لا يكفي أن تكون نجما بارزا على الميدان بل الأهم أن تكون حاستك التهديفية نشطة وتستشعر نقطة الضعف التي يتركها خصمك للتسجيل من أيّ منطقة أو زاوية مغلقة يفرضها المدافعون أو يستميت حراس المرمى في التغطية عليها، وهذا ما أظهره المهاجم الليبي ولاعب الترجي التونسي حمدو الهوني في مونديال الأندية الأخير بالدوحة الذي وضعه ضمن قائمة اللاعبين الموهوبين عربيا وأفريقيا وحتى عالميا، لأنه تمكن من أن يفنّد كل المقاربات التي تفرضها لعبة كرة القدم واستطاع التسجيل من جميع الزوايا حتى تلك الأكثر تحصينا. وبات الهوني أول لاعب عربي وأفريقي يمضي ثلاثية كاملة “هاتريك” في مباراة واحدة في تاريخ المونديال. وجاءت أهداف لاعب الترجي في مرمى حارس السد القطري ليصبح النجم الليبي في أول مشاركة له بكأس العالم للأندية رابع لاعب يسجل “هاتريك” في المونديال بعد الأوروغوياني لويس سواريز في نصف نهائي مونديال 2015، والبرتغالي كريستيانو رونالدو مع الريال في نهائي مونديال 2016، والويلزي غاريث بايل في نصف نهائي مونديال 2018. فرض هذا اللاعب اسمه منذ قدومه إلى حديقة باب سويقة في بداية العام 2019 ليسجل اسمه في نهائي تاريخي مع شيخ الأندية التونسية بدوري أبطال أفريقيا التاريخي أمام الوداد المغربي برفقة الجزائري يوسف البلايلي وأنيس البدري وغيلال الشعلالي وسعد بقير والعديد من اللاعبين الذين غادروا الفريق هذا العام للاحتراف. ما تطفح به السيرة الذاتية لهذا النجم الذي بزغ اسمه مع بطل أفريقيا هذا العام وأكد علوّ كعبه في مونديال الأندية أنه من مواليد العاصمة الليبية طرابلس في العام 1994، حيث بدأ رحلته في ليبيا ثم انتقل للعب بأحد الأندية الإنكليزية من الدرجة الثانية وبعدها توجه إلى نادي سانتا كلارا البرتغالي ليتعاقد معه الترجي في الأول من يناير من العام 2019. على طريق الكبار رغم تواضع سيرته كلاعب إلا أن النجم الليبي استطاع في ظرف وجيز لم يتخط العام تقريبا أن يسطّر اسمه بين الكبار ويعانق العالمية في أول مشاركة له برفقة الترجي التونسي في مونديال الأندية والمشاركة الثانية على التوالي في رقم تاريخي يسجله فريقه عربيا وأفريقيا في المسابقة العالمية. وقال اللاعب البالغ من العمر 25 عاما والفائز بجائزة أفضل لاعب في المباراة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، “هذا فوز يسجل للتاريخ، (أنا) أول لاعب ليبي يشارك في البطولة ويسجل ثلاثة أهداف”، مهديا الفوز إلى مشجعي الترجي ومواطنيه الليبيين الذين يشجعونه. وأضاف “لم نكن نتوقع بالطبع ذلك ولكننا وفقنا في تحقيق هذه النتيجة الكبيرة لنهديها إلى جماهيرنا. لي الشرف أن أسجل ‘هاتريك’. حالفنا الحظ والتوفيق بشكل جيد اليوم”. الهوني بات أول لاعب عربي وأفريقي يمضي ثلاثية كاملة "هاتريك" في مباراة واحدة في تاريخ المونديال بعد لويس سواريز وكريستيانو رونالدو وغاريث بايل ويعتبر الهوني من اللاعبين المؤثرين في خط الهجوم ضمن تشكيلة المدرب التونسي معين الشعباني برفقة أنيس البدري وطه ياسين الخنيسي بعد خروج العديد من اللاعبين البارزين عن فريق العاصمة التونسية للاحتراف، حيث دائما ما يدفع به كأساسي في اللقاءات الهامة سواء محليا أو قاريا. ويجمع محللون ومتابعون على ما يحظى بها اللاعبون المحترفون داخل أسوار فريق باب سويقة سواء منهم العرب أو الأفارقة في السنوات الأخيرة، ما يمهّد أمامهم كل سبل النجاح والتطور وتقديم مستويات عالية، ويعكس النجم الليبي المثال على ذلك حيث استطاع في ظرف وجيز أن يفتكّ اسمه بين العديد من اللاعبين في القائمة الأساسية للفريق. ويرى هؤلاء أن كل العناصر ظلت متوفرة أمام الفريق التونسي من أجل تحقيق نتائج مشرفة في مونديال