هل يتعين على روسيا التدخل في الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية؟

  • 12/20/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لدى اليهود ما يسمى بالـ "خوبتسا" أو ما يمكن تسميته بالعربية الكذب بوقاحة وجرأة لا حدود لها. تخيل أن أحدهم يصرخ نحوك بالنداء، فترى شخصا يقف بجانب جثة قتيل وبيده خنجر يقطر دما، فتسأله: ماذا حدث؟ فيجيبك على رؤوس الأشهاد: لقد قتلته أنت، ثم يضع الخنجر في يدك، ويبدأ في شرح تفاصيل جريمتك "أنت" أمام الجميع. أن تتصرف على هذا النحو، دون أدنى شعور بالخجل أو وخز للضمير هو ما يسمى "خوبتسا". كان هناك اعتقاد سائد في عدد من الدول النامية، وأيضا في روسيا وفي السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفيتي، وعقب انهياره، بأن الغرب جنة الديمقراطية، حيث تمثل الحكومات إرادات الشعوب، وتحترم حقوق الإنسان، ويمتلك أي مواطن عادي صوتا له وزنه. هذا ما علمته إيانا أفلام هوليوود ووسائل الإعلام الغربية. بل إن الغرب صدّق دعايته عن نفسه، ومضى يستخدم شعار "نشر الديمقراطية" واجهة لعدوانه ضد عدد من الدول. وكان واقع النجاح الاقتصادي الغربي في كثير من الأحيان يخفي وراءه التناقض ما بين هذه الشعارات والواقع. لكن العقود الأخيرة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، زادت من حدة التناقض الذي تعانيه المجتمعات الغربية، فتمادت الحكومات في الكذب على شعوبها وانتهاك حقوق مواطنيها، حتى أصبح الأمريكيون والأوروبيون لا يصدقون أن مجتمعاتهم تقوم على العدل، وما عادوا يصدقون حكوماتهم، وهو ما يظهر جليا في التصويت الانتخابي الاحتجاجي واسع النطاق، وفي الأزمات السياسية المستمرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفي أنحاء أوروبا. لكن الغرب لا يلتفت إلى انتهاكاته هو للحقوق والحريات، ويستمر في "نشر الديمقراطية" لدول أخرى، بينما يتدخل في شؤونها علانية، بوقاحة، وتحت ستار الشعارات الديمقراطية، ويناقش حقوق الإنسان، بينما تستعر "خوبتسا" الغرب وتشتد قوتها مع اتساع هوة التناقض بين الأقوال والأفعال. فيما يخص روسيا، فإن أول مثال واضح ووقح على المعايير المزدوجة، التي ينتهجها الغرب، هو حرمان المواطنين الروس، ممن يقطنون جمهوريات البلطيق، المنضمة للاتحاد الأوروبي، من حقوقهم. ثم جاءت أحداث أوكرانيا، حيث أقدمت الأيدي النازية، تحت شعار "الصراع من أجل الديمقراطية"، على الانقلاب على السلطة الشرعية، وبدأت منذ ذلك الحين حملاتها ضد المواطنين الروس، والناطقين باللغة الروسية، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الأوكرانية. وفي كلتا الحالتين غضت أوروبا بصرها عما يحدث، وزعمت أن كل شيء على ما يرام، بل وشاركت في القمع والجرائم. كذلك من الممكن العودة بالذاكرة لما حدث من اضطهاد تعرضت له قناة RT في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ومنع دخول الصحفيين الروس، وقتل واعتقال الصحفيين المستقلين في أوكرانيا، وختاما ها هي السلطات الإستونية، تهدد موظفي قناة سبوتنيك بالسجن إذا لم يتقدموا باستقالتهم من القناة قبل نهاية ديسمبر الجاري. إن حرية الكلمة في الغرب توجد فقط لدى أولئك الذين يقولون "الحقيقة" التي تراها السلطة، بينما يقمع الغرب الحريات "من أجل حرية الكلمة". منذ أيام وافق الكونغرس الأمريكي على حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا. لقد توقفنا نحن الروس عن عدّ هذه الحزم من العقوبات، ولم نعد نهتم أصلا بهذه النوعية من الأخبار، نظرا لكون العقوبات أصبحت تنهمر علينا كل يوم، ولا يتغير شيء في حياتنا. إلا أن السؤال المطروح هو: لم لا تهدأ الولايات المتحدة الأمريكية، وتكرر فرض حزمة جديدة من العقوبات بين الحين والآخر، دون أن يكون لهذه العقوبات تأثير يذكر؟ أعتقد أن تفسير ذلك بسيط، فالولايات المتحدة الأمريكية تواجه للمرة الأولى في تاريخها نفس السلاح الذي تستخدمه: "الخوبتسا". فروسيا لم تشارك في الأزمة الأوكرانية بتاتا، ولا ولم يوجد يوما هناك جنود روس، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعجز عن تحقيق أهدافها هناك، ولن تحققها. في سوريا تظهر روسيا استعدادا تاما للتعاون جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة الإرهاب، إلا أن الولايات المتحدة تفقد مواقعها واحدا تلو الآخر. ولن أمضي الآن في عدّ الأمثلة في الأعوام الأخيرة، التي كانت فيها روسيا تتصرف أمام الولايات المتحدة الأمريكية، بنفس الكيفية التي تتصرف بها الولايات المتحدة الأمريكية مع بقية العالم. أعتقد أن "رسالة" الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للغرب بسيطة للغاية: إذا كان الغرب يريد "لعبة بلا قواعد" فسوف يحصل عليها، وسوف تتعامل روسيا بالمثل. وروسيا لا تتعمد نشر هذه الرسالة، لكنها أيضا لا تخفيها. وهذا ما يراه الزعماء الآخرون بمرور الوقت، ويتعاملون بنفس الكيفية، كما فعل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية بثقة ويضغط على مواضع الألم لديها. فالأذكياء هم من يدركون طبيعة هذا الموقف، أما زعماء الغرب فلم يدركوه بعد. لقد عرضت روسيا على الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة التوصل لاتفاق، يمنع الدول من التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية عادة ما ترفض، لأنها تعتقد أنها لا زالت تكتب قواعد اللعب للجميع، وتضغط على استثنائيتها وحقها في كتابة هذه القواعد. لكن ماذا عسانا نقول: التاريخ يرشد من يتفقون معه، وأما الرافضون له فيجرّهم. لم تتدخل روسيا، بالطبع، في انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية، ولا أعتقد أن في نيتها التدخل. لذلك أرى أنه من أجل الأمريكيين أنفسهم، ومن أجل الحفاظ على الديمقراطية، أو دعنا نقول، من أجل إرساء دعائمها في نهاية المطاف داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لا يتعين على روسيا أن تعيق الأمريكيين عن الاختيار المناسب. فكل الأمور هناك، ودون أي تدخل روسي، تسير في الطريق الصحيح بصرف النظر عن خيار الأمريكيين.. المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفةتابعوا RT على

مشاركة :