إجازة الأبوة لم تكسر الصورة النمطية لدور الأم في رعاية أطفالها

  • 12/21/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سعى المشرعون في عدد من الدول العربية إلى محاولة التمديد في إجازة الأبوة حتى لا تتحمل الأم وحدها أعباء كثيرة تفوق طاقتها نظرا لغياب الأب أو انشغاله وذلك بهدف دعم العدالة والمساواة في تطبيق القوانين، والحرص على تعادل الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة. ففي تونس، اقترح مشروع القانون المتعلق بعطلتي الأمومة والأبوة في القطاعين العام والخاص والذي صادق عليه مجلس الوزراء يوم 8 مارس 2019، تمكين أحد الوالدين (الأم أو الأب) وبطلب منه من عطلة ما بعد الولادة أو بجزء منها بعد موافقة المؤجر لمدة أقصاها 4 أشهر مع الحصول على نصف الأجر. وقالت مليكة الو رغي مديرة شؤون الأسرة بوزارة المرأة والطفولة وكبار السن لـ”العرب” إن “هذا المقترح تم تقديمه في إطار ضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات في جميع المجالات وتدعيم مشاركة الآباء في الحياة الأسرية”. وأضافت أنه من المنتظر أن ينظر مجلس نواب الشعب في مشروع هذا القانون بعد أن تستوفي الحكومة مشاوراتها مع منظمة الأعراف بخصوصه، مشيرة إلى أن الرجل مسؤول عن تربية أطفاله تماما مثل أمهم وأن وجوده بجانبهم يقوي اللحمة داخل الأسرة وهو لب مقترح القانون. وأشارت الورغي إلى أن مشروع عطلة الأمومة والأبوة في صورته هذه لن يكون مكلفا على الدولة مقارنة بعطلة المرض مؤكدة أنه سيجعل المجتمع متوازنا وسيجنب الدولة بناء مراكز جديدة للعناية بالأطفال. وفي المغرب اتجهت الحكومة إلى اعتماد مشروع قانون يسعى إلى إقرار إجازة أبوّة مدفوعة الأجر تصل إلى شهر كامل للآباء الجدد، بعد مساعٍ برلمانية للتمديد في الإجازة التي لا تتجاوز الـ3 أيام. أما في السعودية فقد وافقت الدولة رسميا على منح إجازة أبوة للموظفين والعاملين في مختلف الوزارات والقطاع العام، بعد قدوم أبناء جدد لهم لمدة ثلاثة أيام، للاعتناء بالزوجة، ضمن مشروع قانون الخدمة المدنية الذي سيبدأ سريانه اعتباراً من أول أيام العام الجديد 2020. لكن دخول الرجال مجال رعاية الأسرة رغم إقراره بموجب القانون، ما زال بعيداً كلّ البعد عن المساواة في الأدوار وفق ما يؤكده الملاحظون. ومازال بعض الرجال حبيسي نظرة بالية توكل للأم وحدها مسؤولية رعاية الأطفال منذ نعومة أظفارهم حتى اشتداد عودهم، ما يجعل مسألة المساواة بين النساء والرجال في الأدوار في حاجة إلى إعادة فهم والى تغيير عام على مستوى الذهنية والمنظومة والقوانين في ذات الوقت. تقول رانية بن حديدة موظفة بالقطاع الخاص “رغم أن زوجي حصل على إجازة الأبوة، إلا ّأن ذلك لم يعد بالنفع على الأسرة، فزوجي لا يحسن رعاية طفله وخاصة في فترات الليل”. دخول الرجال مجال رعاية الأسرة رغم إقراره بموجب القانون، ما زال بعيداً كل البعد عن المساواة في الأدوار وتضيف “زوجي ترك لي غرفة النوم بحجة أنه يسعى إلى راحتي لكن في حقيقة الأمر هو لا يستطيع تحمل بكاء الطفل ولا نور الغرفة المضاء طوال الليل. هذا إضافة إلى أنه لا يمكن الاعتماد عليه في إحضار حليب الطفل أو إسكاته، وأمي هي من تساعدني بحكم خبرتها في هذه الأمور”. وتردف “بحكم أن زوجي هو الرجل الوحيد في عائلته لم يتعود على المساعدة في القيام بالأعمال المنزلية وهذا ما ضاعف من مهمتي حيث أصبحت أعتني بطفلي وزوجي معا”. من جهتها