الأندية وكان طموحه قبل خوض غمار المسابقة القارية هو تجاوز المرتبة الخامسة التي حصدها النادي التونسي في مونديال 2018 بالإمارات، لكن شاءت الأقدار والصدف أن تضعه أمام فريق متمرّس ومنظم على جميع النواحي في اللقاء الأول ألا وهو الهلال السعودي بطل آسيا والذي فرض سيطرته شبه المطلقة على بطل أفريقيا وافتك منه نتيجة اللقاء بهدف وحيد. وشعر الهوني وغيره من اللاعبين بعد الهزيمة أمام الهلال في اللقاء الأول أنه يتحتم عليهم تعويض الخسارة والرد بأحسن طريقة ممكنة أمام السد القطري في اللقاء الترتيبي على المركزين الخامس والسادس. أفضل ترتيب كرّر الترجي، الذي شارك في البطولة للمرة الثالثة بعد 2011 و2018، تحقيق أفضل ترتيب له، بعدما حلّ في المركز ذاته العام الماضي في الإمارات. كما ثأر النادي التونسي من منافسه القطري الذي هزمه 1-2 في الدور الثاني لنسخة 2011 في اليابان. وقدم الترجي بإشراف المدرب معين الشعباني أداء مغايرا بالكامل عن مباراته في ربع نهائي النسخة الحالية ضد الهلال السعودي (0-1)، لاسيما على صعيد الاستحواذ على الكرة وتحويل الفرص إلى أهداف، والتي سجل ثلاثة منها قبل مرور نصف ساعة على بداية المباراة. وأصبح الترجي الرياضي التونسي أول فريق يتمكن من تسجيل ستة أهداف كاملة في مونديال الأندية لكرة القدم، ليصبح صاحب أكبر انتصار في هذه المسابقة العالمية التي يشارك فيها فريق باب سويقة للمرة الثالثة في تاريخه بعد دورات 2011 و2018، والفضل في ذلك يعود إلى الهوني ورفاقه ورغم احتلاله المركز الخامس للنسخة الثانية على التوالي، إلا أن فريق باب سويقة حصد العديد من المكاسب من خلال مشاركته في بطولة كأس العالم للأندية لينهي عاما مميزا في مسيرة الفريق بشكل جيد رغم العقبات التي اعترضت طريقه في العام الحالي. واحتفل الترجي هذا العام بمرور 100 عام على تأسيسه. وتزامن هذا الاحتفال مع فوز الفريق بلقبي الدوري التونسي ودوري أبطال أفريقيا والمشاركة الثانية على التوالي والثالثة بشكل عام للفريق في بطولات كـأس العالم للأندية. وهذا الفوز هو الأول للأندية العربية من قارة أفريقيا على نظيرتها من القارة الآسيوية في تاريخ مواجهات الطرفين بمونديال الأندية، حيث انتهت جميع المواجهات السابقة بين الطرفين بفوز الفرق العربية المنتمية للقارة الآسيوية. وشهدت النسخة المونديالية التي أقيمت عام 2000 فوز النصر السعودي على الرجاء البيضاوي المغربي 4-3 في مجموعتهما بالدور الأول وإن ودع الفريقان سويا البطولة من دورها الأول علما وأن تلك البطولة أقيمت بنظام يختلف تماما عن النظام الذي أقيمت به البطولة منذ 2005 وحتى الآن. وفي نسخة 2005، فاز اتحاد جدة السعودي على الأهلي المصري بهدف نظيف ثم فاز السد القطري على الترجي 2-1 في الدور الثاني لنسخة 2011 قبل أن يخسر الترجي نفسه أمام العين الإماراتي 0-3 في الدور الثاني من النسخة الماضية عام 2018. كسر العقدة الآسيوية جاء الفوز الكبير للترجي على السد القطري ليثأر لهزيمة عام 2011 من ناحية ويكسر العقدة التي واجهتها الفرق العربية من قارة أفريقيا في مواجهة نظيرتها في قارة آسيا. وكان فوز الترجي على السد تاريخيا أيضا لأنه أكبر فوز في تاريخ بطولات كأس العالم للأندية حيث لم يسبق لأيّ فريق أن سجل ستة أهداف في مباراة واحدة علما وأن مباراة واحدة سابقة شهدت ثمانية أهداف وهي المباراة التي فاز فيها مانشستر يونايتد الإنكليزي على جامبا أوساكا الياباني 5-3 في المربع الذهبي لنسخة 2008. أما أكبر فوز سابق في تاريخ البطولة فكان من نصيب مونتيري المكسيكي على الأهلي المصري 5-1 في نسخة 2013 إضافة إلى أكثر من فوز آخر بنتيجة 4-0. والفوز هو الأول أيضا للترجي في