وجدت نفسي مشدوداً إلى متابعة جزء من جلسة طرح الثقة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي امتدت على مدى أكثر من ثماني ساعات، وقد أدلى أكثر من مئة نائب جمهوري وديموقراطي بآرائهم في الرئيس، الذي اتهموه بتعطيل العدالة وعرقلة عمل الكونغرس!لقد كانت مرافعات النواب راقية وحرة، وتكلموا بصراحة عن رأيهم في الرئيس، ولم يتخلل ذلك النقاش الطويل أي تشنج أو عراك بين النواب!بعدها جرى التصويت على عزل الرئيس، وحصل الداعون إلى عزله على أكثر من ثلثي الأصوات، والنتيجة هي الموافقة على عزل الرئيس!بالطبع فإن النظام الديموقراطي الأميركي لا يكتفي بتصويت مجلس العموم، وإنما لابد من مداولة أخرى في مجلس الشيوخ، فمجلس العموم يضم غالبية نواب ديموقراطيين وهو ما رجح كفة المطالبين بعزله، بينما مجلس الشيوخ يضم غالبية جمهورية وهو ما يجعل ترامب مطمئناً إلى أنهم سيقفون ضد عزله!لاشك أن نظام العزل في القانون الأميركي هو نظام متميز ويحق لهم الافتخار به، فهو مبني على مبدأ «لا أحد فوق القانون»، وقد شكل الكونغرس لجنة برئاسة مولر للتحقيق في احتمال كسر الرئيس للقوانين خلال حملته الانتخابية عام 2016 والتعاون مع الروس، وقد تحرى مولر جميع الأمور وقدم تقريره إلى الكونغرس وليس فيه إدانة لترامب!لكن ترامب لم يرتدع من مراقبة الكونغرس له، وإنما تمادى في غيّه وأنساه حماسه للفوز بولاية ثانية الالتزام بالقوانين الأميركية الصارمة، التي تمنعه من التخابر مع حكومات أخرى، فقام بالاتصال بالرئيس الأوكراني لحثه على جمع معلومات عن خصمه مرشح الرئاسة الديموقراطي جو بايدن، وذلك ما فجر غضب الأميركان الذين اعتبروا ذلك خيانة بحق الوطن، وأصروا على طرح مسألة عزله من الرئاسة!فزعة قبلية أميركيةرغم إعجابي بالنظام الأميركي في مسألة عزل الرئيس، لكن استأت أشد الاستياء من فزعة النواب في كل حزب من الحزبين الرئيسيين لأبناء حزبهم، فالجمهوريون في الكونغرس وقفوا مع ترامب بقوة، وكلهم حاولوا تبرير خيانته لوطنه بشتى المبررات، بينما فزع الديموقراطيون لعزله بأي وسيلة، وعينهم على منعه من الفوز بولاية ثانية ورغبتهم في أن يأتي الرئيس من حزبهم!بالطبع فإن ذلك الأمر يعتبر خللاً واضحاً في نظامهم الديموقراطي، وهو أشد من الفزعة القبلية التي نعاني منها في بلداننا العربية والإسلامية، ومن النزعة الطائفية التي تمزق بلداننا كما قال الشاعر الجاهلي:وهل أنا إلا من غزية إن غـوتغويت، وإن ترشد غزية أرشد
مشاركة :