تؤكد وفاء البوغانمي أهمية حصول زوجها على عطلة الأبوة وخاصة على مستوى الجانب النفسي فرغم أنه لا يمكن الاعتماد عليه في تغيير حفاضات الرضيع أو ملابسه لكن وجوده المعنوي مهم في فترة ما بعد الولادة. وتقول وفاء “من الصعب على الرجل أن يتحمل أعباء الاهتمام بطفل صغير لم يتجاوز عمره الأسبوع. فهو لا يقدر على حمله أو تهدئته عندما يدخل في نوبة من البكاء، لكن مجرد حضوره بجانبي يشعرني أنني لست وحيدة”. بدورها تؤكد الدكتورة ناهد المصري أخصائية علم النفس أن أهمية تواجد الرجل إلى جانب زوجته وطفله لا يقاس بعدد الأيام بل بنوعية الدور الذي يلعبه”، مشيرة إلى أن الرجل في مجتمعنا لا يستطيع الاضطلاع بهذا الدور لأكثر من 3 أيام إلا في حال كان عاطفياً جداً لكونه رجلا شرقيا وغير متمكن نفسيا وثقافيا للعب مثل هذه الأدوار فيتحول بالتالي إلى عبء على المرأة. من جهته أكد أستاذ علم الاجتماع الطيب الطويلي لـ”العرب” أن الأب لا يزيد دوره عن إعداد الوثائق الإدارية للمولود الجديد أو اقتناء بعض الحاجيات للام والرضيع، مشيرا إلى أن الأم هي من تقوم بكل المهام خلال الشهرين الأولين بعد الولادة وهو أمر طبيعي حسب رأيه نظرا لارتباط الطفل بها فيسيولوجيا. كما تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن الغالبية العظمى من الأزواج يتنصلون بشتى الطرق من أدوارهم في مساعدة زوجاتهم وذلك نتيجة تربية ذكورية فرضتها العادات والتقاليد على المجتمع، ومفادها أن الرجل تلبى طلباته من جانب جميع النساء كأمه وأخته وزوجته. وأشارت خضر إلى أن مساعدة الرجل لزوجته تكون نتاج تربيته على التعاون والمشاركة. وتقول “أؤكد أننا كنساء نخطئ في حق أنفسنا وفي حق غيرنا من النساء، عندما نربي الولد على أنه خُلق لتلبى طلباته لكونه ذكراً فقط، وهذا مغاير لأساليب التربية الحديثة، التي تشدد على ضرورة المساواة بين الولد والبنت في التربية والمهام المنزلية، فيكبر الرجل على تحمل المسؤولية”. وتردف “لكن العادات والتقاليد أنشأت رجالا يتنصلّون من المسؤولية، وبالتالي يفشلون في حياتهم الأسرية”. وكما أن أبحاثا علمية أكدت أهمية وجود الأب إلى جانب الأم خلال فترة الحضانة الأولى، لكون ذلك يعزز الروابط الأسرية ويساهم في إدماجه في العملية التربوية، فيدخله إلى عالم الطفل ويقرّبه من زوجته، فعلم النفس يؤكد على النتائج الإيجابية لرعاية الآباء لأطفالهم مما يساهم في تقوية الروابط النفسية بينهم. وقالت دراسة مطولة نشرت في دورية “تشايلد سايكولوجي آند سايكايتري” إن التفاعل الوجداني بين الأب والرضيع ينبئ بالنمو العقلي والنفسي السليمين للطفل، فكلما زاد تفاعل الآباء مع الرُضع وجدانيا قلّت فرص ظهور المشاكل السلوكية لدى الأطفال في المراحل اللاحقة من أعمارهم. وكلما زاد دعم الآباء للأطفال عاطفيا في الصغر زاد رضا الأطفال عن الحياة لاحقا، وتحسنت علاقتهم بمدرّسيهم وزملائهم. وأوضحت أبحاث ميدانية أن مشاركة الأب الفعالة في تربية الطفل منذ الولادة، وقضائه وقتا أطول معه يعود بفوائد عديدة على صحة الطفل. يقول بول رامتشانداني، الذي يدرس دور اللعب في التعليم والتنمية والتربية بجامعة كامبريدج “إن اللعب هو لغة الطفولة، التي يستكشف بها الأطفال العالم، ويبنون بها علاقاتهم مع غيرهم من الأطفال” مشيرا إلى أن “التفاعل الإيجابي بين الأب وصغيره في الشهور الأولى يلعب دورا مهما في نمو الطفل وتعزيز قدراته الذهنية”.

مشاركة :