يرى البعض من العلماء والمُفَكرين أن تواضع الإنسان هو أصل لكل الفضائل وهو مُكملها، وبالتأمل في تلك الفضيلة العظيمة وجدت أن التواضع الحقيقي فضيلة قليلة الوجود، وهو الشائع حتي بين أكثر القامات من الناس، ولذلك قال سليمان الحكيم قديماً إن أكثر الناس يُنادون كل واحد بصلاحه ولكن الرجل الأمين من يجده، وبالتأمل في تعاليم السيد المسيح وجدت أن ثمار تلك الفضيلة هو من أعظم ما قد يحصده الإنسانن فقد قال للجموع في عظته على الجبل طوبي للمساكين بالروح "المتواضعين" لأن لهم ملكوت السموات، ولقد كانت أول وصية في تعاليم السيد المسيح وتطويباته وأكثرهم مكافأة "دخول السماء" وذلك لأنها أساس لجميع الفضائل الأخرى.قبل بداية خدمة السيد المسيح واختيار تلاميذه، ذهب إلى يوحنا المعمدان في نهر الأردن لكي يعتمد منه هناك، وعندما رآه يوحنا قال له: "أنا الذي أريد أن أعتمد منك وأنت الذي تأتي إلي"، ولكنه طلب المعمودية واعتمد، وهنا استخدم السيد المسيح فضيلة الاتضاع، والمعمودية كانت أيضاً لسبب الخطية وهو لم يفعل خطية بل كان ذلك لأجلنا نحن الخطاة.ولذلك يُردد لنا يعقوب الرسول في رسالته أن الله يقاوم الشخص المتكبر أما المتواضع فيُزيده من نِعَمه ويرفعه إلى مكانة أفضل.ومن أقوى الدروس في تلك الفضيلة هو ما فعله السيد المسيح مع تلاميذه حينما أراد أن يعلمهم ذلك الدرس، فقام بغسل أرجلهم فرفض بطرس في البداية ولكنه غسلها له ثم قال: "لقد أعطيتكم مثالاً لكي تتذكروا أنتم أيضاً تلك الفضيلة، ومن تعلم الدرس فطوباه إن عمل به وفعله"، ثم اجتمع بهم أيضاً لاحقاً على انفراد وقال لهم: "من أراد فيكم أن يصبح عظيماً فليكن لكم خادماً ومن أراد أن يكون أولاً فليكن لكم عبداً".ذات يوم دخل السيد المسيح إلى بيت متى العشار ليأكل معه فانتقده الفريسيون وقالوا لتلاميذه: "لماذا يأكل معلمكم مع العامة من الخطاة والعشارين؟!"، فرفع السيد المسيح حينها الحرج عن تلاميذه وجاوب الفريسيين وقال لهم: "أنا لم أدع من ير نفسه باراً بل قد دعوت من يتضع ويحتاج إلى النعمة للتغيير".وقد تعلم بولس الرسول ذلك الدرس من مُعلمه فخاطب أهل تسالونيكي قائلاً: "نحن لا نطلب مجدا من الناس مع أننا قادرون أن نكون في وقار كرسل المسيح، كما خاطب أهل فيلبي قائلاً لهم: "فلتَسِر أموركم في تواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسكم وليكن فيكم ذلك الفكر الذي كان في السيد المسيح أيضاً".المتواضع الحق لا ينسب الفضل لنفسه أبداً ولا يريد أن يُظهِر عظمته وفَخره بنفسه، ولذلك ترتقي مكانة المتواضع بداخل القلوب، فإن أردت أن تُصبح كذلك فلا تتباهى وتفتخر كثيراً، ولكن حقيقة التواضع في أن تدِعَهُم يرون ذلك فيك بأنفسهم وليس بأقوالك، فيمدحك الغريب لا فَمك، وحينها يُصبِح الإنسان عظيما حقاً.الكاتب د/ ريمون ميشيل استشاري الصحة النفسية وباحث في العلوم الإنسانية
مشاركة :