رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب يؤكد أنه مستقل و«انتفاضة» اللبنا...

  • 12/20/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

... كأن لبنان يقفز «من شجرةٍ إلى شجرةٍ أعلى» في سلّم المجهول. هكذا اختصرت أوساط واسعة الاطلاع المشهدَ في بيروت أمس من خلف «اللوحة الرقمية» التي أفضتْ إلى تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة في أعقاب الاستشارات النيابية المُلْزمة التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون.وحتى قبل أن يكتمل عدّاد الأصوات التي نالها دياب، الأكاديمي (نائب الرئيس للبرامج الخارجية الإقليمية في الجامعة الأميركية في بيروت) ووزير التربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (2011) والتي بلغت (69 صوتاً)، بدا أن تسميته المشوبة بطبقات عدة من الالتباسات و«العيوب» أبعد ما تكون عن «بداية الحلّ» للأزمة الحكومية التي انفجرت بعد 12 يوماً من «ثورة 17 أكتوبر» التي باغتت الجميع على وهج بدايات الانهيار المالي - الاقتصادي، الذي سرّع من وتيرته دخولُ أطراف السلطة في صراعات وفق قواعد لعبة ما قبل الانتفاضة الشعبية. وقال دياب في أول تعليق بعد تسميته لتشكيل الحكومة المقبلة إنه «مستقل»، مؤكداً للمتظاهرين في الشوارع أن «انتفاضتهم» تمثّله. وتوجّه في كلمة ألقاها بعد لقائه عون والبرلمان نبيه بري في القصر الرئاسي، للبنانيين، بالقول «إنني ومن موقعي كمستقل أتوجه إليكم بصدق وشفافية، أنتم الذي عبرتم عن وطنكم ووجعكم، لأؤكد أن انتفاضتكم أعادت تصويب الحياة السياسية»، مضيفاً «أشعر أن انتفاضتكم تمثلني كما تمثل كل الذين يرغبون بقيام دولة حقيقية في لبنان». وشدد على ان «اللبنانيين لن يسمحوا بعد اليوم بالعودة الى ما قبل 17 أكتوبر». وتابع دياب: «سأعمل جاهداً لتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن حيث سأتوسّع في المشاورات التي ستشمل الحراك الشعبي والقوى السياسية، وسأعمل على تشكيل حكومة تحاكي هواجس اللبنانيين وتنقل البلد من حالة عدم التوازن إلى الإستقرار من خلال خطة إصلاحية واقعية».وقال إن «الاستقرار السياسي والاقتصادي ضرورة قصوى»، مؤكداً أن «جهودنا يجب ان تتركز على وقف الانهيار واستعادة الثقة وحماية ارضنا وثرواتنا ارضا وبحراً». إلى ذلك، تقاطعتْ مناخاتٌ بين أوساط عدة في بيروت عند التعاطي مع «إسقاط» اسم دياب في «ربع الساعة الأخير» عشية الاستشارات وبعيد إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عزوفه عن خوض السباق، على أنه ينطوي في عمقه على نقاط إشكالية «مركّبة» يشكّل كل منها تحدياً و«لغماً» في ذاته، وأبرزها:* ان هذا التكليف أتى بأصوات الغالبية البرلمانية التي يُمْسك بها تحالف فريق عون - الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل») وحلفائهما، الذي مارس للمرة الأولى منذ انتخابات 2018 «أكثريته» ولو باختيار اسم بـ «بروفيل أكاديمي» أُخرج من الجيْب تحت جنح الظلام.