الإنسان الرزين الوقور ينال دائمًا وأبدًا تقدير الناس وثقتهم كما ينال احترامهم وإجلالهم، والثرثار دائمًا موضع الاستخفاف.. ومما لا ريب فيه أن الحياة تتطلب إنسانًا متزنًا ينفق كلامه في حكمة وروية، ويؤثر الصمت في معظم أحواله وجلَّ أوقاته، لأن الصمت دليل الرزانة وعنوان الوقار. وما أعظم وأجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما جعل الصمت للنجاة من كل ما ينغص حياة المرء والسلامة من كل ما يعكر صفوه ويكدر عيشه (من صمت نجا). ولقد سئل النَّبي (صلى الله عليه وسلم) عن النجاة، فقال لسائله: «أمسك عليك لسانك». وما أصدقه حين اعتبر أن حسن الخلق والصَّمت أفضل ما تجمل به الخلائق، عليك بحسن الخلق وطول الصَّمت، فو الذي نفسي بيده تجمل الخلائق بمثلها.. (الصَّمت سيد الأخلاق)، أما الثرثرة فإنها تذهب بهاء المرء ووقاره، وتضع من قدره وشأنه، وما أصوب الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين يصفها بأنها سبب لمتاعب المرء، وحين يجعل الثرثار أبغض الناس إليه، وأبعدهم منه مجلسًا، (كفى المرء كذبًا أن يحدث بكل ما يسمع)، وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! (إن من أبغض إلي وأبعدهم مني مجلسًا، الثرثارون والمتفيقهون والمتشدقون). إن أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر، فلا تستقيم شؤون الحياة لفرد أو جماعة إلا إذا علت كلمة الحق، وقد وجدت رجولة تساندها وشجاعة تؤيدها.. والحق أن الشجاع دائمًا يجهر بالحق من دون أن يبالي بوعد أو وعيد. وعلى هذا النحو الحكيم كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يأخذ صحابته بالتوجيه الخير والإرشاد المبين، كان يضع أمامهم سبل الحياة نيرة مستقيمة ليأخذوا بأسبابها، ويمشوا في مناهجها بحيث لم يترك صغيرة ولا كبيرة تستوعب الحياة إلا وترك لهم فيها منارًا يهتدون بهديه، ويمشون في حياتهم على أنواره. وإذا كان الصمت يفتقر دائمًا إلى الشجاعة، فإن الشجاعة هي الأخرى تحتاج دومًا إلى العصامية، فما أحوج الإنسان إلى أن ينشأ عصاميًا، يعتمد على نفسه غير معول على أحد، وما أحوج كل إنسان أيضًا إلى أن يربي نفسه تربية استقلالية، رجلًا مكتمل الرجولة في كل شيء، وقد كان عظيمًا من سيد الخلق محمد (صلوات الله وسلامه عليه) أن يهتم بهذه التنشئة، وتلك التربية اهتمامًا بالغًا، فينهى أن يكون إمعة لا رأي له، يسير مع الناس حيثما ساروا.. لذا فمن الحكمة أن يوطد الإنسان نفسه للسير على هدى تعاليم الإسلام الخالدة، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والبغي، وأن يوطن نفسه أنه أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن يتجنبوا إساءتهم.
مشاركة :