بطولات كأس العالم للأندية التي خاضها للمرة الثالثة في تاريخه حتى الآن. وكان الترجي خسر مباراتيه في أول مشاركة له بالمونديال وذلك في نسخة 2011 حيث سقط أمام السد القطري بالذات 1-2 في الدور الثاني للبطولة ثم أمام مونتيري المكسيكي 2-3 في مباراة تحديد المركزين الخامس والسادس. الترجي نجح في إعادة ترتيب أوراقه وتدعيم صفوفه واستطاع مديره الفني خلق نوع من الانسجام بين العناصر الجديدة واللاعبين القدامى في الفريق وشهدت النسخة الماضية من البطولة عام 2018 المشاركة الثانية للترجي في مونديال الأندية لكنه سقط أمام العين الإماراتي 0-3 في الدور الثاني للبطولة ثم التقى غوادالاخارا المكسيكي في لقاء تحديد المركزين الخامس والسادس والذي انتهى بالتعادل 1-1 فيما حسمه الترجي لصالحه بركلات الترجيح فقط. ولا تقتصر مكاسب الترجي على كسر العقدة مع الفرق الآسيوية وإنما تمتد لاكتساب الفريق خبرة هائلة من مشاركته في البطولة الحالية إضافة إلى اكتساب الكثير من الثقة التي ستفيد الفريق في رحلة الدفاع عن لقبيه بالدوري التونسي ودوري أبطال أفريقيا، فيما الأهم من ذلك هو الرهان على نجوم صغار قادرين على خوض التحدي مستقبلا مع الفريق بينهم الهوني والبدري والعديد من النجوم الآخرين في الفريق. ورغم فقدانه عددا من اللاعبين اليافعين في السنوات الأخيرة والذين حققوا المجد مع الترجي في مناسبتين أفريقيتين، فقد نجح الفريق في إعادة ترتيب أوراقه وتدعيم صفوفه واستطاع مديره الفني خلق نوع من الانسجام بين العناصر الجديدة واللاعبين القدامى في الفريق ليقدم الترجي مباراتين قويتين ومثيرتين في مونديال الأندية الحالي. وأكد الشعباني ذلك بقوله “سنستعد الآن لمبارياتنا بالدوري التونسي ودوري الأبطال الأفريقي كما سنستعد جيدا لمواجهة الزمالك المصري في كأس السوبر الأفريقي بقطر”. مكاسب عديدة اعترف المدير الفني بأن رحيل عدد من اللاعبين الصيف الماضي أثّر على مستوى الفريق، مشيرا إلى أن أيّ فريق يتعرض لهذا يحتاج إلى بعض الوقت من أجل استعادة توازنه لكن الترجي نجح سريعا في الدمج بين اللاعبين الجدد واللاعبين القدامى ونجح في خلق حالة من الانسجام والاستقرار النفسي والذهني داخل “شيخ الأندية التونسية”. واعتبر قائد الترجي خليل شمام أن حصيلة فريقه في المونديال إيجابية للغاية، وقال في تصريح صحافي “نجحنا في فرض أسلوب لعبنا على السد.. حصلنا على المركز الخامس عن جدارة واستحقاق، الأمر الذي يجعلنا نعود إلى تونس مرفوعي الرأس”. وأبدى الشعباني رضاه عمّا قدمه فريقه في البطولة العالمية بقوله “قدمنا مباراتين جيدتين في بداية دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا وكذلك قدمنا أداء جيدا في مبارياتنا الأولى بالدوري التونسي هذا الموسم. ومع توالي المباريات نستطيع إيجاد حلول أكثر في المباريات. اليوم نجحنا في استغلال الفرص ولو كنا كذلك أمام الهلال كان من الممكن أن نفوز أيضا”. لكن المدير الفني للترجي لم يخف خيبة أمله لإخفاق بطل أفريقيا في التأهل إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية، رغم رضاه عن تحقيق أكبر انتصار في تاريخ البطولة في مباراة تحديد المركز. وقال الشعباني “في تقييم شامل لمشاركتنا في البطولة نشعر بخيبة أمل كبيرة منذ الخسارة أمام الهلال السعودي في المباراة الأولى، لكن ردة فعل اللاعبين كانت جيدة جدا أمام السد”. وأعرب مدرب الترجي عن فخره بتحقيق أكبر فوز في تاريخ البطولة قائلا “الأرقام القياسية ليست غريبة عن الترجي. جاءت بداية المباراة جيدة وأشكر اللاعبين على جهودهم. جهزنا الفريق جيدا من الناحية الذهنية لاستعادة الروح المعنوية بعد الخسارة في المواجهة الأولى”.
مشاركة :