آفاق تطور الاقتصاد العالمي للسنوات الخمس المقبلة

  • 12/22/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان * على الرغم من إغراءات الحديث عن الظروف المالية والاقتصادية الكلية الحالية، فإن ذلك ينطوي على خطر تجاهل عنصر رئيسي في قراءة المستقبل.في ديسمبر/كانون الأول الحالي، يتركز جهدي الطبيعي على مراجعة التطورات الاقتصادية والمالية لعام يوشك على الانتهاء؛ لمساعدة صنّاع القرار والمستثمرين على توقع ما قد يحدث في عام 2020. وسينتهي هذا العام بشكل إيجابي نسبياً، لا سيما عند مقارنته بنهايات العام الماضي. هناك أمل في انتعاش النمو الاقتصادي عالمياً، وتراجع التوترات التجارية. وقد أكدت البنوك المركزية من جديد أنها ستحافظ على أسعار فائدة منخفضة للغاية، وستواصل توفير السيولة الكافية؛ لتحفيز الاقتصاد. أما التذبذبات المالية فهي ضعيفة نسبياً، وهناك توقعات معقولة لعوائد استثمار قوية على العديد من فئات الأصول.وتستعرض ثلاثة كتب صدرت حديثاً العديد من الاختلافات بين الأنظمة الرأسماليةوأوجه التشابه بينها. وبينما يرتبط الفساد المتجذر عادة بسلطات الفرد كما في روسيا المعاصرة، ليس لدى الديمقراطيات ما يبرهن على أنها محصنة.وعلى الرغم من إغراءات الحديث عن الظروف المالية والاقتصادية الكلية الحالية، فإن ذلك ينطوي على خطر تجاهل عنصر رئيسي في قراءة المستقبل. هناك تناقض صارخ بين الوضوح النسبي للتوقعات على المدى القريب والغموض وعدم اليقين الذي ينتج عن استغراق المرء في استشراف الأفق البعيد إلى السنوات الخمس المقبلة مثلاً.تواجه العديد من البلدان حالات عدم اليقين الهيكلية التي يمكن أن تكون ذات آثار شاملة بعيدة المدى على الأسواق والاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، خلال السنوات الخمس المقبلة، سيسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقامة علاقة عمل جديدة مع المملكة المتحدة، مع التعامل مع الآثار الاجتماعية والسياسية الضارة للنمو البطيء وغير الشامل. وسيتعين على الاتحاد الأوروبي التغلب على المخاطر التي تخلفها فترة طويلة من أسعار الفائدة السلبية، مع إصلاح جذري لقطاعاته المالية والاقتصادية. وطالما أن بنية منطقة اليورو غير مكتملة، فستظل هناك تهديدات دائمة من عدم الاستقرار.أما الولايات المتحدة، التي تفوق أداء اقتصادها بشكل ملحوظ على العديد من الاقتصادات الأخرى، فسوف تقرر خلال السنوات الخمس المقبلة ما إذا كانت ستواصل سياسة النأي بالنفس عن مشاكل العالم، وهي عملية تتعارض مع موقعها التاريخي في قلب الاقتصاد العالمي.وفيما يخص عملية التنمية في الصين، فنظراً لأن الاقتصاد العالمي يشكل عائقاً للنمو أكثر من كونه حافزاً، فقد تواجه الصين خطراً صنعته بأيديها، أي الاعتماد الشديد على تدابير التحفيز قصيرة الأجل الذي يتعارض بشكل متزايد مع متابعة الإصلاحات الطويلة الأجل التي تحتاج إليها. وقد أصبحت طموحاتها الجيوسياسية والتزاماتها الاقتصادية والمالية الإقليمية (بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق) أكثر كُلفة. الأهم من ذلك، أنه في السنوات الخمس المقبلة، سيتعين على الصين والولايات المتحدة، وهما أكبر اقتصادين في العالم، السير في مسار تناحري بشكل متزايد أثناء محاولتهما تأمين مصالحهما الخاصة مع تجنب المواجهة المباشرة.