كشفت مصادر سياسية في موسكو عن قيام روسيا ببناء قاعدة جديدة في مدينة القامشلي السورية، بعدما استطاعت الحصول على عقود طويلة الأمد في قاعدة حميميم ووسّعتها لاستقبال طائرات كبيرة، فتحولت إلى مدينة كبيرة. وتنظر موسكو إلى دور إقليمي لقواعدها في سوريا يتجاوز الدور المنوط بها بعدما طورت قاعدة طرطوس وسيطرت على ميناء المدينة في تنافس معلن مع إيران لانتزاع “غنائم” اقتصادية في سوريا مقابل دعم النظام ومنع سقوطه أمام قوات المعارضة التي كانت تسيطر على أكثر من ثلثي مساحة البلاد. وامتد وجود الروس إلى بناء قواعد عسكرية في مناطق شمال شرقي سوريا التي كانت عصية عليهم لسنوات قبل إعلان واشنطن سحب قواتها في أكتوبر الماضي. ومع تحاشي “حليفي الضرورة” الحديث عن تنافس لبناء قواعد عسكرية وتعزيز دورهما في الجيش السوري والمراكز الأمنية، تكشف الخرائط الميدانية لتحركات الطرفين أن كلاّ منهما يسعى إلى تثبيت نقاط تمركز تخدم استراتيجيته في ظل نظرتين متباينتين لمستقبل سوريا، ودور الجيش والقوى الأمنية فيها. وقال مصدر روسي إن “الحراك الاقتصادي لموسكو وطهران في منطقة الساحل غربي البلاد للسيطرة على الموانئ الحيوية مرتبط بالتنافس العسكري بين الجانبين ونظرتهما إلى دور سوريا في المنطقة”، موضحا أن “نظرة روسيا تنطلق من أبعاد جيواستراتيجية للحفاظ على علاقاتها مع كل الأطراف في الشرق الأوسط، بينما تنطلق إيران من رغبة في الحفاظ على محور طهران بغداد دمشق بيروت”. وتابع المصدر أن “رغبة إيران في السيطرة على ميناء اللاذقية أو بانياس تنطلق من محاولاتها إيجاد نقطة ارتكاز لها على المتوسط تسمح لها بالتحايل على العقوبات الغربية خصوصا في ظل الحديث عن مشروع للسكك الحديدية يربط إيران بالمتوسط”. وأشار المصدر إلى أن “إصرار إيران على التمركز في الساحل يتعلق بعامل أكثر أهمية وهو فتح طريق لتزويد حزب الله في لبنان بالسلاح، خاصة في ظل هيمنتها على جنوب ساحل سوريا وحمص وهي مناطق ملاصقة لنفوذ الحزب وأطراف مؤيدة لها”. ويرجح مراقبون “زيادة الشرخ في العلاقات بين موسكو وطهران والتباين في شأن مستقبل سوريا، بخاصة أن الكرملين يرغب في عودة قوية إلى المنطقة مع تراجع الثقة بسياسات واشنطن، كما يريد الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل الأطراف بما فيها إسرائيل الرافضة للوجود الإيراني”. وخلصت مصادر روسية إلى أن “الخلاف بين موسكو وطهران سيتفاقم في ظل تنافسهما على منافع اقتصادية في سوريا، ومحاولة كل جانب تثبيت الأطراف التابعة له في الحكم، علما أن الوجود الإيراني مرفوض إقليميا لاعتبارات متباينة. وكشفت مصادر سورية عن قيام إيران بحفر أنفاق وتعزيز قواعدها العسكرية في منطقة البوكمال والميادين في البادية السورية قرب الحدود مع العراق. وأوضح مصدر عسكري في المعارضة السورية أن “تعزيز القواعد العسكرية الإيرانية قرب الحدود مع العراق يندرج في إطار استراتيجية طهران للسيطرة على ممرات من العراق إلى عمق سوريا”. وأشار إلى أن ميلشياتها مثل “لواء فاطميون” و”الإمام علي” إضافة إلى عناصر من الحرس الثوري الإيراني تنتشر من البوكمال شرقا إلى تدمر والسخنة وتتحكم بالأوضاع العسكرية في المنطقة من خلال غرف عمليات في مطاري تدمر وتي فور العسكريين، وتتركز على أطراف أوتوستراد السخنة الذي يصل إلى حمص شرقا. ومعلوم أن الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري في قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا قرب طريق بغداد دمشق الدولي، ما يعطل محاولات إيران نقل مسلحين أو عتاد من هذه المنطقة. إلى ذلك، كشفت مصادر روسية مطلعة أن الخلاف بين موسكو وطهران يتصاعد حول رؤية لمستقبل سوريا، وتأمل روسيا بإصلاح الحكومة السورية وبتغيير في السلطة المركزية، وإعادة تنظيم مؤسسات الدولة. واستطاعت “تجديد” الأجهزة الأمنية، في يوليو، كما تمكنت من إجبار الحكومة على تغييرات في قيادات الأمن بما فيها وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات الرئيسية ووكالة المخابرات الجوية ومكتب الأمن الجنائي ومكتب الأمن السياسي. وهذه الأجهزة تحافظ على تعاون استراتيجي وثيق مع الجيش الروسي. وتسعى روسيا إلى ضم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى الجيش السوري والأجهزة الأمنية، على غرار ما حصل مع مجموعات المصالحة في الجنوب وغيره من المناطق في جنوب دمشق، وتخفف الاعتماد على مجموعات المرتزقة الروس “فاغنر” بعد انفضاح أمرها. وشكلت مجموعات محلية مثل مجموعة “النمر” و”صقور الصحراء” و”الفرقة الخامسة” و”لواء القدس” وأشرفت على تدريبها لدمجها لاحقا في الجيش السوري، في حين مازالت إيران تعتمد على عشرات الميليشيات الطائفية، وتسعى إلى تأسيس “حشد شعبي سوري” يكون منافسا للجيش السوري عدة وتسليحا، مع انتماء واضح لإيران. وتنطلق روسيا من أن سوريا يمكن أن تصبح ركيزة استراتيجية للعودة إلى الشرق الأوسط، وتنوي أن تصبح “وسيطا” بين دول المنطقة وتعزز نفوذها فيها وتمتّن علاقاتها مع البلدان العربية. أما إيران فتريد سوريا جزءا من “الهلال الشيعي” الموجه ضد بلدان المنطقة، وبوابة تسهل تسليح حزب الله في لبنان، واستمرار اللعب على ورقة مقاومة إسرائيل.
مشاركة :