* أن الحكومة التي قد تنتج من تسمية دياب، ستكون حكومة اللون الواحد، لاعتباريْن: الأوّل أن «القالب» الذي وُلد التكليف في كنفه يصبّ في «إمرة» حزب الله الذي لم يتوانَ، هو الذي لا يسمّي عادة رؤساء الحكومة، عن إعطاء صوته لمرشّحه هذه المرة وذلك للمرة الثانية بعد تسميته ميقاتي العام 2011 غداة الانقلاب على حكومة الحريري والإطاحة به بـ «الثلث المعطّل» (عُرفت بحكومة القمصان السود). والثاني أن دياب لم يحصل إلا على تسمية تحالف عون - الثنائي الشيعي وحلفائهما ولم يمنحه أي طرف من خارجه ولو صوتاً واحداً أي أن تكليفه كان بـ «أصوات صافية» من هذا التحالف، وهو ما سيمتدّ أيضاً إلى تأليف الحكومة إذ لن يشارك فيها مبدئياً أي مكوّن سياسي (ولو بوزراء اختصاصيين تعيّنهم الأحزاب) آخَر لا من «تيار المستقبل» الذي حسم أمره، ولا حزب «القوات اللبنانية» ولا «الحزب التقدمي الاشتراكي». * أن تسمية دياب انطوتْ على تَجاوُز للشروط التي حدّدها الشارع المنتفض لحكومةٍ برئاسة شخصية من خارج الطبقة السياسية التي طبعتْ المشهد اللبناني، وبتركيبة من خارج المحاصصات الحزبية والسُلطوية المعتادة بما يساعد على انطلاق قطار الإنقاذ والإصلاح وفق المعايير التي حددها المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على الخروج من «الحفرة» المالية - الاقتصادية.* التعاطي مع هذا التكليف من قبل البيئة السنية على أنه يحمل شقّيْن بالغيْ السلبية: الأوّل أنه ينطوي على تجاوُز ميثاقي نافر، يكمّل ما بدأ مع الاصطفاف المسيحي («التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية») الذي رَفَضَ تسمية الحريري رغم اعتباره من دار الفتوى المرشّح الوحيد للطائفة الاسلامية ما جعل تكليف زعيم «المستقبل» ناقصاً (الغطاء المسيحي) وفق منظور الحريري نفسه الأمر الذي دفعه إلى العزوف. ووفق هذه البيئة، فإن دياب افتقد وبشكل فاقع للغطاء السني في التكليف، وهو ما عبّر عن نفسه من خلال نيْله فقط 6 أصوات من أصل 27 نائباً يمثّلون المكوّن السني في البرلمان، بعدما امتنعتْ كتلة الحريري، وهو الأقوى سنياً، عن تسميته (بلغ مجمل عدد الممتنعين 43 نائباً)، ولم يحظَ بأي صوت من رؤساء الحكومة السابقين واكتفى بأصوات كتلة «سنّة حزب الله» (عددهم 6) فيما امتنع الآخرون عن التسمية أو رشّحوا القاضي نواف سلام (كما فعل النائب نهاد المشنوق و13 نائباً آخرين فيما نالت حليمة قعقور صوتاً واحداً). والشق الثاني إعطاء ما اعتُبر «هبوطاً بالباراشوت» لاسم دياب طابعاً سياسياً تم تظهيره سواء عبر أوساط قريبة من «المستقبل» نُقل عنها «لا نعتقد ان وزير التربية في حكومة «القمصان السود» (حزب الله) سيكون مقبولاً لدى الطائفة السنية»، بالتوازي مع صدور أصوات في الشارع السني اعتبرت تكليفه «من ضمن مسارٍ كيدي لاستهداف الطائفة» رافضة ولا سيما في طرابلس «مرشح (الرئيس السوري بشار) الأسد وإيران و»حزب الله».وثمة مَن تعاطى في سياق هذا التفسير مع تَفادي الحريري تسمية أي شخصية لترؤس الحكومة، على أنه إشارةٌ لعدم رغبته في إضفاء طابع ديموقراطي على عمليةٍ تنطوي في عمقها على تجاوزاتٍ ميثاقية وسياسية، وسط توقف الأوساط المطلعة عند عدم ترؤس النائبة بهية الحريري «كتلة المستقبل» عندما زارت القصر الجمهوري أمس في رسالة امتعاضٍ من طريقة التعاطي مع الحريري ومؤشرٍ إلى تموْضع الكتلة في المعارضة في المرحلة التالية.