عكست بعض التطورات والمواقف السياسية الأخيرة في لبنان اتجاهات مثيرة لمزيد من الاحتدامات السياسية، بما بات يرسم الكثير من الغموض حول طبيعة التطوّرات السياسية والأمنية التي قد تحملها الأسابيع القليلة المقبلة. وبرزت في هذا السياق اندفاعة ضغوط منسَّقة بشكل واضح بين وزراء «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (يقوده العماد ميشال عون) داخل الحكومة بغية حمل مجلس الوزراء على اتخاذ قرار في شأن الواقع الذي بات يضع معركة جرود عرسال (البقاع الشمالي) في عين العاصفة الميدانية كواحدة من أخطر تداعيات معركة القلمون السورية، الأمر الذي بات يحتلّ بُعداً شديد الخطورة. وفيما نجح رئيس الحكومة تمام سلام في تمرير جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، التي كانت مخصصة لاستكمال مناقشة الموازنة، برفْضه إدراج موضوع عرسال من خارج جدول الأعمال، فإن المجلس الذي انعقد أمس، في جلسته العادية، بدا على مشارف الخوض في نقاش معقّد انقسامي جديد في ضوء ما يعتبره وزراء «14 مارس» والنائب وليد جنبلاط والمستقلون محاولة متقدمة من وزراء «8 مارس»، ولا سيما منهم وزراء «حزب الله» و«التيار الحر»، لشرعنة الاتجاهات التي سبق للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان أعلنها في خطابه الأخير، حين دعا الدولة الى الانخراط في امتدادات معركة القلمون لجهة جبهة جرود عرسال «وإلا فإن الأهالي لن يقبلوا باستمرار احتلال التكفيريين» لمناطق لبنانية هناك، وهو الاتجاه الذي حظي بتغطية مباشرة وفورية من العماد عون. ولكن الواضح كما تقول مصادر وزارية بارزة لـ «الراي» أن الحزب لن تكفيه التغطية العونية وحدها في مسألة شديدة الحساسية ميدانياً ومذهبياً، وهو يضغط في اتجاه تغطية حكومية أوسع لحمْل الجيش اللبناني على الانخراط في الفصل الأخير من المعركة الذي يضع عرسال وجرودها في عين الاستحقاق الميداني. وعاد المناخ السياسي والاعلامي يشهد تصاعُداً في السخونة، ترجمه كلامٌ حاد لرئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد ليل أول من أمس، توعّد فيه الامين العام لـ «تيار المستقبل» أحمد الحريري بقوله: «حسابو بعدين»، وذلك في معرض الرد على مواقف الحريري من تورُّط الحزب في معركة القلمون. وتطرح المصادر الوزارية نفسها تساؤلات في هذا السياق، حول ما اذا كان الحزب الذي يتعرّض لاستنزاف بشري واسع في معركته، اندفع من دون حسابات دقيقة نحو محاولة تغيير الاستراتيجية التي يتبعها الجيش اللبناني على جبهة الجرود الشرقية، التي بات يمسكها بصلابة وبسيطرة قوية، ولكن ضمن اطار دفاعي صرف ومن دون التورّط في معارك خارج الحدود اولاً، ومن دون افتعال ما يتسبب بإشعال مواجهة على الخطوط التي ينتشر عليها تالياً. وإذا كانت مباشرة الضغوط على الحكومة لدفْعها نحو اتخاذ قرار مختلف في شأن عرسال تزجّ الجيش في واقع معقّد وخطر راهناً، فإن المصادر نفسها لم تنظر بعين تقليدية الى نبرة الاستفزاز اللافتة التي برزت في كلام النائب رعد، وصولاً الى إعلانه رداً على سؤال عن تَعارُض محتمل بين الرئيس اللبناني والولي الفقيه، انه «لا تَعارُض بين الاثنين ولا يمكن ان يتعارض الالتزام بولاية الفقيه مع شأن لبناني خاص»، مضيفاً: «الرئيس قد يختلف معنا وليس مع الولي الفقيه. ثمة فارق بين ان يتخذ الرئيس موقفاً يختلف مع قناعتنا وتوجهاتنا وهو لا يختلف معه، فهو دون مستوى ان يختلف مع الولي الفقيه». ولفتت المصادر نفسها الى ان نواب الحزب «شرعوا في الأيام الأخيرة في إطلاق التصريحات والمواقف بكثافة غير مألوفة عن الفترة السابقة بما يؤشر الى قرار لدى الحزب بتصعيد وتيرة المعركة الإعلامية والسياسية في موازاة بلوغ المعركة الميدانية مراحل متقدمة». وأشارت هذه المصادر الى ان «مجمل التحركات الأخرى الداخلية ومنها جولة وفود (التيار الحر) على القيادات والكتل النيابية، أضحت بمثابة ملء فراغ لا أكثر ولا أقلّ وأن الواقع يتّجه نحو صفحة جديدة مقترنة بمعطيات تؤثر تأثيراً قوياً على الاستقرار الداخلي وواقع الحكومة، علماً ان جولة الوفود العونية لم تفض عملياً الى أيّ نتائج ايجابية في زحزحة الخلافات العميقة حول الأزمة الرئاسية التي ستمرّ ذكرى سنة على بدئها الاثنين المقبل». وتشدد المصادر على ناحية بارزة في هذا الإطار وهي ان «قوى (14 مارس) والنائب وليد جنبلاط والمستقلين، ككتلة الرئيس ميشال سليمان الوزارية، لا تبدو في وارد التساهل مع أي محاولة غير محسوبة لحصول حزب الله وحليفه العوني على تغطية لمغامرة خطرة في عرسال وجرودها، وخصوصاً ان هذه القوى تستشعر ايضاً بأن الحزب والحليف العوني يستخدمان هذا التطور ويوظّفانه في ضغوطهما المستمرّة في المعركة السياسية والرئاسية وهو ما لن يكون ممكناً التسليم به».
مشاركة :