما أحدثه هذا المبشر الإنجيلي من أثر، قائلا إن مكانة بونكه كأبٍ للحملات التبشيرية والعلاجية في أفريقيا ليست محل خلاف. وعمّت أنحاء القارة السمراء طوال الأسبوع المنصرم تجمعات كنسية، تميزت بحشودها الغفيرة وخيماتها الكبيرة ومنصّاتها الزاهية، وشاع فيها وجود أجهزة صوت متطورة ومترجمين للغات المحلية، وأحيانا مبشرين إنجيليين راحوا يقلدون بونكه في أسلوب حديثه وحركات جسده على المنصة، وفي تلك الطريقة التي كان يقبض بها على الميكروفون. وكان بونكه في نهاية عظاته أحيانا يسأل مَن من الحشود سمع في قلبه نداء الرب حتى يهُّم ويأخذ الميكروفون من يده. وقد لاقت رسالته عن الأمل في الخلاص صدىً قويا، لا سيما بين الأمم الأفريقية التي تطحنها رحى الحروب الأهلية ويقتلها الجفاف وغير ذلك من المآسي.البابا لمسيحيي المغرب: من فضلكم لا داعي للتبشيرآلاف المسلمين في أفريقيا الوسطى "يواجهون مذبحة" "رؤية قيامة الميت" كان بونكه في رفقة الرئيس الكيني أوهورو كينياتا إبان تكريس الكنيسة الإنجيلية في العاصمة نيروبي، في أغسطس/آب 2016. ويقول المبشّر الكيني ولسون مامبوليو: "كان أسلوبه الرائد في حملاته التبشيرية النضالية مستقىً من السياق الواقعي. ومثل القديس بولس المذكور في الكتاب المقدس، كان بونكه يعلم أنه يواجه جحافل شر قوية". وزعم بونكه قدرته على شفاء المرضى مستعينا بقوة الرب، وذلك وسط حشود غفيرة كان أحدها في مدينة لاغوس النيجيرية عام 2000 والتي يقال إنها اجتذبت نحو 1.6 مليون شخص. كما أخبر بونكه مريديه أنه شهد قيامة أناس من الموت، إلا أن أمثال تلك "المعجزات" لم تعدم مَن يفنّدها. وكثيرا ما أثار النهج التبشيري الذي اتبعه بونكه جدلا واسعا. ويتذكر ستيفن موتوَه، الذي عمل مديرا دوليا لحملة بونكه في الفترة من 1986 وحتى 2009، أعمال شغب شهدتها مدينة كانو المسلمة شمالي نيجيريا عام 1990 احتجاجا على حصول بونكه على ترخيص للقيام بحملاته التبشيرية. وتأكد سقوط ثمانية أشخاص على الأقل، بينما أفادت أنباء لم تتأكد بسقوط مئات القتلى في أعمال الشغب تلك. ويحكي موتوه: "كانت المرة الأولى في حياتي التي أجد فيها نفسي في عربة مصفحة قبل أن تنقلنا مروحية تابعة للجيش إلى مدينة لاغوس". وما كان من بونكه إلا أن تعهّد بالعودة إلى المدينة.مصدر الصورةAFPImage caption بونكه قاد حملات تبشيرية في نيجيريا أكثر من أي بلد أفريقي آخر ولكن الأمور تغيرت بوصول أولوسيغون أوباسانجو إلى السلطة عام 1999، وأصبح بونكه محل ترحيب في نيجيريا الأكثر تعدادا في أفريقيا، كما يقول موتوه الذي يرأس الآن الشبكة الإنجيلية الأفريقية في نيروبي. ونعى الرئيس النيجيري الحالي محمد بخاري، بونكه قائلا إن وفاته "خسارة كبيرة لنيجيريا وأفريقيا والعالم كله". ويقول موتوه إنه رغم ما قام به بونكه من إلهام للكثيرين من المبشرين والقساوسة في أفريقيا وما وراءها، فإن أعمال التبشير الإنجيلي لم تنته بعد. وينفي موتوه ما نشرته وكالة أسوشيتد برس للأنباء عام 2014 من أن بونكه كان يعيش في بيت تبلغ تكلفته ثلاثة ملايين دولار في منتجع بالم بيتش في فلوريدا. ويقول موتوه: "ما أحوجنا إلى السير على دربه في الزهد والسعي لإحداث أثر يدوم". وتعتقد إميلي أونيانغو، التي تحاضر في جامعة القديس بولس في كينيا، أن حملات بونكه التبشيرية قد ألهمت ملايين المسيحيين في أفريقيا لتدشين علاقة خاصة مع المسيح.مصدر الصورةAFPImage caption لافتات تودّع بونكه في نيجيريا لكن الأستاذة إيستر مومبو من مركز العلاقات المسيحية-الإسلامية في جامعة القديس بولس في كينيا، ترى أن أثر بونكه في أفريقيا أثرٌ معقد وربما يستغرق الأمر وقتا من الباحثين لكي يقيّموه بالشكل المناسب. وتأسس مركز العلاقات المسيحية-الإسلامية عام 2010 وجاء ثمرة لعدة محاولات لتدشين علاقات بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية في أفريقيا. وترى مومبو أن تبشير بونكه لم يكن دائما داعما للتعايش السلمي، وأنه على العكس من ذلك عمّق الخلاف والكراهية في بعض الأحيان. تقول مومبو: "ضحايا أقوال بونكه هم البسطاء من الناس، فضلا عمن تم استغلالهم .. حكايات علاجه كانت غريبة وإلى حد ما مريبة".
مشاركة :