صراحة – محمد المحسن :ألقى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي خطبة الجمعة بالمسجد الحرام حيث بدأها بحمد الله –جل وعلا- والثناء عليه ثم قال: أمة الإسلام إن الإيمان باليوم الآخر، من أعظم القضايا التي جاءت بها الرسل، ونزلت بشأنها الكتب، فما من نبي إلا ذكّر أمته به، فهو أحد أركان الإيمان الستة، ففي حديثِ جبريل عليه السلام، ((قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))، رواه مسلم. ولعظم هذا اليوم؛ أكثر سبحانه من ذكره في القرآن العظيم، وبين أحواله وأهواله، وحذّر من نسيانه والغفلة عنه، وأمر عباده بالاستعداد له، وسماه بأسماء كثيرة، فهو يوم الحاقة، والقارعة، والصاخة، والقيامة، وهو يوم الدين، ويوم الفصل، ويوم التغابن، وهو يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ويلتقي فيه أهل السماوات والأرضين، ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾. مبيناً أحوال يوم القيامة بقولة: أيها المؤمنون بالله ورسوله إذا جاء يوم القيامة، أمر الله تعالى إسرافيل عليه السلام، بأن ينفخ في الصور، فتمور السماء مورا، وتسير الجبال سيرا، وَيَصْعَقُ كُلُّ من في السموات والأرض، ولا يبقى إلا الله جل جلاله، الواحد الأحد، الملك الصمد، ثم يأمر سبحانه وتعالى، بأن تُمطِر السماء، فينبُتُ الناس في قبورهم كما ينبُتُ البَقْلُ، وينفخ إسرافِيلُ عليه السلام في الصور، نفخة البَعثِ والنُّشُور، فتُعادُ الأرواحُ إلى أجسادِها، وتتشقَّقُ القُبُورُ عن أهلِها، ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾. وتطرق فضيلته إلى أن الحقوق في ذلك اليوم محفوظة مصونة، ﴿الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء، وكلُّ من كانت عليه مظالم للعباد، فإنهم يأخذون من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات، فإنه يؤخذ من سيئاتهم فتُطرح عليه، ثم يلقى به في النار. منبهاً إلى أن أعظم ما يعده العبد، للقاء الله تعالى، هو توحيده وافراده بالعبادة، فكلمة التوحيد، هي أعلى شُعب الإيمان، وأثقلُ شيءٍ في الميزان، فعن عَبْدَ اللَّهِ بْن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيَهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ، مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ))، رواه ابن ماجه بسند صحيح، ومن مات على شيئ بُعِث وحُشِر عليه، إن خيرا فخير، وإن شرّاً فشرّ، فمن الناس من يُبعثُ مُلبِّيًا، لأنه مات محرما، ويأتي الشهيد وجُرْحُهُ يَثْعُبُ دمًا، اللَّونُ لَونُ الدمِ، والرِّيحُ رِيحُ المِسكِ، وكُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يوم القيامة، حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ. وأضاف فضيلته: في ذلك اليوم، يكرم الله رسولنا صلى الله عليه وسلم، بحوض عظيم، ماؤه أبيضُ من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيبُ من المسك، تُرى فيه أباريق الذهب والفضة، كعددِ نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وفي تلك العرصات، يأتي القرآن الكريم، شفيعا لأصحابه، تتقدمه سورة البقرة وآل عمران، تظلل صاحبها وتدافعان عنه، ففي صحيح مسلم، قال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا))، ويُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا. ثم أشار فضيلته إلى حال الأشقياء يوم القيامة بقولة: وأما من أعرض عن ذكر الله، فإنه يحشر يوم القيامة أعمى، ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾، وثَلَاثَةٌ في ذلك اليوم، لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وأما المتكبرون، فإنهم يحشرون أمثال الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم؛ احتقاراً لهم، ولِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ، وآكل الربا، يخرج من قبره إلى أرض المحشر كالمجنون، ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾، وأما الكافرون الجاحدون، فإنهم يحشرون عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا، وفي الصحيحين، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: ((أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟))
مشاركة :