دخل العراق في عالم المجهول، بعد فشل الكتل العراقية في البرلمان، أمس، في تحديد شخصية جديدة لرئاسة الحكومة، مع انتهاء مهلة الـ15 يوماً التي يمنحها الدستور للبرلمان لاختيار خليفة لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.وباتت الكرة الآن في ملعب الرئيس العراقي برهم صالح، الذي ينتظر أن يتولى بنفسه مهام رئيس الوزراء المستقيل، بحكم الأمر الواقع، لمدة 15 يوماً، على أن يكلف خلالها مرشحاً جديداً، وفق المادة 81 من الدستور.لكن نواباً من كتل برلمانية مختلفة قاموا بمخالفة أحزابهم، ووقّعوا على عريضة سلمت لرئيس الجمهورية، رشحوا فيها شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، وهو الوزير السابق محمد توفيق علاوي.وأكد رئيس كتلة «بيارق الخير» في البرلمان العراقي محمد الخالدي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «175 نائباً في البرلمان خالفوا رأي زعامات أحزابهم ورؤساء كتلهم لغرض ترشيح شخصية مقبولة لرئاسة الحكومة بخلاف بورصة الأسماء المطروحة، التي بلغت أكثر من 20 اسماً حتى الآن». وهو محمد توفيق علاوي المقيم خارج العراق، وابن عم رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي.وأضاف الخالدي أن النواب المعنيين قدّموا تواقيعهم إلى رئيس الجمهورية برهم صالح، أمس (الخميس)، وهم يمثلون أكثر من الغالبية المطلقة لعدد النواب المطلوبين لنيل رئيس الحكومة الثقة، وهي النصف زائد واحد، وهي بالنسبة للبرلمان العراقي 165 نائباً، مبيناً أن الرئيس يفترض أن يصدر مرسوم التكليف يوم السبت، برغم أن المهلة الدستورية انتهت (أمس). ووفقاً لتفسير سابق للمحكمة الاتحادية باحتساب العطل الرسمية ضمن المهلة الدستورية، وبالتالي فإن المهلة تم تمديدها تلقائياً لمدة يومين.وكان مصدر في رئاسة الجمهورية أعلن أن «كتلاً سياسية طلبت من رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح تمديد المهلة لمدة يومين، طالما الجمعة والسبت عطلة، لاستكمال المشاورات حول المرشح لمنصب رئيس الوزراء». وطبقاً للمعلومات المتداولة في بورصة أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة المقبلة في العراق بعد استقالة عادل عبد المهدي، فهي تكاد تنحصر بين قصي السهيل وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي تراجعت حظوظه بسبب رفض ساحات التظاهر له، فضلاً عن كتل «سائرون» و«الحكمة» و«النصر»، ومصطفى الكاظمي مدير جهاز المخابرات، وأسعد العيداني محافظ البصرة، وقاضي صدام حسين السابق رائد جوحي. بينما خرق أكثر من 175 نائباً مبدأ التوافقات الذي سارت عليه العملية السياسية في العراق بترشيح الوزير السابق محمد توفيق علاوي.إلى ذلك، حذر عضو البرلمان العراقي فائق الشيخ علي المتظاهرين من لعبة سياسية تحاك لإقناع رئيس الجمهورية برهم صالح بتنصيب شخصية مهزوزة لرئاسة الوزراء. وقال الشيخ علي، الذي قدم أوراق ترشيحه للمنصب إلى رئيس الجمهورية، لكنه جاوبه برفض غير متوقع من ساحات التظاهر، في تغريدة له على حسابه «تويتر»: «أيها المرابطون في ساحة التحرير، بعد قليل ستذهب دماؤكم سدى! لأن عدداً من رؤساء الكتل والنواب يحاولون إقناع السيد رئيس الجمهورية بتكليف شخصية سياسية مهزوزة بتشكيل الحكومة... حكومة محاصصة تديرها الأحزاب، سيمررها مجلس النواب. إنهم يتآمرون على الشعب».والبرلمان الحالي هو الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث. وقد فشل النواب الأربعاء في الاتفاق على إعادة صياغة قانون الانتخابات، وهو الإصلاح الأكبر الذي قدمته السلطات إلى المحتجين، ورفعوا الجلسة حتى يوم الاثنين.ومنذ موافقة مجلس النواب في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الحالي على استقالة حكومة عادل عبد المهدي، بدأت بورصة السياسة تداول أسماء عدة، بعضها كان جدياً، وأخرى كانت أوراقاً محروقة لاستبعادها.لكن 3 أسماء طرحت مؤخراً في «المزاد»، وهي وزير التعليم العالي قصي السهيل، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، ورئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي.والسهيل عضو سابق في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وانضم فيما بعد إلى كتلة دولة القانون، التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وإن كانت حظوظ السهيل مرتفعة في الساعات الأخيرة، إلا أن كون المشاورات في العراق كصندوق أسرار تخرج منه المفاجأة في الوقت بدل الضائع، يجعل من الصعب التكهن بشكل نهائي.فالأسبوع الماضي، كان الاسم الأكثر تداولاً هو السوداني، الذي أعلن استقالته من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون، التي ينتمي إليها أيضاً. لكن أسهمه تراجعت بين ليلة وضحاها، من دون معرفة الأسباب.وأكدت مصادر مقربة من المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن السوداني حاول مقابلة آية الله علي السيستاني، لكنه لم ينجح في ذلك، ما اعتبره البعض فيتو.لكن المرجعية أعلنت سابقاً عدم مشاركتها في أي مشاورات أو مفاوضات وسحب يدها من مباركة أي اسم يطرح، خلافاً للسنوات الـ16 الماضية، حين اضطلعت بدور حاسم غير مباشر في رسم المسار السياسي للبلاد.يبقى اسم الكاظمي داخل درج رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي «يراهن على اللحظات الأخيرة» لتقديم مرشحه، وهو ما يضمنه له الدستور، وفق مصادر سياسية. لكن الصعوبة تكمن في أن الكاظمي محسوب على الولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب أن يحظى بموافقة طهران، إلا في حال تسوية.وبينما تستمر الفجوة بين المسؤولين والمتظاهرين في الاتساع، بعد نحو شهرين ونصف الشهر من الاحتجاجات والعنف، تثير الصواريخ التي تتساقط بين الفينة والأخرى على قواعد عسكرية تؤوي جنوداً أميركيين، قلق واشنطن.ومنذ 28 أكتوبر (تشرين الأول)، وقع 10 هجمات بصواريخ ضد قواعد تضم عسكريين أميركيين أو السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وسط بغداد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن أي من تلك الهجمات، لكن واشنطن تتهم غالباً الفصائل المسلحة الموالية لإيران. وازداد قلق الولايات المتحدة من تلك الهجمات؛ خصوصاً أنها تنوي إرسال ما بين 5 إلى 7 آلاف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط.وأكد مصدر أمني عراقي لوكالة الصحافة الفرنسية الاثنين «دخول أرتال عسكرية أميركية محملة بالأسلحة إلى المنطقة الخضراء، بعد الحصول على موافقات رسمية». وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته أن «الأرتال العسكرية مكونة من 15 ناقلة تحمل عجلات هامر مع أعتدة وأسلحة أميركية».
مشاركة :