غداة تكليف الوزير السابق حسّان دياب تأليف الحكومة الجديدة في لبنان، بأصوات 69 نائباً، ضجّ المشهد الداخلي بتساؤلات عمّا إذا كان سينجح في هذه المهمّة، في ضوء ارتفاع الأصوات المشكّكة بـ«ميثاقيّة» هذا التكليف، ووسط ردود الفعل الاعتراضيّة عليه، سواء من جهة الانتفاضة الشعبيّة، المستمرّة منذ 17 أكتوبر الماضي، والتي وجدت فيه بعض مكوّناتها عنصراً استفزازياً لها ولا يلبّي ما طالبت به، أو من جهة مناصري تيار «المستقبل» الذين عبّروا عن تمسّكهم بسعد الحريري، بتحرّكات شاركت فيها مكوّنات أخرى من الحراك الشعبي. وشكّل تكليف دياب، في نظر القوى السياسيّة التي سمّته في الاستشارات النيابيّة المُلزِمة أول من أمس، جسر العبور إلى حلّ الأزمة القائمة، إلا أنّ ما شاب هذا التكليف، من ثغرات، أفقدته من جهة التغطية السنيّة المحصِّنة له مذهبياً وسياسياً، ومن جهة ثانية، المظلّة السياسيّة الواسعة التي لم تتوافر في ظلّ الانقسام السياسي الواضح حول اسم الرئيس المكلف، بحيث بدا تكليفه وكأنّه تكليف من لون سياسي واحد، يذهب تلقائياً نحو تشكيل حكومة من وحيه، أي حكومة اللون الواحد. وعلى الرغم من أنّ الرئيس المكلّف سعى، في البيان الذي تلاه بعد قبوله مهمّة التكليف، إلى توجيه ما بدا أنّها رسالة تطمين للمعترضين عليه، بأنّه شخصية مستقلّة، تستمدّ قوّتها من الحراك الشعبي وتركن إلى مطالباته، فإنّ بيانه لم يُغرِ بمضمونه المحتجّين، ولا استطاع أن يلغي الحكم المسبَق، ليس فقط عليه والذي علا في أصوات المحتجّين، بل على حكومته، إذا تمكّن من تشكيلها، وإحاطتها بصفات، بدأت باعتبارها «حكومة حزب الله» أو «حكومة مواجهة» مع الداخل والمجتمع الدولي، ولم تنتهِ باعتبارها «حكومة السياسيّين المرتزقين القافزين فوق حراك الشعب ووجعه». مشهد التأليف وفي المحصّلة، يبقى أن تتبلور أكثر فأكثر مشهد التأليف، على وقع معطيَين متلازمَين: الأوّل يتمحور حول كيفيّة تطوّر حركة الشارع تفاعلاً مع تكليف دياب من جانب «قوى 8 آذار» بمعزل عن متطلّبات المرحلة شعبياً. أما المعطى الثاني، فسيرتكز على مجريات المشاورات غير الملزِمة التي سيعقدها الرئيس المكلّف اليوم في المجلس النيابي مع الكتل النيابية، والتي وعد بأن يوسّع مروحتها لتشمل القوى السياسيّة والحزبيّة وقوى الحراك الشعبي، ليتضح في نتيجتها «خيط التكنوقراط» الأبيض من الخيط السياسي الأسود في بنية تشكيلته المرتقبة. وفي السياق، يشار إلى أن تكليف دياب تشكيل الحكومة الجديدة بأغلبية 69 صوتاً، بينهم ستّة نوّاب سنّة فقط، هم نواب «اللقاء التشاوري» الخمسة المتحالفين مع «حزب الله» بالإضافة إلى عضو «كتلة التنمية والتحرير» قاسم هاشم. أما النتيجة، فأحدثت لدى مجموعة من السياسيّين من فريق ما كان يُسمّى بـ«14 آذار» حالة يمكن وصفها «بالانقلاب السياسي»، الذي يشبه إلى حدّ بعيد انقلاب «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ» على حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية، في عهد الرئيس ميشال سليمان، والذي جاء بالرئيس نجيب ميقاتي في 13 يونيو من العام 2011 بحكومة سُمِّيت في حينه بحكومة «اللون الواحد» أو «حكومة حزب الله».طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :