مثلما يخبرنا علم الجيولوجيا، فإنه حتى الانفجارات المفاجئة تقف وراءها سوابق طويلة، غالباً عتيقة. وتتفاقم التشققات باستمرار وتتزايد الضغوط، ويحدث كل هذا على نحو قد يبدو غير لافت حتى يوم معين يشهد الانفجار الكبير.في أستراليا، وخلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، أطلق اثنان، وليس واحد، من المدربين حمم الغضب خلال المؤتمر الصحافي الذي يعقد بعد المباريات، وهو أمر كان متوقعاً تماماً، وذلك بالنظر إلى أنه تسبقه مواقف محفزة متكررة تتمثل في أخطاء مروعة من جانب حكم الفيديو المساعد، وكذلك أخطاء فاحشة في تطبيق قاعدة لمس اليد الجديدة التي أقرها الاتحاد الدولي لكرة القدم.وبناءً على مقاطع الفيديو المتاحة، من الصعب إيجاد سبب كاف لاحتساب ركلة جزاء فيما يخص شد بيرمين شويغلر لقميص دينيس غنرو، وهو ما فجر قنبلة الغضب من جانب مدرب ويسترن سيدني واندررز، ماركوس بابل بعد المباراة.إلا أنه بفضل الغموض الأنيق لعبارة «خطأ واضح وجلي» - عبارة تضرب بجذور عميقة في التقدير الذاتي لدرجة أن المرء ليتخيل حشدا من الفلاسفة اليونانيين يجلسون أسفل الشجر ويتناقشون في حدود واضحة لهذه العبارة - ليست لدينا اليوم أدنى فكرة عن الأساس الموضوعي الذي اعتمد عليه حكم الفيديو المساعد في قراره عدم إلغاء قرار كريس بيث المبدئي.وهنا حالة الحيرة الشديدة التي يتسم بها عصر حكم الفيديو المساعد، فهو بإمكانه إصدار أحكام فيما يخص التسلل بدقة بالغة تتعلق بميليمتر واحد فقط، بينما في الوقت ذاته تأتي قراراته شديدة الغموض فيما يخص مراجعته لقرارات حكم الساحة الأصلي.بالنسبة لمارك رودان، وبعد أن شاهد فريقه ويسترن يونايتد وهو يحرم من ركلتي جزاء وليس واحدة خلال مباراته أمام مارينرز التي خسرها بنتيجة 1 – 0، جاءت القواعد الجديدة التي أقرها مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم بخصوص لمس الكرة باليد على نفس المستوى من الغموض والإرباك.جدير بالذكر أن خبراً صحافياً نشر عام 2018 تحت عنوان «اللجان الاستشارية لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم تحرز تقدماً على صعيد لمس الكرة اليد»، أفاد بأن «اللجان الاستشارية عقدت مناقشة تفصيلية وبناءة حول كيف يمكن تحسين قانون التعامل مع كرات اليد لتوضيح ما الذي يشكل لمسة يد للكرة وبالتالي ضمان تطبيق القانون على نحو أكثر اتساقاً».ومثلما الحال مع حكم الفيديو المساعد، تظهر الكلمات المبهمة من جديد، هذه المرة في اعتبار لمسة اليد من وضع «طبيعي» أو «غير طبيعي». وعن ذلك، قال رودان وهو في حالة غضب جامح: «ما هو الطبيعي وما هو غير الطبيعي - ليست لدي فكرة حول هذا الأمر. ولا أفهم هذه العبارة».أما اللاعب الواقع في قلب الحادثة الأولى، فهو زيغي جوردون من سنترال كوست، والذي أعرب عن حيرة مشابهة وقال: «المشكلة أنه لم يعد بمقدور المرء فهم القواعد هذه الأيام. لقد بذلت قصارى جهدي وحاولت التصدي لكرة مع إبقاء يديّ بجانبي».ومثلما أوضح رودان عن حق، فإنه في خضم هذا الارتباك والغموض الشديد، من الصعب على المدربين حتى تدريب مدافعيهم على الدفاع. احتسبت حركة يد غير طبيعية لتجنب صفعة على الوجه؟ حسناً. احتسبت حركة يد غير طبيعية لوضع اليد خلف الجسد؟ لا بأس. ومع هذا، فإن التصدي بيد غير طبيعية خلال الأسبوع الافتتاحي من الموسم الأسترالي كانت عقوبته احتساب ركلة جزاء.في ثقافة سكان جزر هاواي، يطلقون على آلهة البراكين اسم بيليه. ويرتبط هذا الاسم في عالم كرة القدم بالمرح والشهر، لذا من غير المستغرب أن حكم الفيديو المساعدة وقاعدة لمس اليد الجديدة من جانب مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم يدفعان المدربين للانفجار مثل البراكين.ورغم أن هذه القضايا تضرب بجذورها لعمق أبعد بكثير عن الحدود المتواضعة للدوري الأسترالي الممتاز، فإن كلا المدربين مخضرم بما يكفي وذكي في التعامل مع وسائل الإعلام، ما يتيح له إدراك حقيقة ما يفعله بإثارته هذه القضايا عبر الإعلام.وقال رودان: «لست هنا لأحاول تجنب اللوم، وليس هناك ما يستدعي اتخاذ موقف الدفاع أمامه. لقد لعبنا بصورة جيدة للغاية».جدير بالذكر أنه رغم التحسن الكبير الذي طرأ على أدائهم عن الموسم الماضي، ما يزال مارينرز فريقاً مؤهلاً للخسارة. وقد أثبت ملبورن سيتي هذا بوضوح منذ أسبوعين. وأثبته أديليد مجدداً الأسبوع الماضي. أما مسألة كيف أخفق ويسترن يونايتد في التغلب على فريق خاض 36 مباراة على التوالي دون أن يخرج من واحدة منها بشباك نظيفة، فجديرة بإجراء تحقيق بوليسي.إنه فريق جرى بناؤه أولاً وأخيراً كي يكون صلباً دفاعياً، ثم يبدأ في التحول للهجوم، يواجه صعوبة أمام الفرق التي تفشل في فرض اللعب. ويبدو هذا سؤالاً منطقياً أمام رودان؛ خصوصاً بعد الهزائم المتتالية أمام جيتس ومارينرز.وبالمثل، فإنه في أعقاب الأداء الواعد بداية الموسم بعد عودته إلى استاد باراماتا، تبقى هناك تساؤلات تحوم حول أداء ويسترن سيدني واندررز عبر الهزائم المتعاقبة.وقد عبر معلق قناة «فوكس سبورتس، أندي هاربر، عن إحباطه العميق تجاه غياب الحافز الهجومي عن أداء ويسترن سيدني واندررز. وقال: «بالنسبة لي، أرى من المحير أن ويسترن سيدني واندررز يميلون لجذب المشكلات ويبدون عاجزين عن الحفاظ على الكرة. ولم يبد اللاعبون رغبة أو قدرة على الاستحواذ على الكرة على أرضهم أمام ملبورن سيتي، ويبدون وكأنهم مجموعة من البط الكسلان».وكما أن الضغوط التي يدرسها علماء الجيولوجيا قائمة ومستمرة منذ فترات بعيدة، كذلك الحال مع الغضب الذي أظهره جميع المدربين المتضررين من الحصانين الأسودين بعالم كرة القدم، قاعدة حكم الفيديو المساعد الخاصة بوقوع «خطأ واضح وجلي» وقاعدة لمس اليد التي أقرها مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم.وفي يوم، يظهر قرار رديء باحتساب ركلة جزاء أو عدم احتسابها كذريعة لانفجار الغضب، لكنه في الوقت ذاته مجرد قنبلة دخان، والمدربون المحنكون في التعامل مع الإعلام مثل بابل ورودان يدركون ذلك جيداً.
مشاركة :