تطغى هذه «الصورة الرجراجة» على النظرة الاقتصادية والمالية والمؤسسية والسياسية وحتى الاجتماعية لبلدان أخرى. إن حالة عدم اليقين في الاقتصاد الكلي والجغرافيا السياسية اليوم ستضخم تلك الصورة التي تغذيها الاضطرابات التكنولوجية وتغير المناخ والديموغرافيا. وسوف تطرح أسئلة جديدة حول أداء ومرونة الاقتصاد والأسواق العالمية.هذه الدرجة من عدم اليقين تتبدى بشكل خاص في سياق العولمة التي استمرت عدة عقود. في السنوات الأخيرة، ظهرت مؤشرات الضعف على الاستقرار الذي ترافق مع الالتزام الواسع النطاق بالنظام الدولي القائم على القوانين، ومع قوة البنوك المركزية وقدرتها على كبح التقلبات المالية وشراء الوقت لمصلحة الاقتصاد الحقيقي.وفي حال تركت هذه المستجدات بلا إدارة على المدى المتوسط، فسوف تمهد الطريق لمزيد من التفتت السياسي والاجتماعي، وتهدد بتراجع عشوائي لقواعد العولمة. والشيء الوحيد الذي لا تأبه له الأسواق العالمية ولا الاقتصاد العالمي، هو فوضى العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول. وفي حال أرخى هذا الوضع المستجد سدوله على العالم، فإن التوترات في التجارة والاستثمار وحرب العملات اليوم سوف تتزايد، وتصيب عدواها الأمن القومي والجغرافيا السياسية للدول الفاعلة.النتائج السيئة ليست حتمية (على الأقل حتى الآن). لا يزال من الممكن تجنبها من خلال التنفيذ المستمر لسياسات تعزيز نمو أقوى وأكثر شمولاً؛ واستعادة الاستقرار المالي الحقيقي؛ والدخول في نظام تجارة عالمية أكثر عدلاً ومصداقية يشمل الاستثمارات وتنسيق السياسات.لكن الكثير من تلك الطموحات سوف يعتمد على عمل صنّاع السياسة المالية على المدى القريب. ومع بداية عام 2020، تتوفر لهؤلاء أرضية صلبة للتحرك الإيجابي الموسع. فقد تراجعت المخاوف بشأن الركود العالمي، وتهديدات الظروف المالية الصعبة، وهدأت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين؛ لكن هذه الظروف الميمونة لن تستمر إلى الأبد. ومن سوء الطالع أن الظروف المشجعة المطلوبة لتحسين التوقعات على المدى المتوسط، قد لا تتوفر. فعام الانتخابات الأمريكية يحمل الكثير من المخاوف. وتجد كل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا نفسها في خضم تحولات سياسية صعبة. ويضطر الاتحاد الأوروبي للتعامل مع تبعات خروج بريطانيا والانقسامات الإقليمية الأخرى. وتحاول الحكومة الصينية توحيد وتكثيف جهودها في مواجهة تباطؤ النمو والاحتجاجات المستمرة في هونج كونج.إن مصدر القلق الرئيسي هو أنه خلال السنوات الخمس المقبلة، قد تتدهور ظروف الأسواق العالمية والاقتصاد إلى مشارف الأزمات، قبل أن تنجح الأنظمة السياسية الوطنية والإقليمية والمتعددة الأطراف في وضع أسس الحلول المناسبة.ولحسن الحظ، نحن الآن في مرحلة يمكن معها اتخاذ إجراء؛ لمنع السيناريو الأسوأ من أن يصبح حقيقة ملزمة. وطالما لا يزال هناك وقت، فهناك فرصة لأن يتبع صنّاع السياسة النصيحة التي قدمتها كريستين لاجارد، رئيس صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2017؛ حيث قالت: «ينبغي إصلاح السقف قبل أن تحل الغيوم». * كبير الاستشاريين في «أليانز»

مشاركة :