تظهر وثائق، رفعت واشنطن صفة السرية عنها، أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن بقي خلال سنوات انعزاله في مخبأ أبوت أباد مركزا على استهداف المصالح الأمريكية في دول عديدة بما فيها روسيا. وتتحدث وثائق عدة من الحزمة التي نشرها مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، عن عدة مخططات للقاعدة لم تنفذ بسبب سوء الحظ، ومنها هجمات ضد أهداف في روسيا (تفجير أنبوب غاز أو السفارة الأمريكية في موسكو) وبريطانيا، واستهداف الأمريكيين في الدنمارك، حيث أرسلت مجموعة من 3 جهاديين أوروبيين لتنفيذ الهجمات المخطط لها. وأعرب بن لادن في الوثيقة التي نشرت تحت عنوان تقرير حول العمليات في الخارج عن خيبة أمله من فشل عدة مخططات لتنظيم وذلك بسبب سوء الحظ ولأن الله لم يوفقنا. كما جاء في وثيقة بن لادن أنه يجب على المجاهدين الانتقال إلى أساليب جديدة مثل استخدام السكاكين لتنفيذ هجمات، وتفجير اسطوانات غاز وبنزين، واستخدام طائرات وقطارات وسيارات كآليات قتل. وتابعت الوثيقة أن اليهود يجب أن يكونوا هدفا ذا أولوية، وأشارت إلى تحقيق تقدم في التعاون مع مجموعتين تعملان في المجال نفسه. وبلغ عدد الوثائق التي تم رفع صفة السرية عنها، قرابة مئة وثيقة، لكن الاستخبارات الأمريكية لم تنشرها كما هي، بل ترجمتها إلى اللغة الانجليزية وشطبت منها التواريخ وتفاصيل أخرى. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد اعتبر أن على الحكومة الأمريكية أن تتحلى بشفافية أكبر فيما يخص الوثائق التي تمت مصادرتها في باكستان، فيما أصدر الكونغرس قانونا يلزم الاستخبارات بنشر ما يمكن نشره من الوثائق. وتظهر هذه الوثائق أن بن لادن حث مؤيديه على مواصلة العمل المكثف من أجل تدبير هجمات ضد الولايات المتحدة، كما أنه كان قلقا من احتمال رصد الاستخبارات الغربية لمخبأه، واهتمامه بالصورة الإعلامية للتنظيم. وكتب بن لادن في إحدى الوثائق التي تم العثور عليها في مخبأ أبوت أباد: يجب أن تكون أولويتنا هي قتل الأمريكيين ومحاربتهم ومحاربة ممثليهم. ومن اللافت أن بن لادن، كما تظهره الوثائق المنشورة، ركز على استهداف مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، وليس على تأسيس دولة إسلامية، على غرار ما يفعله تنظيم داعش في الوقت الراهن. وتتضمن حزمة الوثائق رسائل ومذكرات وتعليمات كتبها بن لادن. وفي تلك الوثائق حذر زعيم القاعدة مساعديه من خطر استهدافهم من قبل طائرات بدون طيار أمريكية، ودعاهم إلى الامتناع عن استخدام البريد الإلكتروني والتجمع في مكان واحد، وحثهم على اليقظة، مشيرا إلى احتمال وجود أجهزة مخبأة للتنصت حتى في ملابس زوجاتهم. وأعرب بن لادن عن قلقه من خطر استهداف مساعديه، وكان يبحث عن سبل لتمكين نجله حمزة من الانضمام إليه في أبوت أباد. وفي عام 2010 أصدر زعيم القاعدة تعليمات بشأن المفاوضات التي أجراها التنظيم حول مصير رهينة فرنسي خطفته جماعة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وصحفيين فرنسيين اختطفا في أفغانستان. وفي كلا الحالين، طلب بن لادن بأن يكون الانسحاب الفرنسي من أفغانستان شرطا لإطلاق سراح الرهائن. وعلى المستوى الاستراتيجي، كان بن لادن واثق من ضرورة شن هجمات دراماتيكية ضد الولايات المتحدة على غرار هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، بدلا من التركيز على استهدام الأنظمة في الشرق الأوسط. وكتب في إحدى الرسائل: علينا الكف عن العمليات ضد الجيش والشرطة في كافة مناطق (الشرق الأوسط) وبالدرجة الأولى في اليمن. وشدد على ضرورة إيلاء الأولوية لتوجيح ضربات إلى الولايات المتحدة، من أجل حملها على التخلي عن أنظمة الشرق الأوسط وترك المسلمين وشأنهم. وفي عام 2007 كتب جهاديون عراقيون رسائل إلى بن لادن، ليصفوا له الفضائح التي كان مسلحو القاعدة في العراق يرتكبونها باسم زعيم القاعدة. ويبدو أن مقربين من بن لادن حاولوا إقناعه بضرورة تعديل الاستراتيجية والانتقال لشن هجمات أقل حجما، واستخدام كافة الفرص المتاحة للقيام بمثل هذه الهجمات. لكن زعيم القاعدة رفض التخلي عن آرائه وعن خططه لشن هجمات كبيرة ودموية ضد الولايات المتحدة.
مشاركة :