تتجه الجزائر في المدى القريب نحو إصلاحات سياسية جديدة، تنفذها السلطة الجديدة في البلاد، وتكون على رأسها مراجعة جديدة للدستور، تقوم على تقويض لما عرف بالصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية وتحديد العهدات الرئاسية بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، وهو ما يعتبر بعيدا عن طموحات ومطالب الشارع المنتفض منذ نحو عشرة أشهر. أعلن الرئيس الجزائري الجديد عبدالمجيد تبون، في أول خطاب له على هامش مراسيم أداء اليمين الدستورية واستلام المهام من رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح الخميس عن مراجعة جديدة لدستور البلاد تكون خلال الأشهر أو الأسابيع المقبلة، يكون مضمونها إصلاحات سياسية جذرية للوثيقة التشريعية الأولى في البلاد. وحسب ما ذكرته الرئاسة الجزائرية، عين الرئيس الجزائري الجديد وزير الخارجية صبري بوقادوم رئيسا للوزراء بالنيابة خلفا لنورالدين بدوي. وكشف تبون عن بعض معالم الدستور المنتظر، كتقويض الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية خلال العشريتين الأخيرتين، وتحديد العهدات الرئاسية بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، مع إصلاحات سياسية جذرية أخرى لنمط الحكم في البلاد، بما يتماشى مع مطالب ما وصفه بـ”الحراك المبارك”، الذي “أنقذ البلاد والمؤسسات من الانهيار”. وقال “إن الدستور المعدل سيكرس الفصل الحقيقي للسلطات التنفيذية، التشريعية والقضائية، ويحمي الحريات الفردية والجماعية وحق التظاهر والإعلام، فضلا عن أخلقة العمل السياسي والاستمرار في مكافحة الفساد”. وبالتعديل المنتظر قريبا، يكون الدستور الجزائري قد كرس هشاشة الاستقرار السياسي في البلاد خلال العقود الأخيرة، حيث تم تعديله جزئيا ثلاث مرات خلال فترة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وهذه المرة الرابعة. وينتظر أن يكون التعديل الدستوري محاولة أولى من الرئيس الجديد لكسب شرعية شعبية وسياسية جديدة، تقطع مع الشكوك واللغط المثار حول الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في ظل المقاطعة الشعبية الواسعة للاستحقاق الرئاسي، وحيازة الرئيس الجديد فقط على خمس تعداد الجزائريين المدونين في لوائح الاقتراع (أقل خمسة ملايين من ضمن أكثر من 24 مليونا). وفيما أكدت احتجاجات الثلاثاء الماضي لطلبة الجامعات رفضهم للانتخابات الرئاسية وللرئيس الجديد، ينتظر أن تكون الاحتجاجات الأسبوعية الجمعة أول رد فعل من الشارع على العرض السياسي الجديد. ينتظر أن يكون التعديل الدستوري محاولة أولى من الرئيس الجديد لكسب شرعية شعبية وسياسية جديدة، تقطع مع الشكوك واللغط المثار حول الانتخابات الرئاسية الأخيرة وصرح في هذا الشأن الإعلامي والناشط السياسي حكيم ستوان، لـ”العرب”، بأن “الحراك الشعبي يواجه ويتعامل مع رئيس الأمر الواقع والواجهة السياسية الجديدة للنظام، بعد تعاملنا مع واجهتها العسكرية منذ قرابة 10 أشهر كاملة”. ولفت إلى أن “خطاب رأس النظام الجديد خلال أدائه اليمين الدستورية، هو خطاب النوايا فقط، لا يعكس الواقع”. وشرح بقوله “في الوقت الذي كان فيه الرئيس المعين والمفروض على الجزائريين عبدالمجيد تبون يقسم باحترام الحريات وحق التجمهر، كانت في ذلك الوقت محكمة سيدي محمد تدين شابا وشاعرا من الحراك بـ18 عاما حبسا نافذا، وذنبه في ذلك أنه ألقى شعرا يهجو النظام القائم في مسيرات الحراك”. وعلى الرئيس الجديد التعامل مع حركة احتجاجية قوية لم تتراجع منذ بدايتها قبل عشرة أشهر، بمطلب أساسي هو رحيل كل رموز النظام، وهو مطلب رفضته جملة وتفصيلا القيادة العليا للجيش التي تتحكم بالسلطة منذ استقالة بوتفليقة. واعتبر ستوان أن ذلك “إشارة صريحة بأن الانتقال الديمقراطي لن يتحقق قريبا، وأن النضال مازال طويلا لتحقيق ذلك، ثم إن خطاب رئيس الأمر الواقع هو أنه تجاهل التطرق لسجناء الحراك وإمكانية على الأقل إطلاق سراحهم عن طريق عفو رئاسي كبادرة حسن نية، وإجراء لتهدئة النفوس وبعث رسالة أمل وطمأنة للشعب والحراك ككل”. ويسود الاعتقاد في الجزائر بأن لكل رئيس دستوره على مدار توالي الرؤساء السابقين على قصر المرادية، مع تحقيق الرئيس السابق لرقم قياسي حيث قام بتعديله ثلاث مرات، وهو ما أفقد الوثيقة التشريعية الأولى في البلاد قدسيتها وقيمتها لدى الرأي العام. وذكر في هذا الشأن حكيم ستوان أن الجزائريين “ألفوا أن يكون لكل رئيس دستوره، وتبون لن يكون استثناء، فالدستور سيقع تفصيله من طرف نفس الجهات والأشخاص المحسوبين من النظام القائم”. وأضاف المتحدث، في إشارة إلى بعض التوازنات الداخلية التي تصنع القرار السياسي في البلاد، وتدخل في صلب المطالب الشعبية، أن “النقطة المهمة التي لم يتكلم عنها هي تمدين الحياة السياسية وإبعاد المؤسسة العسكرية عن التعاطي مع الشأن السياسي والتدخل في الشأن العام، واختراق نشاط المجتمع المدني وتوجيه الصحافة والعدالة، وتحييد نفوذها، وتأسيس لعلاقة مؤسسة الجيش مع باقي مؤسسات الدولة، وهو لب الصراع القائم ومحور النقاشات من أجل المرور والانتقال إلى جمهورية الحق والقانون والمؤسسات لا الأشخاص أو الأمزجة”. وخلص المتحدث إلى أن “ما جاء في خطاب تبون، لا يلبي لا من قريب ولا من بعيد مطالب الحراك ومشاغل الشعب، أما بالنسبة للحوار مع الحراك فإنه مادام الرئيس المعين لم يتخذ قرار إطلاق سجناء ونشطاء الحراك، وعلى رأسهم لخضر بورقعة، كريم طابو، وباقي المعتقلين ومن بينهم صحافيون ومدونون، فأظنه حوارا مفخخا وحيلة لتفجير الحراك من الداخل، وخطة لضرب تماسكه وخلق فتنة بين مكوناته، لإضعافه والقضاء عليه نهائيا”. وفاز تبون من الدورة الأولى بـ58.13 بالمئة من الأصوات، لكن هذه النسبة بالكاد تخفي حقيقة أنه تم انتخابه بنسبة 20 بالمئة فقط من الناخبين المسجلين. فقد بلغت نسبة المشاركة 39.88 بالمئة، وهي الأدنى على الإطلاق مقارنة بجميع الانتخابات الرئاسية التعددية في تاريخ البلاد.
مشاركة :