كما توقفت الأوساط عند مجموعة مواقف صبّت في المنحى ذاته أبرزها من رئيس الحكومة السابق تمام سلام الذي تحدث عن «إخراج مدبّر أو معلّب لموضوع التكليف»، والوزير السابق أشرف ريفي الذي اكد أن «مَن يتبرع ليكون رئيساً صُوَرياً لحكومة حزب الله يتحمّل مسؤولية تجربة مريرة جُرّبت في العراق ولبنان». وفي ضوء هذه الإشكاليات الكبرى، شخصتْ الأنظار سريعاً، إلى الحراك الشعبي الذي كان ومنذ ساعات النهار أعطى إشاراتٍ إلى رفضٍ كبير لدياب والمسار الذي «أنْتج تسميته وسط دعوات توالت إلى تحركات على الأرض وخصوصاً في طرابلس التي شهدت مطالبات بقطع واسع للطرق، إضافة إلى مطالبات بتجمعات أمام منزل دياب في بيروت.وبينما كانت الأنظار شاخصة على ما إذا كان دياب سيمضي في التكليف «بلا غطاء سني» وهل سيصمد أمام «غضب» الشارع المنتفض، توقعت أوساط واسعة الإطلاع تبلْور الاعتراض السني على تكليف دياب بأصوات الأكثريتين المسيحية والشيعية في غضون أيام قليلة. وقالت لـ«الراي» إنه «رغم موقف المهادَنة الذي سيمضي به الحريري، فإن تعبيرات عدة سيتخذها هذا الاعتراض ما يجعل الأنظار تتجه نحو دار الفتوى التي ربما تشكل خيمة لموقف يسحب الغطاء عن دياب».ولفتت إلى «أن مسألة تنصيب دياب عبر المكائد التي نُصبت للحريري يشكل كسْراً للتوازن الوطني والطائفي وتالياً فإن الأمر لن يمرّ وخصوصاً أنه لا يمكن الإتيان بمجرّد موظف إلى موقع الرئاسة الثالثة في ظل وجود الأكثر تمثيلاً على المستويين السياسي والشعبي في رئاستيْ الجمهورية والبرلمان»، مشيرة إلى «أن خدعة تحالف عون - الثنائي الشيعي بتعيين دياب على رأس حكومة تكنوقراط والإيحاء بإطلاق يده لن تنطلي على أحد ولا يمكن أن تجعلها حكومة محايدة»، ومعتبرة «ان هذه الحكومة ستكون حكومة مواجهة بقفازات ناعمة يديرها (حزب الله) المُمْسِك بالإمرة الاستراتيجية».وإذ كشفتْ الأوساط نفسها عن أن المجتمع الدولي سيتعاطى ببراغماتية كعادته مع الحكومة المحتملة، توقّعت ألا يمضي وقت طويل لاكتشاف التموْضع الإقليمي الحقيقي لهذه الحكومة، من ضمن ما بدا أنه عملية ملاقاة لتحولاتٍ إقليمية.في المقابل، قلّلت أوساط على بيّنة من مقاربة تحالف عون -«حزب الله» من شأن الاعتراضات، لافتة لـ«الراي» إلى أن دياب سيكون طليق اليد في تشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات المشهود لها والتي تحاكي الحراك، مشيرة إلى ان هذا التحالف سيقدّم أسماء عدة (4) عن كل حقيبة إفساحاً أمام دياب للاختيار من بينها.وكشفت عن أنه جرى «استمزاج» رأي السفارة الأميركية بشأن تسمية دياب وما إذا كان استفزازياً، فجاء صمتُها أوضح جواب، مشيرة إلى تفاهُم على عدم إغراق الرئيس المكلف وحكومته العتيدة بملفات ذات طبيعة حساسة كتطبيع العلاقة مع سورية وإعادة النازحين وترسيم الحدود البرية - البحرية مع إسرائيل.

مشاركة :